‏السودان، وإحجام تلاطم أمواج الداخل 

  • هاجت الدنيا وماجت وتزاحمت الألفاظ النابية وإنحدرت مستويات النقاش إلى هاوية أخلاقية خطيرة لا تشبه  السودان ولا تشبه ثوابت أهله بسبب وصول الفريق أول ركن كمال عبد المعروف إلى بورتسودان وإجتماعه بكبار ضباط القوات المسلحة بحضور رئيس مجلس السيادة الإنتقالي عبد الفتاح البرهان، سؤالي هو ما المشكلة في إستعانة القيادة السودانية بالفريق أول ركن كمال عبد المعروف أو غيره من الخبرات السودانية الأمنية والسياسية والعسكرية؟، العالم كله وعن بكرة أبيه يعلم أن السودان يواجه أكبر تحدي في تاريخه الحديث يستهدف كينونته كدولة ومن حقه التحالف حتى مع الشيطان لوقف هذا الكارثة التي تستهدف وجوده فما الضير في ذلك ؟!  لا مجال للخرطوم اليوم للتفكير بردة فعل العالم أجمع حول إستعانتها بكوادر أمنية سابقة أو لجوؤها لأطراف محددة للحصول على إمداد عسكري، فلا تمتلك السودان في هذا الظرف الكارثي رفاهية الوقت لوضع تقديرات لموقف كل دولة من هذه الحرب التي تستهدف كينونته وموارده ومستقبل أبناءه شاء من شاء وأبى من أبى.
  • لا نستطيع ان ننكر بأن عهد الإنقاذ شكل مرحله عصيبة في التاريخ الحديث للدولة السودانية ولكن ذلك لا ينفي حقه ودوره في العديد من المواقف مع قناعتي الكاملة بأن عهد الإنقاذ لم يزول بزوال رأسه ولم يأن الأوان بعد لنقول بأن منطق الدولة السودانية السابق إنتهى بنجاح ثورة ديسمبر ٢٠١٩ ولكن نقول بأن أحداث ١٥ ابريل ٢٠٢٣ ورفع مليشيا الدعم السريع السلاح لإسقاط الدولة والقضاء على مقدراتها ما هي إلا مقدمة لتصحيح المسار وإعادة بناء الدولة وهذا شأن خاص يتجادل ويتوافق فيه أبناء المقرن بإختلاف أعراقهم وإنتماءاتهم السياسية.
  • ‏الخلاف مع نظام الإنقاذ لا يعطينا الحق بمصادرة ونسف ما قام به من محاسن وإيجابيات فلنكن منصفين في إبراز الخطايا والمحاسن لكافة الأنظمة حتى وإن إختلفنا معها، فلا يوجد نظام حاكم ملائكي منذ تاريخ البشرية حتى اليوم ولن يأتي، كل نظام حاكم في هذا ⁧‫العالم⁩ له أخطاؤه التي لا تغتفر وله محاسنه التي لا تُنسى، وإن كانت هناك تحفظات على أيديولوجية المؤسسة العسكرية السودانية ومن يمثلونها أو خوف من عودة نظام الإنقاذ السابق لحكم السودان فيجب في هذا الظرف الدقيق الذي تعيشه الدولة السودانية التوقف عن الحديث في ذلك حتى تسترد الدولة عافيتها وتستقر، وبعد ذلك يتم تشكيل لجان وطنية لمعالجة تلك المسالة وإجماع الشعب السوداني عليها بإعتباره هو الحاكم الفعلي، فالسودان ليس الإنقاذ، والوطن ليس النظام الحاكم ولن يكون، فليس من الإيمان وليس من الأصالة وليس من المواطنة الصادقة أن أوغل في عداوة الوطن وأشارك في تدمير مؤسساته الوطنية وثوابته التاريخية والحضارية فقط لإختلافي مع كوادر نظام سياسي سابق قُدر لهم أن يواجهوا هذا الظرف العصيب من عمر الوطن، السودان ليس الإنقاذ، والسودان ليس الكيزان، فمن الظلم أن أحكم على منتسبي مؤسسة وطنية كالقيادة العامة للقوات المسلحة السودانية بأنهم جميعهم تابعين لتنظيم الإخوان، نعيد ونكرر أن المؤسسات الوطنية في جميع أنحاء العالم تجد من منتسبيها من يدعم حزب على حساب آخر ومن يعتنق أيديولوجيا قد لا تتوافق مع أيديولوجيا أقرانه وهم في ذات المؤسسة ولكن ما يجمعهم هو الوطني وخدمته، نكررها لعل تعيها أذان واعيه ليس من المنطق أن أستبعد وأقصي مواطنين من خدمة أوطانهم لمجرد أنهم ينتمون لرأي أو لأيديولوجيا لا تتوافق مع الأغلبية؟ ليست هذه هي المواطنة الحقيقية التي سيتم تكريسها في شعوب حيه إستوعبت فكرياً وسياسياً كينونة الوطن ، الإقصاء المزمع تنفيذه لن يتحقق في سودان المستقبل مهما تصاعدت موجات العودة للمربع الأول.
  •  مثلما تدرك مليشيات الدعم السريع بأن العناصر الملتحقة بالمؤسسات العسكرية السودانية الوطنية ترتكز على مفهوم خاص للوطن وسيادته لا يلتقي قطعاً مع مفهوم مجموعات التيه ومجتمعات الإرتهان، فهي تدرك أيضاً بأن الجيوش الوطنية تستمد بقاءها من عنصرين الأول هو أبناءها لا من المستأجرين من خارج الحدود، والثاني من عقيدة عسكرية ثابته ركيزتها الوطن وبقاءه.
  •  السودان الجديد سيولد في حالة واحده فقط وهي إنحياز المواطنون الكامل للوطن في هذا الوقت العصيب ودعم مؤسسات الدولة الوطنية حتى وان كانت تلك المؤسسات ينخرها الفساد، فالفساد يمكن إصلاحه والقضاء عليه ولكن لا يمكن القضاء على الوطن، والحكم في النهاية للشعب السوداني وحده.

د.أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشآن الأفريقي

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى