برزت ولاية بونت لاند مجددا كقوة سياسية مؤثرة من الصعب تخطيها، وتسعى إلى هيمنة دواليب الحكم في الصومال خلال السنوات الأربعة المقبلة. خرج الاقليم مؤخرا من الصراع مع الحكومة المركزية في مقديشو قويا من حيث الموقف والأداء السياسي، وتمكن من انقاذ رئيسه سعيد ديني ورئيس اقليم جوبالاند أحمد اسلان مذوبي من محاولة الإطاحة ومواجهة مصير نظيريهما في جلمدغ وجنوب غرب الصومال اللذين قدما استقالتهما استجابة لضغوط من الحكومة الاتحادية وانسحبا من المشهد السياسي بهدوء، كما استطاع أن يمثّل رأس الحربة الأول في الضغط على الرئيس فرماجو من أجل تقديم تنازلات حول إنتخابات 2020/2021 وقبول النموذج الانتخابي 4.5 . بيد أن أمام بونت لاند طريق طويل ومعقد. وأن الامتحان الأصعب يتمثل في سلوكها السياسي وقدرتها على التجميع خلال الإنتخابات الرئاسية ومنع صعود تيار الرئيس فرماجو من جديد ، وما إذا ستنجح في تنصيب مرشح بونت لاندي رئيسا للصومال أو على الأقل هل ستتمكن من تشكيل جبهة انتخابية تضم رؤساء حكومات جوبالاند ، وجلمدغ، وجنوب غرب الصومال بالإضافة إلى بعض القوى السياسية المعارضة في مقديشو والاتفاق على تقاسم منصبي الرئيس ورئيس مجلس الوزراء و تقديم مرشح رئاسي توافقي.
خلاصات رئيسية :
- الانتصار الذي حققته بونت لاند في نزاعها مع الحكومة الاتحادية حول الإنتخابات يعني أن الولاية سيكون لها دورا كبيرا وقد يكون حاسما في الانتخابات التشريعية المقبلة رغم محدودية نسبة أعضاء بونت لاند في البرلمان الفيدرالي (51) مقارنة بالولايات الأخرى. كما سيكون لها تأثير قوي أيضا في الانتخابات الرئاسية.
- لا تقنع بونت لاند في هذه المرحلة أقل من رئاسة الصومال أو مجلس الوزراء. وعلى هذا الأساس لا يمكن استبعاد خيار ترشح سعيد دنيي نفسه لهذا المنصب وخصوصا إذا فشلت محاولات الحصول على مرشح رئاسي ينحدر من الاقليم. لكن لا بد من الإشارة إلى وجود صعوبات وعقبات قانونية وسياسية تتطلب من الرئيس ديني التريث واجراء مزيد من المشاورات .
- مشكلة بونت لاند تتمثل في افتقار رؤسائها إلى سياسة التوافق ومنع الإقصاء تجاه اللاعبين المحليين الآخرين في الساحة السياسية، ولذلك هناك احتمال كبير في أن تتوحد معظم الولايات الإقليمية ضدها أثناء الإنتخابات الرئاسية وتمنع مرشحها من الفوز.
مقدمة
بعد الاتفاق الذي جرى بين الحكومة الاتحادية والحكومات الاقليمية حول انتخابات 2020-2021، نهاية الشهر الماضي في مقديشو عاد إلى الواجهة الجدل المتعلق بوزن ولاية بونت لاند في المشهد السياسي الصومالي ومدى حجم تأثيرها في الانتخابات الرئاسية وقدرتها على حسم المعركة لصالحها واقناع القوى السياسية المؤثرة في البلاد بما فيها الحكومات الإقليمية والتيارات السياسية بإنتخاب مرشحها رئيسا للبلاد. وهل تملك المال السياسي الكافي لإدارة المسار الإنتخابي الذي سيكلف المرشحين مبالغ مالية ضخمة نظرا لكثرة المندوبين الذين ينتخبون أعضاء البرلمان .
بونت لاند بين الارث الماضي وتحديات الواقع
برز الثقل السياسي لولاية بونت لاند بصورة واضحة بعد الاستقلال عندما سيطر سياسيون منحدورن من هذا الاقليم على مراكز صنع القرار في الصومال وكان الحكم ما بين عبد الرشيد شرماركي وعبد الرزاق حاج حسين وكلاهما من بونت لاند، واحتفظت هذا الثقل حتى في عهد نظام الحكم العسكري ثم تعزز خلال الحرب الأهلية وأصبح الاقليم صاحب القرار السياسي الأخير في السلم والحرب وأن جميع المؤتمرات التي عقدت لأجل حل مشكلة الصومال ورفضتها بونت لم تككل بالنجاح ولم يتم تنفيذها على أرض الواقع وذلك بسبب قدرتها السياسية على المناورة وتفكيك القوى السياسية المناوئة لها، وكذلك اصطدمت بونت لاند مع جميع رؤساء الصومال غير المنحدرين منها وآخرها الرئيس فرماجو وكل ذلك من أجل الإثبات أنها قوة كبيرة لا يمكن تجاوزها ورفضها القاطع للنيل مما تسميها “مصالحها العليا”، وقد تعهد رئيس ولاية بونت لاند الحالي في احدى المؤتمرات المنعقد في مدينة جروي مطلع شهر مارس2020 بأنه لن يدخر جهدا من أجل التأكيد على دور بونت الريادي في قيادة الصومال وإعادة بناء مؤسساته الوطنية ، وكان يحمل هذا التصريح دلائل ورسائل إلى الحكومة الاتحادية في مقديشو. وفي تصريح مماثل قال رئيس بونت لاند السابق عبد الولي غاس في 15 مارس 2020 أن الاقليم لن يترد في الدفاع عن حقوقه ومصالحه ولا يهاب من أحد في تحقيق هذا الهدف. وهذا دليل مهم أيضا أن قيادات ولاية بونت لاند لديها هدف واحد وهو أن تحكم الصومال.. لكن هناك ثلاثة تحديات كبرى أمام طموحات الاقليم السياسية:
التحدي الأول جغرافي، حيث لا تمثل ولاية بونت لاند سوى 5 محافظات من أصل 18 محافظة تتكون منها الصومال ثلاثه منها متنازع عليها وهي سول وسناج ومدغ ، ولذلك عدد أعضائها في المجالس الفيدرالية تكون دائما قليلة.
والتحدي الثاني هو غياب المرونة السياسية ، ومواقفها المستفزة أحيانا للمناطق والقوى السياسية الأخرى وافتقارها إلى التحالفات الاستراتيجية.
والتحدي الثالث يتمثل في غريمها صومالاند، رغم أعلان انفصاله عن الصومال الا أنه يشكل هاجسا سياسيا لدى صناع القرار في بونت لاند , وفي حال تخلى هذا الاقليم عن قرار الانفصال وقبل الوحدة، فإن ذلك سيشكل تهديدا حقيقيا على موقع ودور بونت لاند في المشهد السياسي الصومالي.
الحكومة المركزية وبونت لاند…المعارك الصفرية واستحالة التوافق
بقيت بونت لاند في عهد الرئيس سعيد عبد الله ديني على خطها المعتاد غير المتناغم غالبا مع سياسات الحكومة الإتحادية في مقديشو وقامت بكل ما في وسعها لمواجهة خطة الرئيس فرماجو ومنعه من تثبيت حكمه على الأرض . في سبتمبر2017 أعلنت بونت لاند عن تضامنها مع الدول العربية التي قاطعت دولة قطر . وهذا القرار شكل ضربة قوية على موقف الحكومة المركزية تجاه هذه الأزمة الذي كان مائلا نحو قطر، وأثار غضب الرئيس فرماجو. ففي أكتوبر عام2017 اتخذت بونت لاند خطوة تصعيدية أخرى وساهمت بقوة في إنشاء تحالف مناوئ للرئيس فرماجو يضم رؤساء الولايات الاقليمية. لكن لم يكتب لهذا التحالف الاستمرار وسرعان ما ذهب أدراج الرياح. لم تشعر بونت لاند خيبة الأمل فواصلت تحركاتها داخليا وخارجيا لممارسة مزيد من الضغوط على الرئيس فرماجو والحكومة الاتحادية ونحجت في إثارة خلافات بين فرماجو ورئيس وزرائه خيري عبر دعم الأخير في مسعاه للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة ، ولعب دور كبير في عقد مؤتمر لرؤساء الولايات الاقليمية بمدينة طوسمريب في يوليو الماضي وصدر منه قرارات معارضة لموقف الرئيس فرماجو من إنتخابات 2020/2021 الأمر الذي دفع البرلمان إلى سحب الثقة من رئيس الوزراء خيري. لم تتخل بونت لاند رغبتها في اضعاف موقف الرئيس فرماجو والحكومة الاتحاية بعد إقالة رئيس الوزراء خيري وانما تشددت وحشدت الدعم محليا وخارجيا ضد موقف الرئيس فرماجو الداعي إلى اجراء انتخابات شعبية مباشرة والذي يعني ضمنيا تمديد فترة ولايته لمدة لا تقل عن عامين حتى رضخ الرئيس وأعلن في شهر سبتمبر الماضي تخليه عن موقفه الرافض لاجراء الانتخابات على أساس نظام المحاصصة القبلية. هذه المسيرة الحافلة بالصراعات تحتم بونت لاند على التفكير بجدية هذه المرة فيما يتعلق بملف الانتخابات الرئاسية والسبل الممكنة في تحقيق ذلك.
بونت لاند تبحث عن خليفة الرئيس فرماجو
باتت عين بونت لاند في هذه المرحلة على قصر” فيلاصوماليا” في مقديشو، وتسعى الهيمنة على دواليب الحكم في الصومال خلال الأعوام الأربعة المقبلة، وعندما جاء رئيس بونت لاند سعيد ديني إلى مدينة مقدييشو في شهر سبتمبر الماضي للتوقيع على الاتفاق السياسي بشأن النظام الانتخابي بدأ للتو تحركات غير مسبوقة وعقد مؤتمرات واجتماعات علنية وسرية مع العديد من المكونات السياسية والإجتماعية في المدينة بما فيها شيوخ القبائل والوجوه السياسية البارزة، وزار مدينة بيدوة عاصمة ولاية جنوب غرب الصومال لذات الغرض وبعد انتهاء زيارته سافر بعد أيام إلى نيروبي لمقابلة قوى اقليمية ودولية وتيارات سياسية لم يلتق بها في مقديشو وبيدوة . وكان المغزى من جميع تلك التحركات بلورة رؤية مشتركة حول الانتخابات التشريعية والرئاسية وتحديد دور بونت لاند في المرحلة القادمة.
بونت لاند والسباق الانتخابي : السيناريوهات المتوقعة
دعم رؤساء الحكومات الإقليمية والمال السياسي هما العاملان المتحكمان بشكل أساسي في نتائج الإنتخابات النيابية والرئاسية في الصومال ومن تتوفر لديه هذين الشرطين هو من سيفوز بالإنتخابات. هناك حالة من الغموض حول مواقف رؤساء الحكومات الإقليمية ولاسيما رئيس حكومة جنوب غرب الصومال عبد العزيز لفتاغرين ورئيس حكومة جلمدغ أحمد كاريه قورقور من الإنتخابات الرئاسية ومن سيدعمانه ، ولكن السيناريوهات المتوقعة بشأن طبيعة التحالفات في الإنتخابات الرئاسية تتمحور حول سيناريوهين اثنين:
السيناريو الأول: أن يستمر تحالف الرئيس فرماجو مع رؤساء الولايات الإقليمية جنوب غرب الصومال وجلمدغ وهيرشبيلي وينجح في كسب دعم بعض نواب ولاية جوبالاند وخاصة المنحدرين من عشيرته . وإذا تحقق ذلك فهو يضمن الفوز وإعادة انتخابه لولاية ثانية مسألة شبه محسومة.
السيناريو الثاني : أن تنجح بونت لاند في تفكيك تحالف الرئيس وتشكيل جبهة تضم رؤساء حكومات جوبالاند وجلمدغ وجنوب غرب الصومال بالإضافة إلى بعض القوى السياسية المعارضة في مقديشو والاتفاق على تقاسم منصبي الرئيس ورئيس الوزراء و تقديم مرشح رئاسي واحد . وهذا احتمال كبير ؛ لأن رئيس ولاية بونت لاند يتعبر الإنتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها بحلول عام 2021 مصيرية وإن إعادة انتخاب الرئيس الحالي يشكل خطرا كبيرا على وجوده السياسي وتأثيره في الحياة السياسية الصومالية وبالتالي يتوقع أن يضع ديني كل ثقله للحيلولة دون حدوث هذا السيناريو .