تشرفت بأن أكون أحد أعضاء المجموعة التي قامت بكتابة التقرير الإستراتيجي الإفريقي لعام 2018 ، وأثناء مشاركتي تلك وقعت بين يدي ملفات هامة لقضايا عدة ما برحت أفريقيا أن تجد مسلكاً لحلها حتى جاءتها رياح الركود والإستسلام للأمر الواقع مثل: الصحة، النفط والتدخلات الدولية، الهجرة، الكوارث الطبيعية، النزاعات المسلحة في أفريقيا، فقمت بتحويل تلك الملفات إلى مواد تعليمية ضمن منهج علمي أقوم اليوم بتدريسة لطلبة الماجستير في جامعة مينيسوتا الأمريكية التي أتشرف بأن أكون أحد أعضاء هيئتها التدريسية.
أختتمت القمة الإفريقية الثانية والثلاثون أعمالها مؤخراً في أديس أبابا بكثيرمن الملفات العالقة والقضايا الإستراتيجية المؤجلة ، وقليل من الحلول الناجعة لمشاكل القارة ، وبين هذا وذاك لا يجد المواطن الإفريقي سبيلاً من الإهتمام بإطارة الذي يحيا فيه فقط دون الإكتراث بما يدور في أروقة الإتحاد الإفريقي وما ينتج عن مجتمعية من قرارات، فالصوماليون يتسابقون لمعرفة ما الذي أسفرت عنه قمة البترول الأخيرة في لندن، والغرب الإفريقي في السنغال مثلاً يستعد للإنتخابات الرئاسية، والأرتريون والأثيوبيون ما زالوا يناقشون زيارة مفوض التعاون الدولي والتنمية نايفين ميميكا لأسمرة وإعلانة على تمويل أوروبي بقيمة عشرون مليون يورو لربط المدن الساحلية الأرتيرية بالحدود الأثيوبية، والمواطنون في بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى ينتظرون نتيجة إتفاق المُصالحة الذي رعته الخرطوم مع أربعة عشر جماعة مسلحة منذ أيام، فكل تلك القضايا هي ما يهم المواطن الإفريقي في إطارة أولاً ليأتي بعد ذلك ما تسفر عنه القمة الإفريقية الأخيرة.
القريب من دوائر صنع القرار السياسي الأفريقي يدرك بمرور الوقت أن الإتحاد الإفريقي رغم تخطية لعقبات جمة، ونجاحة في ترسيخ قيم سياسية ومجتمعية ساهمت في تصحيح مسار بعض الدول الإفريقية إلا أن المأمول الذي ينتظره المواطن الإفريقي منه ليبدأ مسيرة التنمية الحقيقية لم يتحقق بعد ، فالإتحاد الافريقي تتجاذبة اليوم أطراف دولية وإقليمية تحاول كل منها التأثير على أعضائة وقراراتة، فهناك القوى الإقليمية الصاعدة في أفريقيا تركيا وإيران فكل منهما يتفوق على الأخر في ملفات معينة ويخفق أحدهما في ملف أخر ولكن ذلك لا يلغي إحتمالية توافقهما على سياسة معينة لتحقيق هدف مشترك، أما الأطراف الدولية فهي ما بين إستخدام تلك القوى الإقليمية لتحقيق مصالحها وما بين تطبيق إستراتيجية لي الذراع التي إستخدمتها وما زالت ضد أكبر رئيس وزراء إفريقي لإرغامة على التصويت لصالح عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة في مارس 1948 ولسان حالها يقول نحن مسلحون بطريقة لا تسمح لنا إلا بأن نربح.
أرى أن التحدي الذي يواجهة الإتحاد الإفريقي منذ نشأته عام 2002 ويعيقه اليوم في تحقيق ما يصبو إليه هو الدول الأفريقية نفسها التي لا تستطيع أن تفصل بين سياستها كدولة وبين وضعها كعضو كامل العضوية في الإتحاد الإفريقي، أضف إلى ذلك وجود لاعبين دوليين يحاربون سياسة الإعتماد على الذات، وفرضوا منذ عقود واقع سياسي وإجتماعي وإقتصادي لا تستطيع الدول الافريقية التحرر منه، فتقليص دور المؤسسات العسكرية الإفريقية مع وجود قواعد عسكرية أجنبية تفوق قوتها وقدراتها القتالية كفاءة الجيوش الإفريقية الوطنية فذلك يمثل تهديد لأمن وإستقرارالقارة ، كما أن هناك أطراف دولية عززت تواجدها العسكري في أفريقيا بحيث يضم خبراء ومستشارين أكثر مما يضم وحدات عاملة، وإستبدلت المشروطية السياسية بالمشروطية المصلحية لضمان المساندة الدبلوماسية الأفريقية في المحافل الدولية.
ما يتم الأن في القارة الأفريقية هو تهيئة إفريقيا لتؤدي دورها المناط إليها فبعد تأسيس المجلس الإستشاري الأفريقي، وإنشاء أفريكوم، ظهرت مبادرة سياسة النفط الأفريقية، والتي تنص على ضرورة إستبدال النفط الخليجي بالنفط الأفريقي خاصة بعد صدور تقاريرإقتصادية أمريكية تؤكد أنه بحلول عام 2020 ستحصد الولايات المتحدة ربع نفطها من أفريقيا ، أضف إلى ذلك أن النفط الأفريقي له ميزات يتفوق بها على النفط الخليجي مثل: إنخفاض نسبة الكبريت مما يقلل عملية التكرير، وقرب السواحل الأفريقية من الساحل الشرقي للولايات المتحدة وهذا ما أعطى النفط الأفريقي ميزة القرب الجغرافي التي ينافس بها النفط الخليجي، كما أعلنت واشنطن مبادرة الطاقة لأفريقيا وشملت تلك المبادرة أكبر مشاريع توليد طاقة الرياح في أفريقيا وهو ما يعزز الشراكة الإقتصادية الأفريقية الأمريكية حتى عام 2025، وهذا أيضاً ما يوفر الضمانات اللازمة للإستثمارات الأمريكية طويلة الأجل.