لعبت القوات البحرية الأجنبية دورا محوريا في الحد من نشاط القراصنة في البحار المحاذية للسواحل الصومالية، حسبما تقول مراسلة بي بي سي آن سوي.
على ساحل في منطقة هورديا الواقعة على الساحل الشمالي للصومال، سألت قرصانا سابقا عن السبب الذي جذبه إلى تلك المهنة بالأساس.
قال الرجل، الذي أصر على أن امتنع عن ذكر اسمه، إنه كان يعمل صيادا للسمك في الأصل، وأن الصيد كان مورد رزقه الرئيسي، ولكن وضعه تغير بعد أن دمر زورق صيد غير قانوني شباكه.
قال، “كان لي زورق وشبكة، ولكن زورق صيد كبير قطع شباكنا وسحبها. ولم يتبق لي إلا زورق فارغ.”
حاول صاحبنا وصياد سمك آخر مناداة بحارة زورق الصيد، ولكن دون جدوى مما أغضب الصيادين.
وقال، “مروا فوق شباكنا وسحبوها. دمرت كل معدات الصيد التي نملكها.”
لم تكن القصة التي رواها لي الصياد نادرة الوقوع.
ففي النصف الثاني من العقد الماضي، تطور ما بدأ كنشاط دفاعي ضد زوارق الصيد الكبيرة التي كانت تمارس نشاطها في المياه الصومالية إلى تجارة غير شرعية مربحة أثارت قلقا عالميا.
فبينما خسر صاحبنا وغيره من الصيادين مصدر رزقهم، تحولوا إلى امتهان القرصنة، فبدأوا باحتجاز البواخر وركابها سعيا للحصول على فدى مقابل اطلاق سراحها.
سفح شاهق
كما اجتذبت هذه المهنة الخطرة مسلحي ميليشيا سابقين كانوا حاربوا لصالح زعماء الحرب إبان الحرب الأهلية طويلة الأمد التي مرت بالصومال.
أردت معرفة المزيد عن الفترة التي قضاها قرصانا بحريا، ولكنه بدأ يقلق وأنهى اللقاء على عجل.
أما سبب قلقه فهو اقتراب عسكري اسباني منا.
كانت اجراءات الأمن في ذلك الساحل مشددة جدا، وقد رأينا ذلك بأم أعيننا عندما حلقت مروحية عسكرية في الجو. كانت المروحية جزءا من قوة الاتحاد الأوروبي البحرية العاملة في المنطقة.
أعطتنا المروحية مؤشرا إلى مدى التغيير الذي طرأ في المنطقة في السنوات الأخيرة، التغيير الذي أدى إلى انحسار التهديد الذي تشكله القرصنة إلى حد بعيد.
فقبل عقد من الزمن، كان القراصنة يسرحون ويمرحون دون وازع في مياه البحر، وكان لهم العديد من المخابيء التي يستطيعون أن يأووا إليها مثل ميناء أيل الصغير الواقع في منطقة بونتلاند المتمتع بما يشبه الحكم الذاتي.
عند اقترابي من أيل، شاهدت أن المدينة تقع على ساحل البحر مباشرة ويرتفع إلى جوارها سفح شاهق بني اللون. بدا أن السفح يحمي المدينة من الرياح والأتربة القادمة من البر.
رحلة بحرية خطرة
روى لي سكان محليون كيف كان القراصنة منذ سنوات عدة يغرقون السوق بالأموال، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل حاد وكبير.
وكان القراصنة المسلحون يرهبون السكان، ولكنهم لم يقتلوا أيا منهم.
كما كان القراصنة يحتجزون بعضا من البحارة الذين أخذوهم رهائن بانتظار دفع فدى ضخمة لقاء اطلاق سراحهم بلغت في بعض الحالات مئات الآلاف من الدولارات.
يبدو أن القدرة على تكوين ثروات هائلة كانت هي المحرك الرئيسي لنمو ظاهرة القرصنة في البحار المحاذية للصومال.
ولكن هذه الظاهرة تمكنت من النمو والعمل بحرية بفضل غياب أي حكم مركزي في الصومال عقب إنهيار حكومة محمد سياد بري في عام 1991، مما تبعه من حل للقوة البحرية الصومالية.
شهدت المياه الإقليمية للصومال آنئذ ارتفاعا في نشاط التهريب وصيد الأسماك غير القانوني من جانب زوارق الصيد الأجنبية الكبيرة، ورمي النفايات غير الشرعي ومن ثم القرصنة.
وسرعان ما أصبح الممر البحري المؤدي من المحيط الهندي إلى المياه الصومالية واحدا من أخطر الممرات البحرية في العالم.
ولكن قبل سنوات عشر، بدأ الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وغيرهما بنشر قطعات بحرية في المنطقة، وذلك عقب اصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا سمح بدخول القوات الأجنبية المياه الإقليمية الصومالية.
بفضل ذلك، انحسر نشاط القراصنة – الذي كان وصل ذروته في عام 2011 – إلى حد بعيد ويكاد يتوقف تماما.
أردت أن أطلع عن كثب على الكيفية التي جرى بها هذا التغير، ولذا قضيت سبعة أيام على متن البارجة الحربية الإسبانية “كاستيلا” العاملة ضمن قوة الاتحاد الأوروبي البحرية.
في اليوم الثاني لركوبي البارجة، وعند تناول وجبة الإفطار، نودينا إلى برج البارجة. فقد شوهد زورق صغير يبحر على مسافة منا.
قال أحد الضباط البحريين، “لا نعتقد أن الأمر مثير للريبة، ولكننا نقوم “باتصالات ودية” كجزء من أعمال الدورية التي نجريها في المنطقة.”
وبعد شرح موجز، نزل خمسة من رجال مشاة البحرية من البارجة إلى زورق سريع كان بانتظارهم، أما نحن فركبنا زورقا آخر أبحر على مسافة من الأول.
ثروة سمكية غنية
حالما وصل الزورق الاسباني إلى جانب زورق الصيد الذي رصدناه، فتشه رجال مشاة البحرية تفتيشا دقيقا.
وقال الضابط المرافق لنا، بعد أن استمع إلى معلومات عبر جهاز اللاسلكي من القوة المداهمة، “الزورق يمني، ولكن معظم الطاقم صومالي.”
سمح لنا أخيرا بركوب زورق الصيد. كان الصيادون البالغ عددهم ثمانية مرتخين ويطلقون النكات بينما يحتسون الماء من قناني زودهم بها رجال مشاة البحرية الإسبان.
قال أحدهم، ويدعى عثمان علي، “هناك سوق جيدة للأسماك في اليمن، ولذلك نبيع صيدنا هناك.”
وقال إنه كان يمارس مهنته قبالة السواحل التنزانية، ولكن الثروة السمكية الغنية في المياه الصومالية أغرته بالانتقال إلى هنا.
وقال بقليل من العصبية قبل أن يغير الموضوع، “ولكني لم أر أي قراصنة.”
وأضاف أن كل الصيادين العاملين في المنطقة يعرفون بعضهم البعض، واذا كانت هناك مشكلة أمنية يحذرون زملاءهم فورا وينتقلون إلى مياه أكثر أمانا.
وقال صياد السمك عثمان علي، “يعترضنا أحيانا أناسا سيئون يسرقون أدواتنا وسمكنا، ولكن وجود البارجة الحربية في المنطقة جعل الوضع أفضل.”
تفجير زورق
في يوم آخر، وردت أنباء تتحدث عن تعرض سفينة شحن لهجوم على مسافة 300 ميل بحري إلى الشرق من العاصمة الصومالية مقديشو.
فقد اقترب زورق صغير إلى مسافة 50 مترا من سفينة الشحن وفتح النار عليها، ولكن رجال الأمن على متن السفينة ردوا بالمثل وأجبروا الزورق الصغير على الفرار.
لم تتمكن البارجة “كاستيلا” من التدخل في ذلك الحادث لأنها كانت على مسافة كبيرة من مكانه، ولكن في اليوم التالي تم الاستدلال على الزورق الصغير في خليج معروف عنه أنه ملجأ للقراصنة على الساحل الصومالي.
وسحبت القوات الإسبانية الزورق إلى عرض البحر وفجرته.
كان هذا هو الحادث الثاني المبلغ عنه في عام 2018، ولم ينجح الهجومان في تحقيق أهدافهما.
أما في ميناء أيل، فقد أجبرت انتفاضة شعبية محلية القراصنة على ترك المدينة.
عودة إلى الصيد
كانت الثقة بادية على محيا محمد ظاهر يوسف، رئيس شرطة أيل، في قدرة بلدته على التعامل مع أي عودة محتملة للقراصنة.
فقد قال “تتعامل القوات البحرية مع أي زورق غير شرعي، إذ تحتجزه وتأتي به إلى هنا حيث تتخذ الاجراءات اللازمة بحقه.”
كان ضابط الشرطة يشير إلى قوة الشرطة البحرية العائدة لبونتلاند، التي يبلغ عدد أفرادها نحو 800 رجل، وهي أكبر قوة من نوعها في البلاد.
ولكن قدرات هذه القوة محدودة مع ذلك، إذ يقول محمد ظاهر يوسف “ليس لدينا العدد الكافي من الزوارق.”
وأضاف المسؤول بأن القوة ليس لديها إلا زورقين صغيرين، وهو عدد لا يكفي لمراقبة مساحة البحر الكبيرة ولاعتقال المشتبه بهم.
وليس هذا هو التحدي الوحيد.
إذ يقول ماركو هيكينز، مستشار الأمن البحري لدى بعثة الاتحاد الأوروبي المدنية في الصومال، نشاط صيد الأسماك اللا شرعي ما زال مستمرا.
بامكان قوة الاتحاد الأوروبي البحرية الابلاغ عن زوارق الصيد المشتبه بها لدى السلطات الصومالية، ولكن بسبب ضعف قدرة الأخيرة على التعامل مع هذه الزوارق لا تتخذ أي خطوات بحقها تقريبا.
يتخذ الأدميرال الاسباني الفونسو بيريز دي نانكلاريس جانب الحيطة رغم النجاحات التي حققتها القوة الأوروبية في لجم القراصنة.
فهو يقول “عندما انطلقت المهمة، كانت هناك 40 سفينة مختطفة تقريبا وأكثر من 700 رهينة. فقد تم احتواء ظاهرة القرصنة، ولكني اعتقد بأن النية للعودة إلى هذه النشاطات ما زالت موجودة، ولكني أعتقد أيضا أنه بامكاننا – بالتعاون مع السلطات – وأدها والقضاء عليها.”
المصدر- بي بي سي