الجندي والانضباط

إن وظيفة الجيش هي حماية الدولة من الإعتداءات الخارجية، والمحافظة على الحدود البرية والمياه الإقليمية، والمجال الجوي للدولة، كما يتدخل الجيش أحيانا في حالة فشل الأجهزة الأمنية المدنية في السيطرة على الأوضاع الأمنية وتوفير الإستقرار للمجتمع داخل البلاد. ولأن هذه الوظيفة المرموقة التي هي شرط الأساس لتشكيل أي دولة تسود أمة لمصير مشرق. بما أن غالبية أبناء البلدان لا يلتحقون بالكليات العسكرية فإن إكتراث بعض أبناء بلادنا لهدا العمل الرفيع، يرفع فرض الكفاية عن الآخرين. 

ورغم جسامة هذه المهنة، ثمة بنود انضباطية وقواعد سلوكية لا يتم ذلك العمل المصحوب بالتضحية إلا بها.

أهمية الانضباط بين أفراد الجيش

الإنضباط والجندي جزء لا يتجزأ، ولا يمكن للجندي الوطني أداء واجباته بدون تزويده بقواعد الانضباط العسكرية واستخدام القوانين اللازمة بغية تحسين الخدمة العسكرية.

وكما لا يستغني الجندي عن هذه القوانين الانضباطية، فإنه بفصيلته لا بفضيلته، إذ لايمكن للجندي الإيفاء بالمهمات دون الحصول على عامل التضامن بين كتيبته، وإن لم يعتمد أفراد وحدته على هذه القواعد السلوكية وقوانين الإنضباط، فلن ينال الجيش مبتغاه.

الإنضباط أيها الجندي الباسل هو سلاحك الأول قبل البندقية، والتمسك به أولى قبل زنادها، وانعدامه لا يتحقق الإنجاز، فحمايته أولى وأوجب عن أي حماية.

مفهوم الإنضباط

 هو الإلتزام بالأوامر والتقاليد العسكرية والحفاظ على المواعيد وتجنب الممنوعات. وله ركن أساسي وهو الإحترام. 

وانطلاقا من ذلك يجب إظهار دلائل معتمدة على المستويين الفردي والجماعي، ومن المحتم أن تبرز هذه في الزي والنظافة والهندام، والجدية والإهتمام، والتخلق بالصدق والأمانة، وفي أداء العمل والتزامه وترتيب المهمات، والابتعاد عن الفوضى، وتطبيق النظام، وتنفيذ الأوامر دون تردد وتسويف، علاوة على مراعاة اللوازم لسلسلة القيادة بدقة، وإعطاء الأحقية القصوى للضبط والربط.

والضبط والربط العسكري يعني: الثقة التامة بين الجنود وقادتهم، وعدم تشكيك الأوامر الصادرة، بينما التأخير في تنفيذ الأوامر يضعف العزيمة والجرأة، ويشتت الانتباه خلال العمليات الحربية، مما يؤدي أخيرا إلى الإحباط.

وإنني لأرجو أيها الباسل، أنك على دقة الدراية أن الإنضباط العسكري عموما ليس مجرد وسيلة لتوجيه الجنود، بل هو مهارة حيوية يجب اكتسابها خلال الخدمة العسكرية بصرف النظر عن وقت محدد ومكان.

الإنضباط وضرورة تطبيقه على القادة

كما يجب على الجنود الحفاظ على أنماط الإنضباط؛ فإنه يجب على القادة وضباط الجيش الإلتزام بالإنضباط وتعزيز الثقة بين الجنود، والمراقبة على تنفيذه، إلى جانب تحقيق العدل ببن أفراد الكتيبة، في مجالات التثبت والترقية والمعاقبة. كما يجب على القادة رفع المعنويات لأفراد الوحدة، وإدامة المحبة وتعزيز روابط الأخوة بينهم، وتحفيز هممهم نحو النجاح والإنجاز.

وباكتمال استخدام القوانين للانضباط من جوانب القادة وإفشائه بين الجنود، وإجراء التمرينات الدائمة عليهم لتحقيق تنفيذه في أوقات الحرب والسلم، يجعل الجيش قادرا على قهر الأعداء وإحراز النصر.

وإن أي جيش عزيز يفتخر به مواطنوه، أعطى الأسبقية العظمى للانضباط دون إعطائها للعدد كثرة أوقلة، ولتوطيد العناصر للضبط والربط بين أفراده حسب مسؤولياتهم، مما يقود الجيش إلى بث نفوذه في أرجاء البلاد والصمود على الخدمة.

حتمية الإنضباط بين الجيش والمواطنين

وفي صدد الكلام عن هذا الموضوع أيها الباسل، فإن إمتلاك أية نصر يحرز جيش ما ينجم عن حسن العلاقة التي تربطه بمواطنيه، وبينما الجيوش غالبا تجري عملياتها الحربية في المناطق النائية والبعيدة عن العواصم للوقاية عن الهجمات العدوانية وسد أنظمة التجسس لصالح العدو، ولأجل النيل عن تلك الأغراض، يجب مواظبة العلاقة وتحسينها بين الفرق والمواطنين القاطنين في تلك المناطق، وذلك إكرام شيوخهم، واحترام تقاليدهم وعقائدهم، وصيانة أعراضهم، والحفاظ على مواشيهم وممتلكاتهم، إضافة إلى تقديم المساعدات لهم عند حدوث الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية مثل: الزلازل والفيضانات والجفاف والبراكين والحرائق. ولا غرو أن المساعدات في المواسم العويصة  ترمز في ذاكرة المواطنين، مما يؤدي إلى امتلاك ثقتهم ووقوفهم جانب الجيش بالكم والكيف، كما يؤدي ذلك إلى عدم وجود ثقب يصطاد فيه العدو لشن هجماته.

وفي الختام أيها الجندي الباسل ما دمت في ضمن هذه الخدمة النبيلة تذكر أنك الوحيد الذي يعتز به المواطنون دون إستثناء، من بينهم رؤساء وملوك، ووزراء وقضاة، وأعضاء النواب ورجال الأعمال والمثقفون، ولا أنسى أن أحق المواطنين إحتراما هم رجال الدين والأمهات والأطفال، فكلما تزداد ثقتهم بك، كلما تحقق نصرا. 

النقيب علي حسن شيخ عبدالل ه(بيحي)

باحث في الشؤون الأمنية

زر الذهاب إلى الأعلى