ثمت قوى أوجبهات كثيرة شاركت فى الحرب الأهلية فى الصومال ، فبعيد إنسحاب الجيش الصومالى من الصومال الغربى” اوغادين“ والإنقلاب الفاشل فى 9 / ابريل عام 1978م، هرب بعض الضباط من الجيش إلى أثيوييا ، وأسسوا هناك الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال (SSDF) فى عام 1978م ، لتكون أول جبهة واجهت النظام عبر حملاتها العسكرية (1). لتلحقها بعد ذلك الحركة الوطنية (SNM) التى تأسست فى عام 1981م فى الرياض ولندن . ومن الجبهات الرئيسية التى حاربت النظام كذلك جبهتى مؤتمر الصومالى الموحد (USC) والتى تم إنشائها فى روما عام 1989م ، والحبهة الوطنية (SPM) التى انشئت فى إثيوبيا فى عام 1989م . وكذا الحركة الديمقراطية الصومالية (SDM) التى تأسست بنفس العام فى جدة . وقائمة الجبهات الصومالية تطول لأنها تناسلت وتكاثرت لاحقا ، حتى صار لكل فخذ من العشائر جبهة خاصة تمثله فى الصراعات القبلية الصفرية . معظم هذه الجبهات كانت عملياتها المسلحة تنطلق من إثيوبيا ، كما استخدمت لندن ورما كمراكز إعلامية لبرامجها السياسى . وتوجد جبهات أخرى كثيرة ومعظمها قد تأسست بعد سقوط النظام وإشتداد الحرب الأهلية بين القبائل فى خضم الصراعات من أجل السلطة والموارد (2).
الحدير بالذكر فى هذا الصدد أن الجيهات الصومالية كانت تقاتل ضد النظام حسب خلفيتها القبلية فى المناطق ، فعلى سبيل المثال ، ركزت الحركة الوطنية الصومالية (SNM) في مناطق قبيلة “إسحاق” شمال غرب الصومال ، فى حين كانت جبهة الإنقاذ (SSDF) تنشط في مناطق مدج ” Mudug ” وماحولها من أراضى ، والتى يسكنها في المقام الأول قبائل المجيرتين . وظلت جبهة المؤتمر الصومالي الموحد (USC) تعمل في إقليم هوبي “Hobyo” والمناطق المركزية فى الصومال حيث تكثر فيها قبائل هوية . وقد نشطت الحركة الديمقراطية الصومالية (SDM) في منطقة ما بين النهريين وخاصة فى جنوب غرب الصومال التى تقطنها قبائل دجل ومرفلى ، كما عملت جبهة (SPM) ، التي كانت تمثل عشيرة أوغادين في وادي جوبا الوسطي والسفلي (3).
وفى عام 1982م تم التحالف بين الحبهتين الرئيسيين أنذاك ، الحركة الوطنية( SNM ) وجبهة الإنقاذ(SSDF ) بهدف تكثيف العمليات العسكرية فى الداخل ، واستطاعت بالفعل الحركة الوطنية بإرسال الكومندر داخل الصومال وتحديدا فى الشمال حيث كان لها حاضنة شعبية فى تلك المناطق، ونفذت عمليات هجومية ضد المواقع الحكومية ، غير أن الحكومة تعاملت مع الأحداث بكل صرامة وقسوة بالغة واستطاعت ان تحسم المعارك لصالحها فى بداية الأمر بعد ما تعاملت مع الأقاليم الموالية للحركة فى الشمال بالحديد والنار ، ومن ناحية أخرى تعاملت مع المناطق الموالية للحكومة بكل رق وعطف فى خطوة هى الأخرى كانت تهدف اثارة الفتنة وتفرقة الصفوف بين الشمالييين.
جرت معارك شرسة هنا وهناك بين الجبهات والحكومة ، واشتدت ضراواتها خاصة عند ما إتفق النظام مع نظيره الإثيوبى فى عام 1988م ، بعدم إيواء المتمردين لينفذ صربات عسكرية موجعة فى الشمال وفر معظم سكانها الى الأرياف ، ثم مالبثت ان امتدت الإضرابات جنوبا ، ولم تنجح حملات التصفية فى كبج جماح المعارضة ، بل إرتدت ضد النظام وبدأت المؤسسة العسكرية بالتفكك (4). ومع بداية عام 1990م استطاعت جبهة الموتمر الصومالى الموحد إسقاط النظام بعد أن قاتلته فى شوارع مقديشوا وأجبرت الرئيس الهروب إلى جنوب الصومال ومن ثم إلى الخارج .
ومن اللافت للإنتباه : أن قوات مؤتمر الصومالى الموحد (USC) دخلت العاصمة مقديشوا وهى لا تتمتع ولو بقدر ضئيل من التنظيم والقيادة الموحدة ، وتمركزت كل قبيلة على مواقع معينة من المدينة وخاصة المؤسسات الحكومية(5) مما كان يعنى أن الجبهة رغم نجاحها فى إسقاط النظام الديكتاتورى إلا أنها لم تكن مؤهلة لسد الفراغ الدستورى الذى تركه النظام ، وذاك ينطبق على الجبهات الأخرى التى سيطرت فى الأجزاء الأخرى من البلاد سواء فى شماله أو جنوبه .
ومن المفارقات : أن الاستئثار بالسلطة وحشر الثروة القومية فى يد قبائل أو عشاير او فئات معينة كانت محل إنتقاد الجميع ولكن الحبهات نقلت نفس السيناريوا الى المسرح الصومالى من جديد ، فمنذ الهجمات التى شنتها جبهة المؤتمر الصومالي المتحد وحلفائه على مقديشيو في أواخر عام ١٩٩٠ ، وحتى اليوم ، قام الفاعلون السياسيون والعسكريون بتمويل عملياتهم من خلال الجمع بين النهب والابتزاز ،الدعم الخارجي والكسب السياسي المتمثل في عرض مناصب سيادية بالمستقبل التي يتعين سداد ريعها المتوقع. وبدلاً من السعي لتغير نموذج “سياد بري” التجاري والحصول على التمويل السياسي من قطاع الأعمال بشكل إجمالي، فقد سعوا إلى اتباع أشكال متنوعة من اللصوصية الريعية العسكرية. فسرعان ما تحولت المعركة الاولي لتحرير مقديشو، وإسقاط نظام “سياد بري” إلى منافسة بين الزعيمين المتنافسين لحبهة المؤتمر الصومالي الموحد، اللواء :عيديد والرئيس المؤقت انذاك السيد:علي مهدي محمد. ، اذ بدأ كلاً منهما بدعم سياسي مختلف ولكن غالب دعم عيديد كان من خلال الاستيلاء على الأصول ؛ بينما قام علي مهدي محمد بتأسيس التجارة والإستثمار فيها ولكن عندما لم يتمكن أي منهما من الفوز بادارة الدولة، تقاربا في إتباع ذات المنهج (نموذج ا لنهب أو المكاسب غير المشروعة). كانت الأهداف الأولى هي السلع الإلكترونية عالية القيمة – التلفزيونات ، الفيديوهات ، الثلاجات ، مكيفات الهواء ، معالجات النصوص ، المولدات والقائمة تطول .
تجمع التجار من دول الجوار خاصة والخليج في مقديشو بالسفن والطائرات لنقل الآلات الصناعية، الأثاث ومن ثم السلع الأخرى ذات الجدوي عند إعادة بيعها، مثل تجهيزات الإضاءة وإطارات النوافذ والأسلاك النحاسية وألواح الألومنيوم . وكانت هذة أكبر عملية نقل قسري لأصول البلاد، بالاضافة الي الموضوعات العالقة، الانتهاكات التي يصعب نسيانها والاستيلاء على الأراضي، جميعها تلقي بظلالها منذ أكثر من 30 سنة وحتى الان على المشهد فى الصومال .
وقد تقاتلت الفصائل من أجل السيطرة على الموانئ والمطارات ونقاط التفتيش وشحنات الغذاء وأخيراً حتى المطابخ – وكان عمال الإغاثة الصوماليون يأملون في أن يؤدي توزيع المواد الغذائية المطبوخة إلى الحد من فرص النهب. ولكن المواد الغذائية نفسها صارت عرضة للنهب تستفيد منها المليشيات فى حاجاتها الغذائية (6).
- عبداللهحاجعبدى “الفاتح” وأخرون : إنهيار الحكومة المركزية الصومالية اسباب وتداعيات ( الخرطوم ، مطابع السودان للعملة الموحدة 2006م ، ) ط الأولى ، ص : 14.
- حسنمحمودعبدالله : الجبهات الصومالية النشأة والتطور مرجع سابق ، ص 95.
- .Mohamed Haji Mukhtar: Historical Dictionary of Somalia, New Edition, The Scarecrow Press Inc. Lanham, Maryland, and Oxford. 2003.P.6.
- . حرزا الله سمية : الحرب الأهلية فى الصومال 1991م مرجع سابق . ص (34,33)
- . حسن محمود عبد الله : الجبهات الصومالية النشأة والتطور ، مرجع سابق . ص (138,137)
- . Alex De Waal: Op, Cit, P.117