صدق او لا تصدق في 15 من شهر مايو لعام 2020 عندما ما كانت بلدوين عن بكرة أبيها خارج المدينة ، هاربة من الفضيان ، غارقة بالماء وبالمشكلات ، عاجزة عن نجدة نفسها ، حائرة ، خائفة ، جائعة ، مبللة ، باردة ، صائمة تنتظر قشة رمل تتعلق بها ، او منحة إنسان يساعدها و ينقذها، وهي تترقب على أحر من الجمر لعطاء السماء ، كان هناك وفد من ابنائها في مدينة قرطوا وبيدهم شيك مالي ، و على لسانهم خطاب عاطفي اعلنوا بأنهم قدموا إلى مدينة قرطوا لمد يد المساعدة والعون لإخوانهم المتضررين ، وان أهل بلدوين أهلاً لذلك ، و أقدر على تلبية نداء العون مهما كانت الظروف والأحوال ، و أن ما فعلوه ما هو إلا واجباً وطنياً ودينياً عليهم ، رُحب بالوفد القادم ، و اٌشيد بالعطاء العارم ، في مشهد يُلخبط عقل الحاضر ، ويجعله بحق حائر أي يفرح لهذا العطاء ، ام يُشفق لحال العاطي والمُعطى ، ام عليه أن يصفق لهذا الموقف النبيل ويقف توقيراً لسخاء الرجال ، ام يتألم لسوء تقدير الحال ، و يتهم بلدوين بالاستعجال ، أنه مشهد فوضوي بجميع تفاصيله ، و بأدق اجزائه ، فكل كلمة تُقال تُفسر و تُبهم أكثر ، لكن الأجمل فهذه العطاء فكرة نجدة المدن الصومالية لبعضها البعض ، فحتى سنوات قريبة كان دمار الصومال على يد مُدن حقدت و غضبت على مُدن أخرى ، فحشت و جيشت من أجل إبادة مدينة سكانها يختلف عن قبيلة ساكني مدينتها ، فرؤية عاطفة أخوية على مستوى المدن يدل على ان التفكير الصومالي في طريقة للتغيير ، وإن حس الانتماء أرتفع من انتماء محلي ضيق إلى انتماء أوسع نوعاً ماً وهذا مؤشر إيجابي يُبشرنا بأن الهوية الفرد الصومالي قابلة للتشكيل من جديد .
لكن على رغم من جمال هذا الجانب إلى إنه ايضاً مبني نوعا ما على عاطفة الحماس ، ورغبة شديدة في رد الجميل ، و الحصول على الثناء الاعلامي ، وجلب مفاخر مناطقية و لو على حساب قدرات المدينة وإمكانياتها الحقيقية ، كان من الأجدر أن لا يدخل إحسان المُدن باب التنافس و التسابق حتى لا نرهق الطرف الأضعف بالحسابات نفعية المتبادلة ، ونحمله فوق ما يحتمل ، وايضا حتى لا نؤسس مبدأ عطائي يستمر بعطائك ، ونُخنق جمال الصدقة بما يقوله الغير عنا، بل كان من الافضل أن يُستبدل فكرة رد الجميل الفوري بالتخليد الجميل الطويل بالذاكرة الجمعية الصومالية ، وذلك من خلال تدوين المعروف ، وتدريسه ، و جعله يتناقل على الألسن ، وتسمية شوارع و حارات على أسماء مُعطي الجميل من المدن ، واستحضار المعروف دائماً للذاكرة الحالية ، وربط هذا الجميل بصفات الإنسان الصومالي في تلك المدينة ، والعمل على إنشاء مشاريع يُشارك و يتداخل و يتحاور الطرفين فيها ويعود نفعها للجميع ، و حينها فقط يولد الجميل مُدن تتأخى ولا تتنافس ، وتٌعطي ولا تنتظر الرد.