أصدق ما يمكن قولة عن الجامعات الصومالية بأنها “جامعات قامت من العدم ” وهذه حقيقة يقره الوضع التي نشاءة فيه ، فهي بلا جدال نتيجة نضال أفراد صادقين مستقلين قدر الإمكان أرادوا صناعة بعض التغييرات الممكنة التي لا يمكن تحقيقها في ظل الظروف التي قامت فيها الجامعات دون الالتزام حقيقي ، ونفس الطويل ، وصبر منقطع النظير ، الذي جعل من الخيارات الصعبة المتاحة مفتاح لواقع أفضل ، فكانت فكرة وجود جامعة في الصومال مضطرب وضعيف انتصار ملموس للأمل و للفكر الإيجابي رغم الغمائم السوداء السلبية السائدة ، مع ذلك و بغض النظر عن تصريحات الكارثية والسلبية واليآسة و الغير مسؤولة التي أطلقها وزير التعليم الصومالي عبد الرحمن طاهر عثمان المُقال، فإن جامعتنا الصومالية في الواقع وبعيداَ النظرة الوردية تعاني من مشكلات حقيقية وجوهرية منها اولاَ :
الفوضى : ونقصد بالفوضى التخبط في تأسيس الجامعات ، وأصدق من ترجم هذه الفوضى على أرض الواقع عدد الجامعات مدينة مقديشو المهول والغير المقبول التي تتوالد وتتكاثر في فترات زمنية متقاربة ، وبكوادر ضعيفة جدا وغير مكتملة ، وبمساحات ضيقة ، وبمباني غير صالحة ، و دون أن تحمل في ذات الوقت أي قيمة علمية و أكاديمية واضحة يميزها عن بقية ، مما جعل مصداقة تلك الجامعات الناشئة موضع شك وعدم تقدير من قبل الفئة الطلابية المستهدفة ، ومن جهة الشركات والدوائر التي تعتمد في توظيفها على الشهادات الجامعات ، فكان ذلك سبباَ في فتحت المجال لطرح كثير من التساؤلات على رأس كل جامعة قائمة أو سوف تقوم عن معايير وأسس التي استندت عليها لتكون جامعة حقيقية .
ثانياَ : التوسع الغير الواقعي والغير المدعوم بالإمكانيات المادية والعلمية ، وهذا التوسع على شقين أولهما : التوسع الكمي المتمثل في بناء فروع جديدة للجامعات في مناطق متباعدة جغرافياَ ، وفتح مزيد من البرامج الدراسية والكليات الجديدة ،لأسباب تراها الجامعات بأنها ملحة وصادقة ، ولكن في الواقع الأمر هذا التوسع الغير مدروس خلق لنا فروع وكليات ضعيفة تحمل أسماً لا أكثر ، بل في بعض الأحيان كانت هذه الفروع والبرامج سبب في إرهاق و إفلاس الجامعة الأم . الشق الأخر من التوسع هو التوسع في قبول الطلاب دون مراعاة للشروط الأساسية للقبول الجامعي ، وهذا التوسع المفتوح جعل مخرجات التعليم العالي في الصومال ضعيف وليس بالمستوى المأمول .
ثالثاً : تكرار التخصصات وهي من الأخطاء التي قلما تنجوا منها جامعة صومالية ، مهما حاولت التفرد والتميز لابد أن تعود وتقع في فجوة التخصصات المكررة التي وصلت بنا حد التشبع الوظيفي والملل الأكاديمي المتوارث الذي لا يملك الأبداع والابتكار، وهذا التكرار الغير المتوازن قلل من قدرة جامعاتنا الوطنية على إدارة مستقبل البلاد ، فهي بهذا التكرار تُخرج لنا كل عام أجيال لا تستطيع علمياً و لا مهارياَ ادارة موارد الوطن بحكمة ، ولا تعلم كيف تواجه التحديات المستجدة ، فضلاً عن البطالة التي سوف ترتفع بسبب تشبع سوق العمل.
رابعاً : استنساخ الغير المدروس للجامعات أجنبية في الصومال سواء ان هذا الاستنساخ فكري ، أو علمي ، أو جزئي أو كلي ، فإن فكرة نقل تجارب دون مراعاة للاختلافات الموجودة بيننا وحتى ولو كانت هذه التجارب ناجحة في بيئاتها ، يشوه ببطيء التعليم الجامعي لدينا لأنه يصنعه انفصام الفكري والعاطفي لأبنائنا الطلاب ، فضلاً عن أن الشبيه لا يكون أبداً اصلياَ .
خامساً : الكوادر و الكفاءات العلمية الغير المؤهلة وهي من المشكلات الكارثية التي تنخر بجامعتنا بلا استثناء ، وهي بلا شك تؤثر على سمعة ومكانة الجامعة ، وقدرتها على المنافسة والاستدامة ، وعلى نوعية التعلم الذي تقدمة ، فغياب شفافية العلمية لهؤلاء الكوادر وضعف تدريبهم ، يجعل من وجودهم في الجامعات عبء و عائق حقيقي أمام تطوير التعليم والبحث العلمي .
وأخيراً إن جامعتنا الوطنية تحارب في أقوى معارك بسلاح العقل فقط ، فهي لا تستند على ظهر دولة ولا تقف على دعم حكومي ، فالإيمان والإصرار هي كل ما تملك وتراهن عليه ، لذلك النقص والخلل وارد لا محال لقصر عمر التجربة و لاستثنائية الظروف ، ومع ذلك تحتاج الجامعات الصومالية دائما أن تُرافق سيرها بتساؤلات والدراسات الاستطلاعية لمعرفة أين هي الآن وكيف ستكون غداَ .