يبدو أنني أحيا بين تناقضات غريبة، أظهر للعالم ابتسامة ناعمة وكأنني لا أملك في جعبتي سوى الفرح، ولكن في داخلي تشتعل شعلة لا تنطفئ. شعلة تمثل كل التحديات التي واجهتها، كل الأحلام التي تحطمت، وكل الحكايات التي لم تُروَ.
كيف لا أكون “ابتسامة من رماد” وقد ولدت من بين فوضى الواقع، في زمن لم يعرف إلا الفوضى؟ بينما الآخرين يفرحون بوجودهم، أنا أحتفل ببقائي، بالرغم من كل الظروف التي حاولت إطفاء تلك الشعلة داخلي. ربما تكون ابتسامتي رمادية، لكنها تحمل سرّ الصمود.
كلما نظرت في المرآة، أرى شخصًا كُتب عليه أن يتحمل، أن يستمر، وأن يُظهر للعالم وجهًا مبتسمًا بينما قلبه قد أضرم النار في صراعاته. أعيش بين نقيضين: رماد الحياة في الخارج، وشعلة التحدي التي تحرق داخلي.
ومع ذلك، تلك الشعلة لا تحرقني. على العكس، هي ما يدفعني للاستمرار. قد يبدو الأمر للآخرين كأنني أتحرك بخفة، أُظهر التفاؤل، وألقي النكات بابتسامة غير متأثرة. لكنهم لا يرون الباطن، لا يشعرون بالحمم التي أتنفسها كل يوم. تلك الشعلة هي سرّ قوتي. من الخارج، أنا شخص بسيط، رمادي في عين الحياة، ولكن داخلي يُضيء كما لم يتوقع أحد.
يبدو أنني أتقنت لعبة الحياة. أتعلم كيف أخفي كل صراعاتي في طيات ابتسامة رمادية خفيفة، وكيف أُبقي شعلة الحلم مشتعلة رغم أن الرياح لا تهدأ أبدًا. لستُ مثل الجميع، فأنا من الرماد أبتسم ومن النار أواصل. أرى في كل عثرة فرصة للتوهج أكثر، وفي كل ضربة دافعًا لأن أنهض مجددًا، وكأنني قطعة فحم في موقد الحياة، لا تتحطم بل تزيد بريقًا مع كل اختبار.
لستُ مجرد شخص يبتسم رغم كل شيء؛ أنا الذي يبتسم لأنه يعلم أن كل ذلك “الرماد” لا يقتل الشعلة بل يغذيها. وهكذا، أستمر في السير وسط هذا العالم، وأنا أحمل رمادي معي كأنه وسام، كتذكار لكل معركة خضتها ولم أتراجع فيها. كل تلك الانكسارات التي كانت لتوقف الكثيرين، صارت عندي دروسًا، أتعلم منها كيف أجعل شعلة الأمل أقوى. لست بحاجة لأحد ليعرف ما بداخلي، لأنني تعلمت أن العظمة الحقيقية تكمن في أن تعرف قوتك من نفسك، وأن تظل تبتسم حتى وأنت تتعامل مع نيرانك الداخلية.
هذه الشعلة هي التي تجعلني مميزًا، تجعلني أدرك أنني لست مجرد شخص يتجاوز الأوقات الصعبة بل إنني أصنع منها أساسًا، أبني عليه أحلامي، وإن كانت من رماد. الابتسامة التي يراها الناس ربما تكون هادئة، غير متأثرة، لكنهم لا يعرفون أن هذه الابتسامة هي نتيجة نار متقدة من التصميم.
أبتسم من رماد لأنني أرى في كل نكسة بداية جديدة، وفي كل عائق فرصة للصعود. شعلة الإصرار لا تنطفئ أبدًا، حتى وإن غطتها أطنان من الرماد، فهي تظل تنتظر لحظة الانبعاث. أنا لست فقط الشخص الذي مر من التجارب الصعبة، بل أنا الذي صنع من تلك التجارب وقودًا لأحلامه، وجعل من الابتسامة، حتى وإن كانت من رماد، عنوانًا للانتصار.
وهكذا، تظل حياتي كلوحة فنية تجمع بين السخرية والجدية، بين الرماد والشعلة. كل مرة أواجه فيها العالم بابتسامتي، أشعر وكأنني أخدع تلك الصعوبات. فهي تظن أنها أحرقتني، أطفأتني، لكنها لا تدرك أنني أتعمد التحول إلى رماد، لأعيد بناء نفسي من جديد. من كل هزيمة أخرج أقوى، ومن كل لحظة ضعف أستجمع فيها طاقتي للمضي قُدمًا.
في داخلي سخرية خفية تجاه الحياة نفسها، تجاه تلك المعارك التي تظن أنها تملك اليد العليا. أراها وهي تتلاعب بالأقدار، وأنا أبتسم لها بخبث، وكأنني أقول: “هل هذا كل ما لديكِ؟”. لقد مررت بما هو أشد وأصعب، وخرجت منها أكثر إصرارًا. فما قيمة الحياة إن لم تكن مليئة بالتحديات؟ وما جدوى الابتسامة إن لم تأتِ من قلب يعرف تمامًا ما تعنيه النيران؟
قد تكون ابتسامتي من رماد، لكنها ابتسامة تعرف معنى القوة الحقيقية. قوة لا تأتي من الغلبة الفورية أو الانتصارات السهلة، بل من النهوض بعد كل سقوط، من القدرة على إشعال الشعلة من جديد حتى وإن بدت الأمور وكأنها انتهت. إن كانت الحياة لعبة، فأنا ألعبها بإتقان؛ وإن كانت مسرحية، فأنا الممثل الذي يعرف كيف يخفي وراء كل مشهد ظاهري قصة مليئة بالتحديات والانتصارات المخفية.
وفي نهاية المطاف، تظل تلك الشعلة في داخلي تذكارًا حيًا لكل ما مررت به، وكل ما سأمر به. شعلة لن تنطفئ، لأنني تعلمت كيف أجعل من الرماد حياة، ومن السخرية عزيمة، ومن ابتسامتي عنوانًا لكل ذلك.