إن من معاني الصوم أنه إمساك عن شهوة البطن، وبالمعنى الاقتصادي: تخفيض الإنفاق أي ترشيده بمعنى أدق. بَيْدَ أننا نرى، في حياتنا المعاصرة، علاقة طردية بين شهر الصوم والاستهلاك الشره. والمرء يدهش من هذا النهم الاستهلاكي الذي يستشري لدى الناس عامة في هذا الشهر دون مبرر منطقي.
فالجميع يركض نحو دائرة الاستهلاك المفرط، والاستعداد للاستهلاك في رمضان يبدأ مبكراً مصحوباً بآلة رهيبة من الدعاية والإعلانات والمهرجانات التسويقية التي تحاصر الأسرة في كل مكان وزمان ومن خلال أكثر من وسيلة. فالزوجة تضغط باتجاه شراء المزيد والأولاد يُلحون في مطالبهم الاستهلاكية والمرء نفسه لديه حالة شراهة لشراء أي شيء قابل للاستهلاك وبكميات أكثر من اللازم.
ومن الأسف أن اعتاد بعض الناس على بعض العادات السيئة الدخيلة على شهر رمضان والتي تتمثل في طريقة الإنفاق الاستهلاكي وهي ليست من الإسلام. الشائع بيننا أن المرأة أكثر إسرافاً من الرجل سواء في ملبسها أو إنفاقها، ولكن هناك من الرجال مَنْ هم أكثر إسرافاً في أموالهم وسلوكهم ومقتنياتهم، فالأمر نسبي ويرتبط بحجم ما يتوافر لدى الفرد من مغريات نحو الإسراف.
ويعود سبب التبذير في شهر رمضان إلى الاعتقاد الخاطئ بين الناس بأن رمضان شهر الجود والخيرات والكرم هو شهر التلذذ بأصناف الطعام المختلفة وغير المعتادة في الأيام العادية فينكب أرباب البيوت إلى الأسواق يأتون بحاجيات الشهر المتناثرة على البسطات عند أبواب المحال التجارية بكميات كبيرة قد لا يستخدمونها طوال الشهر لزحمة المائدة بأصناف الطعام والشراب.
أن التربية الاستهلاكية في رمضان ليست خاصة برمضان فقط، ولكنها جزء من تربية سلوك الإنسان عامة، والتربية الاستهلاكية تعتني بشكل كبير بالسلوك الاستهلاكي للمسلم، فهي تحارب مظاهر التبذير في الاستهلاك والمغالاة فيه، وهي من المظاهر الموجودة عامة لدى بعض الفئات الاجتماعية في مصر، كما أن شهر رمضان يظهر انتشارها بشكل عام.
إن مصروفات شهر رمضان بصورة عامة تعادل إنفاق ثلاثة أشهر تقريباً، كما أن قدوم شهر رمضان ينتج عنه اندفاع شرائي غير مسبوق الأمر، ما يخلق ضغوطاً على منافذ البيع، ويرفع الأسعار قبل رمضان، كما أن العديد من أسعار المواد الغذائية تسجل خلال هذا الشهر زيادة كبيرة في الأسعار، وهذه الزيادات تتسبب في زيادة العبء على كثير من الأسر بسبب تزامن الإجازة الصيفية ومصاريف السفر، ودخول رمضان ضمن الإجازة الصيفية.
أن الأسر المصرية تنفق 200 مليار جنيه سنويا على الطعام فقط، أي حوالى 45 بالمائة من إجمالي إنفاقها السنوي، منها فقط ما يقارب 15 بالمائة في شهر رمضان الذى تتحول فيه محال ومتاجر السلع الغذائية إلى ساحات معارك كبرى لاقتناص أكبر قدر من الأغذية. ووفقا لتقرير لغرفة الصناعات الغذائية، فإن معدلات استهلاك السلع الغذائية خلال رمضان ترتفع بنسبة 70 بالمائة عن باقي شهور السنة، ويرتفع استهلاك منتجات اللحوم والدواجن، بنسبة 50 بالمائة. بل المدهش أنه في خلال الأسبوع الأول وحده في رمضان يتناول المصريون حوالى 2.7 مليار رغيف خبز و10 آلاف طن من الفول و40 مليون دجاجة. كل هذا الإنفاق رغم الأزمة الاقتصادية، ، وارتفاع الأسعار والغلاء.
أننا نستهلك %35 من الإنتاج السنوي خلال شهر رمضان وأن %80 من دخل المواطن الشهري، يتم صرفه على السلع الغذائية في رمضان. أن الشعب المصري يزداد شرها في الإنفاق مع دخول شهر رمضان، حيث إن هناك دراسات تؤكد أن الإنفاق الأسري يزداد 3 أضعاف خلال شهر رمضان عن باقي السنة، وأقل التقديرات حسب هذه الدراسات أن الاستهلاك يزداد الثلث. معروف عن المصريين أنهم يزداد شرههم تجاه الاستهلاك خلال شهر رمضان، ويلجأون لتخزين السلع، وتنويع مصادر حصولهم عليها، وهذا غير منحصر في طبقة معينة ولكن هذه ثقافة كل الفئات”.
“لابد نرشد النمط الاستهلاكي، ويعني عدم الامتناع ولكن التعقل في الاستهلاك”، مشيرا إلى أنه ليس هناك رقم تقديري لحجم إنفاق الأسر المصرية على العزومات، فالمعروف أن هذا أسلوب مجتمعي مشهور به المصريون، ويجب القيام بدراسات متنوعة حول هذه النقطة للوقوف على حلول مجتمعية لهذه الظاهرة ومحاولة ترشيدها، فالدول المتقدمة تقوم بدراسات مجتمعية باستمرار حول مجتمعاتهم.
إن الشعب المصري لديه قناعات وثقافة عن الإسراف في الوجبات الرمضانية والإسراف بشكل عام في هذا الشهر الكريم، ويجب أن تتغير تلك الثقافة حتى يعلم الشخص قيمة هذا الشهر. أنه يجب على كل أسرة مصرية وضع خطة نفقات خلال هذا الشهر وتحديد الالتزامات المهمة في رمضان من عزائم والمدعوين لها، فيجب أن تحدد العزومة ويحدد عدد المدعوين بشكل غير مبالغ فيه، ويجب الاقتصاد في الطعام المقدم وعدم المبالغة حتى لا يطال نطاق غير المألوف والمبالغ فيه.
أن وضع خطة مسبقة يسهم إلى حد ما في الحرص على الإنفاق في شهر رمضان الكريم. أنه لابد من تغيير الثقافة المصرية الاقتصادية، وهذا يعتمد بصورة أساسية على ربة الأسرة التي يجب إكسابها تلك الثقافة ويجب أن تعلمها لباقي أفراد الأسرة. يجب تنمية الوعي الاستهلاكي بالبحث عن البدائل بسبب ارتفاع الأسعار، وتنمية ثقافة إعادة طهي الطعام، مما يعني تقليل نسبة الفاقد والاستفادة من بواقي الطعام، وتخطيط الميزانية،
وتعزيز ما يعرف بفن الشراء، وعمل قائمة بالأوليات والأشياء التي نحتاج إلى شرائها، والتخلص من الثقافة التي تعنى بربط المناسبات بالطعام، والتصدي لروح التنافسية بين ربات البيوت في تبادل العزومات، وعمل عزومات جماعية بأن تجتمع العائلة كاملة وكل أسرة تساهم بصنف”. من الممكن اللجوء إلى عمل أصناف وأطباق متداخلة من بواقي الطعام أو الكميات القليلة منه، ما يسهم في عمل أطباق جديدة بأقل كميات، واللجوء إلى المشروبات الطبيعية مثل العرقسوس والبعد عن المشروبات التي بها نسبة سكريات كبيرة، والابتعاد عن الحلويات المكلفة، والسلطة والشوربة يجب أن تكون أساسية على السفرة، والبعد عن السمن والمسبكات”.اقتصاديات الإنفاق والإسراف.
استناداً إلى حجم الإنفاق خلال شهر رمضان الماضي قدر الخبراء أن مصروفات رمضان تعادل إنفاق ٣ أشهر. السبب لا يرتبط فقط باعتماد الأسر مبدأ الإكثار من الأطعمة فحسب، بل بزيادة كبيرة في أسعار السلع الغذائية التي يكثر عليها الطلب خلال الشهر الفضيل. «الجو الاجتماعي والإعلامي» العام يغذي هذه العادة أيضاً فتجتاح إعلانات المأكولات والمشروبات شاشات التلفزيون، وتتسابق الشركات على تقديم العروض على بضاعتها؛ ما يدفع المستهلك إلى الشراء أكثر.
. في رمضان قد يخيل للبعض أن الإسراف محصور بفئة الأغنياء فقط، لكنه ليس كذلك، فحتى الأسر ذات الدخل المحدود وفي بعض الحالات الأسر الفقيرة منخرطة في هذه العادة السيئة التي باتت ظاهرة اجتماعية. الإفطارات الجماعية في المساجد والجمعيات لم تسلم من الإسراف بحيث باتت الأطعمة والمشروبات تقدم بكميات تفوق بأشواط عدد الموجودين. الجمعيات بشكل عام والخيرية بشكل خاص تقيم إفطارات سنوية هدفها الحصول على تبرعات، لكن الهدف يحيد عن طريقه لكون الفنادق المختارة تكون الأفخم ما يعني فاتورة ضخمة جداً.
ينفقون 4٠ مليار جنيه مصري خلال شهر رمضان أي نحو 2,5 مليارات دولار بمعدل مليار ونصف جنيه تقريبا يومياً على الأطعمة فقط. فإن شهر رمضان يستأثر بـ20٪ من 4٠٠ مليار جنيه يتم إنفاقها على الطعام سنوياً وأن ٦٠٪ من الأطعمة يكون مصيرها القمامة. ووفق الإحصائيات فإنه في الأسبوع الأول لرمضان يتم استهلاك ٢.٧ مليار رغيف خبز، و١٠ آلاف طن من الفول و٤٠ مليون دجاجة.