‏أبي أحمد إلى بورتسودان “رسائل، وحقائق”

‏1️ أدركت إدارة رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد بعد عام ونصف على إندلاع الأزمة السودانية بإن تركها للباب موارباً أمام تلك الأزمة لم يعد يجدي نفعاً خاصة مع ظهور عناصر عسكرية إثيوبية تقاتل جنباً إلى جنب مع مليشيات ⁧‫الدعم السريع‬⁩، وهذا ما وجدته أديس أبابا بأنه سيكون مدخلاً لا تحمد عقباه مع سودان المستقبل حتى وإن لم تحسم الحرب لصالح أحد الطرفين، فإستقبال أديس أبابا لقائد مليشيا الدعم السريع حميدتي في يناير من العام الجاري لم يكن موفقاً فهو أظهر أديس أبابا بمظهر اللاحقة بركب المقوضين لسيادة الدولة السودانية في هذا الظرف الدقيق من تاريخ السودان الحديث، وهو ما إنعكس سلباً على مستقبل العلاقات الإثيوبية السودانية التي وصفها الراحل مليس زيناوي ذات مره بعلاقة “الجوى الباطن” وكان ذلك بحضور مهندس تلك العلاقات اللواء”عثمان السيد”وزير الأمن الخارجي السوداني وسفير الخرطوم في أديس منذ ١٩٩١ حتى ٢٠٠٤.

‏2️ هناك ثلاثة حقائق تدركها أديس أبابا كما تدركها ⁧‫الخرطوم‬⁩ :

‏   الحقيقة الأولى: تدرك ⁧‫أثيوبيا‬⁩ بأن السودان لا يرى في أديس أبابا جهة مهيأة لقيادة تفاوض أو الإشراف على وساطة بين طرفي النزاع المسلح في السودان، لقناعة الجيش السوداني التامة بتقارب إثيوبيا “الضمني” مع الأطراف الداعمة لمليشيا الدعم السريع. (وهذا ما تحاول إثيوبيا نفيه وإن كان حقيقة). 

‏ الحقيقة الثانية: بعض الأطراف الدولية الفاعلة في المشهد السوداني لا ترى في إنهيار مؤسسات الدولة السودانية هدفاً  إستراتيجياً ينبغي تحقيقه،  وبالتالي إتخاذ دول الجوار الإقليمي للسودان موقفاً عدائياً من المؤسسة العسكرية السودانية ومتماهياً مع مليشيات الدعم السريع ليس في صالح مستقبل العلاقات مع سودان ما بعد الحرب، (التراجع عن دعم المليشيا والوقوف على الأقل على مسافة واحدة من كل الأطراف بات يفرض نفسه على دول الجوار وهذا ما يدعم  فرضية توالي الزيارات الإقليمية القادمة لبورتسودان ) 

‏الحقيقة الثالثة : الإرادة الدولية “⁧‫واشنطن‬⁩ ” وإن كانت داعمة لإجهاض مساعي كافة التيارات الإسلامية للوصول للسلطة إلا إنها غالباً ما تضع الحسابات المستقبلية قبل كل شيء حفاظاً على مصالحها، وهذا ما يفسر حرصها الدائم على أن لا تخرج بصورة مضادة للإرادة الشعبية حتى وإن إختلفت مع إيديولوجيتها السياسية خاصة في ⁧‫إفريقيا‬⁩ ، لإدراكها بأن معاداة الشعوب الحية الواعية “فكرياً، وسياسياً” هو أقصر وأسرع الطرق لقتل حضورها المستقبلي في القارة الإفريقية خاصة بعد التحولات المفصلية التي شهدتها القارة، وبالتالي صمود القوات المسلحة السودانية وإلتفاف المقاومة الشعبية حولها وإنضمام الحركات المسلحة للجيش السوداني وتنامي موجة المستنفرين هو ما أعاد طرح الحسابات الأمنية لكافة الأطراف الدولية المنخرطة في السودان ما يعني قبول فرضية عدم قابلية إنهيار الدولة السودانية من الداخل وبالتالي إعادة التعامل مع الدولة العميقة. (وهذا ما سيحدث).

3️ أرى أن زيارة أبي أحمد للسودان تحمل ثلاثة رسائل: 

√ التأكيد على دعم أديس أبابا لسيادة وشرعية مؤسسات الدولة السودانية. ( كسب موقف، وحراك إستباقي قبيل إنتهاء الحرب)  

√‏ مناقشة وضعاً جديداً قد يطال منطقة الفشقة ( إقناع الطرف السوداني بالتفاوض حولها والتوافق على شروط مقبولة بين ⁧‫السودان‬⁩ والطرف الذي تمثله إثيوبيا أو تنوب عنه)  

‏ √ التعرف على مدى إستعداد ⁧‫الجيش السوداني‬⁩ على تأمين سلامة الحدود الإثيوبية السودانية، خاصة مع ولادة فصيل عسكري جديد “المشتركة” داعم للجيش السوداني وتوسع عملياته المسلحة وتصريح الناظر ترك القادر على إستقطاب وحشد القبائل المشتركة في مثلث الحدود السودانية- الإثيوبية- الإرتيرية . (في ظل ضبابية الوضع الميداني للأزمة السودانية فإن أديس أبابا تخشى من إنفتاح جبهة قتال مسلح في حدودها الغربية مع السودان ما سيشجع بعض فصائلها المتمردة على نقل الفوضى للداخل الأثيوبي)

‏د.أمينة العريمي 

باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى