التعاون العسكري الصومالي المصري..خطوة إيجابية تأخرت كثيرا

القاهرة: صفاء عزب

 على الرغم من الروابط القوية التي تدعم علاقة الصومال ومصر عبر سنوات طويلة، والتي كانت حافزا لتطلع الشعب الصومالي لمزيد من التعاون والدعم في ظل الظروف الصعبة التي مر بها ولا زال يعانيها بسبب الصراعات السياسية السابقة والكوارث البيئية، إلا أن إقدام مصر مؤخرا على خطوة إرسال شحنات عسكرية إلى مقديشو  تفعيلا لبروتوكول تعاون عسكري بين البلدين، يعد خطوة غير مسبوقة منذ ما يقرب من أربعة عقود، مما آثار ردود أفعال إقليمية ودولية لما تعكسه هذه الخطوة من تحركات مصرية نشطة في منطقة القرن الإفريقي بشكل لم تعتد عليه منذ فترات طويلة، وهو الأمر الذي اعتبرته إثيوبيا بمثابة تصرف استفزازي قامت على إثره بإعلان تعيين سفير جديد لها في أرض الصومال، وهو”تيشومي شوندي هاميتو”، وذلك نكاية في الصومال التي لا تعترف باستقلال هذه المنطقة عنها، في خطوة تصعيدية أثارت المخاوف من توابعها وانعكاساتها على استقرار القرن الإفريقي، وكذلك المخاوف من أن تتحول دولة الصومال إلى ساحة للصراع المزمن بين مصر وإثيوبيا خاصة في ظل التوترات بين البلدين بسبب توابع تشغيل سد النهضة وآثاره على الأمن المائي المصري.

منذ تولى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مهام عمله كرئيس لبلاده خلفا لمحمد فرماجو، وقد عمل على تدعيم علاقات التواصل مع مصر وتنوعت أوجه التعاون بين البلدين في شتى المجالات إلا أن زيارته الأخيرة للقاهرة قبل أقل من شهر شهدت تطورا نوعيا في العلاقات الثنائية بعد تتويجها بالتوقيع على بروتوكول التعاون العسكري بين البلدين والذي جاء عقب موافقة مجلس الوزراء الصومالي على اتفاقية دفاع مشترك مصر.

نظرا لتوقيت هذا الاتفاق وطبيعة الأحداث والتطورات التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي والتي لا تخلو من توترات ترتفع حرارتها لدرجة الإلتهاب من وقت لآخر، تأتي حساسية هذه الخطوة وأهميتها بالنسبة لمصر والصومال، اللتين أقدمتا عليها ردا على سعي أديس أبابا لإنشاء قاعدة بحرية في أرض الصومال غير المعترف بها دوليا، والتي تعتبرها الحكومة الصومالية جزءا من أراضيها، وكذلك كرد فعل مصري ضد التعنت الإثيوبي في التعاطي مع قضية سد النهضة، وإصرار  أديس أبابا على المضي قدما في مراحل ملء السد ضاربة عرض الحائط بكل المطالب المصرية للحفاظ على حقها في حصتها من مياه نهر النيل. كما أنه لا يمكن فصل هذه التطورات عن استعداد الأمم المتحدة والاتّحاد الإفريقي للانتقال من بعثته الانتقالية في الصومال (أتميس) إلى بعثة لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال (أوسوم) مع مطلع العام المقبل 2025م ما يعني تغير مهام البعثة بما يلقي مزيدا من الأعباء الأمنية على الجانب الصومالي، خاصة في ظل حربه الشعواء ضد الإرهاب.

لذلك لم تنتظر القاهرة طويلا لتفعيل بروتوكول التعاون العسكري مع مقديشو وسرعان ما انطلقت عملية توصيل التعزيزات العسكرية من القوات المسلحة المصرية إلي أحد النقاط العسكرية الصومالية والتي ينتظر أن تتولي إدارتها القوات المسلحة المصرية في إطار مهمة التأمين الشامل للحدود الصومال وحفظ الأمن. وقد تضمنت التعزيزات طائرات عسكريه مصرية محملة بمعدات عسكريه وضباط لمراقبة مركز القياده العسكريه بهيران على الحدود مع إثيوبيا. وذكرت مصادر أن عدد القوات المصرية المرسل للصومال يبلغ عشرة آلاف جندى مصرى منهم خمسة آلاف جندى سينضمون إلى قوات AUSSOM ما يعني أن مصر عزمت على تأمين شريط البحر الأحمر من برنيس جنوب البحر الأحمر إلي أرض الصومال من خلال استعانتها بباقي جنودها  المرسلين للمنطقة. وهو ما يثير التساؤل حول توابع هذه الخطوة وأثرها على استقرار الصومال وجيرانه؟!!

لقد عبرت إثيوبيا عن غضبها الشديد من هذا التعاون الصومالي المصري وهددت بأنها لن تقف خاملة أمام محاولات جهات فاعلة “لم تسمها” لزعزعة استقرار المنطقة بحسب تصريحات رسمية للخارجية الإثيوبية. يأتي ذلك بينما كانت ولازالت تمارس أديس أبابا سياستها الخارجية التي تتعارض مع المصالح الصومالية خاصة عندما وقعت في يناير الماضي مذكرة تفاهم مع إدارة صوماليلاند الانفصالية، لتصل بموجبها إلى الساحل الصومالي لأغراض تجارية وعسكرية، وهو ما يعد انتهاكا لسيادة الصومال الوطنية ووحدة وسلامة أراضيه.

لاشك أن من حق الصومال أن يمارس سيادته على كامل أراضيه ومن حقه أ يتخذ ما يراه من تدابير تكفل له ذلك، ولذلك تأتي أهمية خطوة التعاون العسكري مع مصري طالما أنه يأتي في إطار احترام سيادة واستقلالية الصومال. وهو ما يتطلب حكمة القيادة الصومالية في التعاطي مع الأمر بنوع من التوازن والبراجماتية التي تخدم مصلحة الشع ب، والأخذ في الاعتبار ردود أفعال الأطراف الإقليمية الأخرى التي تبغض التقارب المصري الصومالي والتي قد  تجد عناصر مؤيدة لها في الداخل الصومالي ممن ينتمون إلى شريحة الخصوم السياسيين لشيخ حسن وينتظرون اللحظة المناسبة للجلوس مكانه، خاصة مع اقتراب فترة الدخول في معترك منافسات انتخابية بعد أقل من عامين.

وقد اجتمعت مصالح البلدين هذه المرة في هذا التعاون الذي يأتي في ظروف بالغة الصعوبة يشهدها البحر الأحمر وتهدد أمنه، سواء بسبب الحرب الأهلية في السودان أو  بسبب ما خلفته حرب غزة من حوادث أمنية، حيث يكون من مصلحة البلدين استعادة الاستقرار في هذه المنطقة ومحاربة القرصنة وظاهرة الإرهاب. كما أن الصومال يعد امتدادا استراتيجيا لأمن مصر لاسيما في منطقة القرن الإفريقي حيث مضيق باب المندي وخليج عدن اللذين يعدان مدخلا حيويا جنوبيا لقناة السويس ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للقاهرة.

لذلك تعد هذه الخطوة مهمة ورائدة بين الدولتين وقد تأخرت كثيرا لأن الصومال بلد يمر بمرحلة مهمة يحتاج فيها لدعم أشقائه العرب حتى يستطيع الوقوف على قدميه ويستعيد قوته ويحقق ازدهارا ينعم به شعبه. كما تأتي لمصلحة الصومال في دعم جيشه وإكسابه خبرات عملية في مواجهة العمليات الإرهابية وإعادة تأهيل قواته الأمنية والعسكرية بما يمنحه قوة في مواجهة الأطماع الإقليمية وقدرة على تطويق الإرهاب والقضاء على الجرائم التي نتجت عن الفوضى الأمنية خلال سنوات ماضية.

على الرغم من تشاؤم البعض من هذه الخطوة إلا أنني أعتبرها فرصة ذهبية للبلدين لوضع أسس قوية ومتينة تضمن بقاء التعاون واستمراره بصرف النظر عن تغير القيادات وذلك بتغليب المصالح الوطنية على الخلافات السياسية.

صفاء عزب

كاتبة وصجفية مصرية
زر الذهاب إلى الأعلى