الصراع القبلى فى الصومال 1 pdf
أولا : الحرب الاهلية
بدأت الحرب الأهلية فعليا فى عام 1991م فى الصومال ، بين الحبهات المسلحة التى إستطاعت إسقاط النظام لتتطور بعدها إلى صراعات فبلية صفرية ، ولكنها كانت نتيجة تراكمات ما اقترفه النظام من جرائم فى حق شعبه منذ هزيمة حرب 1977م . وبنهاية الحرب الصومالية الاثيوبية (1977-1978) والتى تعد ضربة قاصمة للكيان الصومالى ، بدأت مرحلة جديدة فى المشهد السياسى الصومالى يمكن أن تسمى مرحلة الغليان السياسى وإنهيار النظام المركزى . وشهدت فى تلك المرحلة ظهور حركات المعارضة السياسية والعسكرية التى توحدت أهدافها فى أمر واحد وهو إسقاط نظام الرئيس ” سياد يرى “ دون أن تحوى أجندتها حلولا جذرية للمشاكل المختلفة التى تعاتى منها الصومال . بدأت حروب طاحنة تشتعل فى مقديشوا نهاية (ديسمبر /كانون الأول 1990م )بين وحدات الجيش الصومالى وقوات المؤتمر الصومالى الموحد ((U.S.C K، التى دقت آخر مسمار فى نعش “سياد برى ” (1) لتدخل البلاد بعدها فىى دوا مة العنف والعنف المضاد .
العوامل التى أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية :
بعد إنهيار النظام المركزى فى عام 1991 م فى الصومال اندلعت حرب أهلية وصفت بأنها واحدة من أسوأ الصراعات الداخلية فى القارة الأفريقية ، وقد تتعدد العوامل التى أدت الى الحرب الأهلية ومنها ماهو داخلى وأخر خارحى إلا ان أهمها يتمثل كالتالى :
- أستئثار الرئيس : سياد برى بالسلطة وتبنيه لنظام حكم يقوم على ديكتاتورية الحزب الواحد مع إفتقاده للسيطرة الكاملة على إقليم الدولة ما بعد هزيمة حرب 77 مع أثيوبيا ، وتجميده لأى نشاط سياسى داخل البلاد، أضافة إلى مصادرة الحريات وتكميم الافواه ، واستهداف المعارضين السياسيين بالإعتيالات تارة وبالسجن تارات ،مما خلق نوعا ما من الإحتقان الشعبى ، بجانب تبنيه لخطط راديكالية كانت كفيلة أن تحول الصومال من بلد مسلم له حضور وهيبة فى العالم الإسلامى إلى دولة اشتراكية تنتهج مبادئ تتناقض مع مسلمات الشعب الصومالى المسلم (2)
- عدم توفر المساواة فى الحقوق والإمتيازات بين مكونات المجتمع الصومالى و قبائله . ومع مطلع الثمانينات و بداية العد التنازلى للنطام ، سيطرت مجموعة خاصة على الثرة القومية حيث صارت متمركزة فى إيدى فئة قليلة كانت تتمتع بالإمتيازات المطلقة ومدعمة من قبل رجال السلطة العليا ومن يدور فى فلكهم .
- المحسوبية فى تعيين الوظائف العامة ، فقد وصل الأمر إلى إعطاء الأولوية للشخص ومصالحه الخاصة بدلا من الوظيفة والمصالح العامة للوطن . إذصار من دأب من يتمتعون بالحماية ان يبحثوا لأنفسهم عن الوظائف المربحة لهم كأن يستخرج خطاب تعيينه بنفسه ، وبغض النظر عن ما إذا كانت الوظيفة شاغرة ام لا أويعمل فيها فرد أخر ليكون مصير من يشغلها الطرد من منصبه ، مما أخل مبدأ المساواة للمواطنين أمام القانون والمرافق العامة . إضافة الى تفشى سوء الإدارة حيث القائميين فيها لا يحملون أدنى شهادات علمية أوفنية لتكون المحصلة النهائية شلل تام فى معظم المرافق العامة للدولة (3).
- انتشار الرشوة والتزوير والتزييف بسبب الضائقة الإقتصادية التى عمت فى أرجاء الصومال نتيجة ماكان عليه النظام من حالة حرب فى الداخل مع الجبهات والخارج مع إثيوبيا صارت الأجور للموظفين لا تسد حاجاتهم اليومية، مماحمّل كل واحد منهم اللجوء إلى وسائل أخرى كالأخذ بالرشوة ،وتزوير الأوراق الرسمية وعير ذلك من السلوكيات المتنافية مع مبادئ الدولة الرشيدة(4 ).
- تفاقم التدهور الداخلى وإشتداد المعارك بين نظام سياد برى وجماعات المعارضة الرئيسية: إذ صارت الحبهات المعارضة تشن هجمات فى مناطق عدة ، فى الشمال والوسط وجزء منها فى الجنوب . فالجبهات كانتت تتحصل دعما من دول أجنبية إلا أنها كانت محدودة القدرات فى بداية الأمر للتتحول لا حقا إلى جبهات قوية تستطيع أن تهزم قوات النظام الذى بدأ بدوره يضعف لقلة الإمكانات من جهة ، وتعدد جبهات القتال من جهة أخرى وتفكك التماسك الداخلى للقوات النظامية من جهة ثالثة .
- من العوامل كذلك قتل النظام لشعبه ، ومع بروز جبهات صومالية تحارب النظام لم تكن ردة فعل النظام ازاء ما تفعله تلك الجبهات تراعى الشعب إذ صار يقصف مدنا بأكملها تحت حجة وجود متمردين مسلحين داخل الأحياء وأزقتها مما ادى إلى تراكم الخسائر فى صفوف الشعب الصومالى . والحوادث(5) التى حدثت فى كل من مدن ( مقديشو وهرجيسا ) وعدد من المدن الأخرى قد هزت بالفعل ضمير الشعب الصومالى ، بل وكانت بمثابة إعلان أن سلطة الدولة قد انحرفت عن مسارها الصحيح ، وعلى الكل أن يدافع عن نفسه سواء إحتمى بقبيلته أو بمجموعته .
- تسييس المؤسسة العسكرية وسحب هويتها القومية والوطنية ، وتحويلها إلى حرس مصالح قيادة الحزب الحاكم . إضافة الى سوء القيادات المدنبية والعسكرية بسبب التعصب القبلى والأستئثار بالسلطة والتروة .
- تدهور الحالة الإقتصادية والشلل شبه التام الذى أصاب المؤسسات التنموية والإنتاجية بسب سوء تسيير الإدارة وسبب الجفاف الذى كان يجتاح البلاد من حين لأخر ، وكثرة النفقات التى كانت تذهب للمؤسسة العسكرية والتى بدورها قد استنزفت الإقتصاد على حساب مشاريع الإنمائية الأخرى ، يضاف إلى ذلك ضعف دائرة الضرائب والتى كانت تغطى معظم ميزانيات الدولة ، كما ان الصادرات والتجارة واجهت صعوبات جمة ، وتم تهميش القطاع الخاص مع إستيلاء الحكومة على المنتجات الزراعية بأسعار متدنية لا تغطى حتى تكلفة الإنتاج (6).
- الصراع مع الدول المجاورة : منذ أن نال الصومال إستقلاله كان فى حرب دائم مع جيرنه بسبب الأراضى المتنازعة عليها وإصرار الصومال بأن يستعيد الأقاليم الأخرى إلى رايته كان مخالفا لممنهجية منظمة الوحدة الأفريقية التى قررت مع نشأتها فى إحترام وعدم المساس بالحدود الموروثة عن العهد الإستعماري للدول الإفريقية(7) وبالتالى جلبت الصراعات المزمنة مع دول الجوار تدخلات خارجية فى الشأن الداخلى وإيواء الجيهات المعارضة للنظام ومدّها بالسلاح والمال .
- المعونات الأجنبية: هذه المعونات هي المشاكل الأساسية التى ساهمت فى تفشى الفساد ، والمحسوبية ، وعدم الكفاءة البيروقراطية التى ساعدت فى دفع البلاد إلى مستنقع الفوضى. وأدى هذا إلى انقلاب 1969 الذى أخذ السلطة فى الخمس سنوات الأولى إلى طريق التنمية الاقتصادية. وقد حاول النظام الجديد “فى إصدار” تحولات اجتماعية عميقة. وعلى الرغم من محاولات” سياد بارى“ لهندسة مجتمع صومالى جديد ، إندلعت مشكلة عندما قرر أن يذهب للحرب ضد إثيوبيا على قطعة أرض “أوغادين“. حيث شكلت هزيمة الصومال فى حرب أوغادين بين عامي 1977-1978 مشاكل اقتصادية واجتماعية فى البلاد. كما تشير هذه الحرب إلى بداية أزمة رضوخ النظام. وبدلا من استنباط سُبل معقولة لنزع فتيل الموقف ، جاء رد الرئيس “بارى” فى نوع من القهر والقمع مع تركيز السلطة فى أيدى عائلته.
وفى بدايةعام 1980 بدأت الصومال فى استقبال معونات دولية ضخمة. وفى خلال الاعوام من 1980 إلى 1989 وصلت المعونات الدولية إلى 4.268 بليون دولار نقدا ، معظمها قادم من العالم الغربى. انتهت معظم هذه المعونات فى جيوب الزمرة الحاكمة أو تم استخدامها فى بناء الجيش ، حتى فى أوقات نقص الطعام الحاد. ومن نافلة القول فقط: أنه قبل حرب أوغادين ، قام الاتحاد السوفييتى بتسليح الجيش الصومالى من الألف إلى الياء. وعندما تحول تحالف الاتحاد السوفييتى إلى إثيوبيا ، بدأت الولايات المتحدة فى تزويد الصومال بجيوش. وكانت النتيجة بأن الصومال أصبحت الدولة الثانية بعد العراق من حيث أكثر الدول تسليحا فى الفرد فى العالم الثالث. وكان نادرا ما يصل طعام ومعونات طارئة أخرى إلى من يحتاجها من الشعب. ويحزم الكثير أن المعونات الدولية زادت من سوء الوضع السياسى والاقتصادى والاجتماعى للبلاد للأسباب التالية. أولا ، تسببت المعونات المقدمة فى تعزيز النظام الديكتاتورى ، ومنحه حياة جديدة. ثانيا : خلقت المعونات إعالة على المواد الغذائية المستوردة ، وعدم التشجيع على انتاج سلعة غذائية محلية. وأخيرًا وليس أخرًا ، صنعت المعونات لصوص من جميع موظفى الدولة تقريبا ، ممن كانوا غير قادرين على إعالة عائلاتهم حتى لأسبوع واحد.
أصبحت ممتلكات الدولة التى تشكلت من جزء كبير من هذه المعونات الأجنبية ، أفضل ناقة مانديق للنهب. و كما الحال فى الماضى ، فإن الشخص يشتمل فى عشيرته للحصول على الدعم. واستمر نهب هذه المعونات إلى وقتنا هذا. جاءت نتيجة كل هذا إلى صراع كل زعيم عشيرة ، من خلال عشيرته أو عشيرته الفرعية ، للاستيلاء على السلطة من أجل السيطرة على تدفق المعونات الأجنبية المستقبلية. ولأتباعهم مطامح متشابهة ، وقلة فقط تقدم الدعم لأسباب عشائرية نقية. ولتفاقم مشاكلنا أكثر بعد كل يوم ، نجد أن النظام العشائرى الصومالى الحالى قد فقد عُرفيته من (“القانون العُرفى“). ففى ظل غياب قوانين الدولة ، كان القانون العُرفى الذى ساعد فى تقليص الاحتكاكات بين العشائر. ونحن الأن ، كما يقولون ، لا سمك ولا طيور ، لا عشائر ولا دولة (8)
فالعوامل التى أدت الى الحرب الأهلية فى الصومال كثيرة ومتشعبة وكل منا ينظر فى زواية معينة والتى لطالما عكست لك أبعاد محددة ، أخفت عليك زوايا أخرى بطبيعة الحال ولكن فى تقديرى هذه أهمها التى أدت إلى اسقاط النظام المركزى فى الصومال وسببت الفوضى الخلّاقة ” حرب الجميع ضد الجميع ” كماقال توماس هوبس .
- فاطمةالزهراء على الشيخ أحمد : السياسات الامريكية تجاه الصومال (القاهرة : دار الفكر العربى 2008 م ) ط الاولى . ص( 143. 144).
- حرزا الله سمية : الحرب الأهلية فى الصومال 1991م ، رسالة ماجستير قدمت فى تاريخ معاصر ، كلية العلوم الإتسانية والإجتماعبة ، جامعة محمد خيضر ، بسكرة ، الجزائر 2016 م . ص : 28.
- محمدعلى حامد : الحرب الأهلية فى الصومال اسبابها ونتائجها (مصر، مطابع الاهرام التجاارية 1992م ) ص 19.
- المرجع نفسه : ص 20 .
- مجزرة ” جزيرة ” نموذجا حيث نفذ فيها قتل جماعى لأبرياء عزل بعد ان تم اسرهم من منازلهم فى مقديشوا ، وهذه الحادثة روعت المواطنيين حيث اصبح كل فرد فى الشعب لايحس بالأمان.
- حرزااللهسمية : الحرب الأهلية فى الصومال 1991م مرجع سابق . ص :28.
- محمودشريف : وكيل وزارة الخارحية الصومالية سابقا .
- .Ali Jimale Ahmed : The Invention Of Somalia ( The Red Sea Press INC, 1995, 1 Edition ) Pp )114,115( .