تضيق هامش المناورة أمام رئيس ولاية جلمدغ أحمد دعالي “حاف”، وبات مصيره على المحك ، وأن الأيام القادمة حاسمة لتحديد مستقبله السياسي، ما إذا سيكون قادرا على تجاوز مرحلة الخطر والبقاء متصدرا على المشهد السياسي في البلاد في ظل ما يتعرض له من طعنات في الظهر، وتخلي حلفائه عنه بالإضافة إلى الضغوط الشديدة التي تمارس الحكومة الاتحادية ضده.
يبدو أن عهد رئيس “حاف” قد ولى، وصار من الماضي إثر اعلانه انهيار الاتفاقية التي وقعها مع تنظيم أهل السنة والجماعة وهو فصيل إسلامي مسلح يسيطر على مدن رئيسية في الولاية بينها مدينة طوسمريب عاصمة الولاية ، وقبوله على قرار الوزارة الداخلية في الحكومة الاتّحادية الذي حدّد يوم 4 يوليو/ تموز القادم، موعدا لإجراء الانتخابات الرّئاسية في ولاية جلمذغ الأمر الذي يعني انتهاء سلطته التي لطالما تمسك بها وتضاؤل فرصه أمام إعادة انتخابه لولاية ثانية في ظل مساع حكومية لإخراجه من المشهد السياسي طوعا أو كرها.
وصل إلى مدينة طوسمريب في 21 يونيو /حزيران الجاري، عبدي محمود صبريي وزير الشؤون الداخلية للحكومة الاتحادية الّذي تلقى ترحيبا من أعضاء كبار في تنظيم أهل السنة والجماعة ، وأجرى مباحثات مع أبرز قياداته في المدينة، كما أجرى مباحثات مع عدد من نواب برلمان جلمذغ، وكان في موازاة ذلك جهودا ومحاولات بذلها أعيان المنطقة لترتيب اجتماع بين الوزير عبدي محمود صبريي، والرئيس “حاف” للتوصل إلى اتفاق يضمن للأخير خروجا مشرفا من السلطة إلاّ أنّه رفض الاجتماع وغادر مدينة طوسمريب متوجها نحو مدينة عداودو التي خرج منها قبل عامين اثر خلافات مع رئيس برلمان الولاية ونائبه الأول.
ما مصير جلمذغ ورئيسها أحمد حاف؟
انطلاقا من الأوضاع الراهنة في غلمذغ مع التفافة يسيرة إلى تاريخها القريب، يتبين لنا أن غلمذغ منذ تأسيسها في 2015م وحتى الآن اتّسمت بالانقسامات الدّاخلية والتوتّرات السياسية التي لم تنته باستقالة الرّئيس السابق عبدالكريم أحمد غوليد الّذي استقال من منصبه في 2017م، إثر انقسامات حادة بين إدارة غلمذغ وتنظيم أهل السنة والجماعة الّذي لم يكن يومها جزءا من النظام السياسي لجلمذغ، حيث استمرّت الأزمات السياسية لهذه الولاية حتى انتخاب الرئيس الحالي أحمد دعالي حاف الّذي تصالح مع أهل السنة والجماعة بتسوية سياسية في جيبوتي نهاية عام 2017م، بموجبها حصل تنظيم أهل السنة والجماعة منصب رئاسة حكومة جلمذغ وهو منصب استحدث لحلّ الخلافات حيث كان هناك قبل هذا المنصب نائبان للرئيس، ورئيس برلمان، واستحدث هذا المنصب إرضاء لتنظيم أهل السنة والجماعة الذي كان ولا يزال يمثل القوة الفعلية التي تدير طوسمريب عاصمة ولاية جلمذغ.
لكن هذا الاتفاق لم ينه الصراع في الولاية وبرزت أزمات أخرى أبرزها الأزمة بين الرئيس حاف والحكومة المركزية.
لم يكن الرئيس حاف يوما في وفاق مع الحكومة الاتّحادية وهذا الأمر أثر سلبا على العلاقة بين قيادات الولاية وتسبب إلى انقسامات داخلية بين إدارة جلمذغ أدت بدورها إلى إنتقال حاف إلى مدينة طوسمريب معقل تنظيم أهل السنة والجماعة ليتّخذ منها مقرّا له والارتماء إلى أحضان التنظيم الذي تخلاه في وقت كان بأمس الحاجة إلى دعمه.
وبالتالي كلّ هذه المعطيات والحيثيات تشير إلى أن حدوث استقرار سياسي في هذه الولاية قد يستغرق وقتا طويلا، وأن التوتّرات السياسية ستستمر وربما ستأخذ طابعا مختلفا في كلّ مرحلة ما لم يتبن أعيان المنطقة وسياسيها بخارطة سياسية مختلفة تهدف إلى وصول حلّ جذري ينهي أسباب الخلافات المتكررة.
أمّا مستقبل حاف السياسي، فلم يبق أمام الرجل سوى خيارين:
الخيار الأول وهو الأقرب إلى الواقع، اعلان الاستقالة والامتناع عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي دعتها الحكومة الاتحادية عقدها في مدينة طوسمريب ، وهو نهج سبقه كثيرون أمثال رئيس ولاية جنوب غرب الصومال السابق شريف حسن.
الخيار الثاني: أن يرفض الانتخابات الرئاسية في طوسمريب وتنظيم انتخابات بديلة في مدينة عذاذو التي وصل إليها أمس الاثنين وإعلان إعادة انتخابه رئيسا للولاية لفترة رئاسية ثانية وهذا ما يتمناه كثير من السياسين لإعطاء درس سياسي مهم للحكومة المركزية.
وأيّا كانت الأمور فإن التطورّات التي تشهدها غلمذغ في الآونة الأخيرة تبدو وكأنّها نذر حرب ذات وجوه متعدّدة ما لم يتداركها أهل الحلّ والعقد لحلّها، ويرى محللون أن تصرّفات الحكومة الاتّحادية في التّعامل مع الولايات الفيدرالية يعمّق في هوّة الخلافات بين الحكومة الاتّحادية والولايات الفيدرالية، وعليه فإنّه ينبغي للحكومة الاتحادية أن تتحلى بالمرونة السياسية تستطيع من خلالها إبقاء الولايات الفيدرالية تحت مظلّتها دون أن تسعى إلى تنصيب موال لها في كلّ ولاية فيدرالية، والذي قد يتحقق لها عن طريق وضع سياسات عامة ومحدّدة يتم الاتفاق عليها وتحظى برضا الجميع.