أثناء تحضيري لإطروحة الدكتوراة في العلوم السياسية والتي كانت تحت عنوان العلاقات الإيرانية الإسرائيلية وأثرها على المصالح العربية من عام 1979 إلى عام 2018 تعلمتُ في تلك الفترة اللغة العبرية وشيئاً من الفارسية ساعدتاني على قراءة بعض المراجع القديمة التي لم يسعف كاتبها ترجمتها إلى لغة أخرى غير لغتها الأم.
تقول رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير في مذكراتها ” لقد ذهبنا إلى أفريقيا كي نعلمهم ما تعلمناه، ووضعنا ثلاثة معايير لأي مشروع، وكنا نوجهها في صورة أسئلة، هل المشروع مرغوب فيه؟ وهل هناك حاجة إليه؟ وهل تستطيع إسرائيل النجاح فيه؟ ومن هنا عرفت إفريقيا أننا قادرون على حل مشاكلهم “.
ماغال، تعرفت على هذه الكلمة أول مرة في الغرب الإفريقي وأصبحت تعني لي معنيان فبلغة الولوف السنغالية تعني ذكرى التبجيل، وإرتبطت بمناسبة دينية حيث يجتمع مسلمو الغرب الإفريقي مرة كل عام في مدينة طوبى السنغالية لإحياء ذكرى الشيخ أحمد بمبا وإقامة الشعائر الدينية ويطلق عليها ماغال طوبى، أما باللغة العبرية فهي أكبر شركة لصناعة المنظومات الأمنية في العالم.
إرتبط إسم ماغال الإسرائيلية منذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي بتكنولوجيا الأمن الفيزيائي والسيبراني وصناعة المركبات الفضائية وتطوير المنظومات الأمنية الإلكترونية، وتطورت بعد ذلك لتدخل إلى عالم بناء ما يسمى بالأسوار الذكية ، فهذه الشركة هي المسؤولة عن بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، وهي الشركة التي ستبني الجدار الكيني العازل بين كينيا والصومال والذي لو قام ستنقسم بعض المدن الصومالية الحدودية مع كينيا إلى قسمين والقسم الأكبر منها سيذهب لنيروبي، وهي ذات الشركة التي تسببت بسحب كأس الأمم الأفريقية من الكاميرون 2019 بحجة عدم جاهزية ملاعبها ولكن الحقيقة هي تصاعد أصوات كاميرونية وطنية رفضت أن تقوم شركة ماغال بتنظيم كأس الأمم الافريقية الذي كان سيقام في ياوندي والإستعاضة عنها بشركة أخرى، وهي ذات الشركة التي وقع عليها إختيار واشنطن لبناء الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك مما رفع أسهمها إلى مستوى غير مسبوق بعد أن لاقت هجوماً وتنديداً حتى من المنظمات اليهودية في المكسيك الذين هددوا بطرد أفرع ماغال المتواجدة بأسماء مختلفة في دول أمريكا الجنوبية .
تفوقت ماغال في مشاريع الحماية الأمنية في إفريقيا فهي التي قامت بتشييد نظام فورتيس في الغابون وصناعة أجهزة الكشف عبر الليزر والأشعة السينية في بوابة ميناء مومباسا الكيني، إلا أن ماغال تواجه اليوم عقبتان بدأت تشعر مؤخراً بتصاعدهما أمام ما تصبو إلى تحقيقة في إفريقيا، العقبة الأولى : بروز شركة بابلون سوفانما التركية العاملة في مجال الأمن الفيزيائي والسيبراني في الشرق الأوسط وأسيا وافريقيا، خاصة أنها عضو في رابطة مصدري الصناعات الدفاعية والطيران، ونجحت في توسيع قاعدتها مما فتح لها الطريق لإقامة شراكات دولية في مجال نقل التكنولوجيا وأمن المعلومات وتوفير التدريب في مجال تطوير المنظومات الأمنية، والعقبة الثانية : تصنيع ماغال لمنتجات تحتوي على معادن يطلق عليها معادن الصراع مما وضع ماغال في مأزق حقيقي وأجبرها على تقديم تقرير تفصح فيه عن منشأ تلك المعادن خاصة أن إسرائيل عضو في إتفاقية كيمبرلي وهي إتفاقية أسستها الأمم المتحدة عام 2003 وتهدف إلى وقف الإتجار فيما يعرف بإسم ألماس الدم وهو الألماس الخارج من مناطق نزاعات في إفريقيا، وتعد هذه الإتفاقية الوحيدة في العالم ذات التمثيل الثلاثي الذي يضم الحكومة، وقطاع الألماس، والمجتمع المدني، وسبق أن وجة لإسرائيل إتهام مباشر وصريح بإنها تتاجر في الألماس الغير مشروع أو ماس الدم ، ومن هنا بدأت تل أبيب تنظر إلى تلك العقبات كسبب قد يؤدي لتراجع أرباحها مُستقبلاً في هذا القطاع مما سيؤثر سلباً على صناعاتها العسكرية والأمنية خاصة أن تجارة الألماس الإسرائيلي تساهم بشكل كبير في دعم الصناعات العسكرية والأمنية التي تقوم بها ماغال سواء داخل إسرائيل أو عبر أفرعها في العالم والتي عادة ما تكون تحت مسميات مختلفة.
تتطلع ماغال اليوم إلى قيادة السوق الأمني في الشرق الأوسط وإفريقيا من خلال توفير متجر واحد لجميع الحلول الأمنية وبالرغم من إنها نجحت إلى حد ما في ذلك إلا إنها تشعر بإنها لم تصل إلى ما يحلو للصحافة والإعلام الإسرائيليي أن يسميها بالعبرية ” بتاح تكفاة ” وتعني باللغة العربية بوابة الأمل للإستراتيجيات الإسرائيلية المُستقبلية في القارة الإفريقية.
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي