لكل أمة لها حضارة تطلعنا كيانها ومكانتها في عصور مضت ودهور إنقضت وتعلمنا أثرها في الكون وتذكرنا قوتها ونشاطها وإنتاجها العلمي والفكرى في عصور عاشت فيها وثشعرنا ثقافتها ومدنيتها .
والأمم يفخرون بحضاراتهم وتراثهم ويكبرون نضالهم ويدونون ما كانوا كي يقتبس أخراهم ما كان أولاهم وتركه عيب عليهم وإهانة وإنقطاع تراثهم وما كانوا عليه من عز وشرف منذ زمان ولا يرضون ضياع جدورهم كما يقرر العقل السليم غير المغزو ولا مبدل!
ومن بين هذه الأمم الأمة الإسلامية منبع الحضارة والتقدم وغيث التننية إشتهرت بذلك كما يقر المحب والمعاند والداني والقاصي لها إسهامات سامية وجهود عالية وسعي مشكور فى تكوين الحضارة حتى يمكن لنا أن نقول ما كانت خضارة تذكر الا قيد أنملة. كانت الأمة الإسلامية متحضرة منذ قدم بلغت في الحضارة صدارة العالم وكانت قائدة الأمم في عصورها الوسطى وبلغت حضارتها أعلي المراتب وأشرف المناصب من كل جانبيها الثقافي والمدني فتطورت المدنية من مختلف فروعها الروحي والأخلاقي والسلوكي والإحتماعي وكذلك المدنية من مختلف مجالتها من المختراعات والمكتشفات العامة والعلوم والصناعة والزراعة والألات الفلكي نبغ بين ظهرانيها علماء نحارير وحكماء الدهماء وشعراء عمالقة . كان العلماء متبحرين في العلوم والمعرفة فمسحوا علوما متنوعة كمسح الغيوث بالماء العذب فتطور العلم تطورا بليغا وقطع شوطا واسعا بعد ان كان غير معروف قبل، فإخترعوا علوما متنوعة كالطب والصيدلة والكيماء والرياضة والجغرافيا والخرائط والفيزياء وهلم جر فإبتكروا ما لم يبتكر غيرهم من العلوم وﻷجله كثرت المدارس وزوايا الربط والحلقات العلمى فتعلم الناس صنوف العلم وفنونه وإزدهرت الأمة ماديا وروحيا وفاقت غيرها وراحت منارة يهتدي بها من جميع مجالات الحياة
عرفت الحضارة اﻹسلامية أنواعا متعددة من المكتبات لم تعرفها إي حضارة أخرى. كانت المكتبات تلعب دورا هماما في رقي الحضارة والتقدم وكانت لها تأثير بالغ في نمو الحضارة الإسلامية وتطورها حتي ظهرت بصورتها الحديثة ”بيت الحكمة” التى تعد أعظم دور العلم في الأرض بلا أدني مبالغة وأحد الكنوز العلمية التى أفتتحها الفكر الإسلامي قديما . كانت أشهر مكتبات الدولة الإسلامية فى بغداد فيها عدة أنواع للكتب وللترجمة وللبحث وللتأليف وللمرصد الفلكى وللنسخ وللتجليد كما إنضمت كمية هائلة من الكتب التى كانت من كنوز العلم العالمية في ذلك العصر أسسها هارون الرشيد فجعلها اكبر مكتبات فى دولته يقصدها الناس من كل فج عميق يقيمون فيها ويتعلمون صنوف العلم . بلعت مكتبة بيت الحكمة ذروة مجدها في عصر المأمون وظلت مجمعا علميا ومرصدا فلكيا ومكتبة عامة فيها القراء والمطالعون والمترجمون والنساخ . فإنطلق قطار الإهتمام بالعلم والمكتبات وخاصة في البيوت ومكتبات التجارية فى الأسواق ومكتبات العامة في جميع البلدان الإسلامى وعلى رأسها مصر والأندلس والشام والعراق ومما يدل على عظمة عناية المسلمين بالعلم فى عصور الزاهرة
وكذلك ”دار الحكمة ،احد المكتبات في مصر وصفها إمام المقريزي فقال”جلس فيها الفقهاء وحملت اليها من خزائن القصور المعمورة ودخل الناس كل من التمس نسخ شيء مما فيها من التمسه وجلس فيها الفقهاء والقراء وأصحاب النحو واللغة والأطباء بعد أن فرشت وزخرفت هذه الدار وعلقت جميع أبوابها ومرامها الستور وأقيم أقوام وخدام وفراشون وغيرهم ”
كانت المكتبات مجهزة تجهيزا متكاملا فهي مفروشة بالخصر الفاخرة فيها ورق النسخ والأقلام والحبر .وكانت خزائن الكتب الفخمة النادرة من أعظم مأثر الحضارة الإسلامية التى مدت للباحثين بالمراجع لتبحر في العلوم والمعرفة في المكتبات كمنديات ثقافية يتناظر فيها الفقهاء ويحاور الأقران ويشاور الطلاب وعلى هذا الدعائم تقوم الأمم ولقد إنتشرت هذه المكتبات في جميع أرجاء الدولة الإسلامية فوجدت في قصور الخلفاء وفي المدارس والكتاتيب والجوامع كما وجدت في عواصم الإمارات . ووجدت كذاك في القرى النائبة والأماكن البعيدة مما يؤكد على تأصل حب العلم لدى أبناء هذه الحضارة.
هكذا كان المسلمون يقدسون العلم ويعرفون قدره ويعتبرونه أنه اساس التقدم والتحضر حتي أصبحوا من طراز الأول ممن يستفيد العلم علي أفضل الوجه الممكن في عصورهم الوسطى.
اما عصرنا الحديث خسفت شمس الإسلام فخمدت جذوته ومحت حضارته وإندثرت وأصبحت الأمة الإسلامية تابعة لغيرها بعد أن كانت متبوعة وأضحت متخلفة بعد أن كاتت متحضرة دخلت في عصر مظلم لا تري فيه ما يذكر من الحضارة والتقدم الا الموت والإندثا.
الأمة باقية على وجه عام كالمسمي، لكن ماتت سلوكيا وقيميا وأخلاقيا وحتي كيانها بين الأمم يضرب لها المثل بالجهل والتخلف وله أسباب عديدة متراكبة بعضها أكبر من أختها وبعضها اهون وأخف من بعض . بعضها من عند أنفسنا وبعضها من جهة عدونا وبعضها منبثقة بينهما ولعل أكبر سبب من تقصيرنا هو ترك التراث الإسلامي وضياعه وعدم إلتفاته وهجرته فبقى التراث مكتوبا في الكتب ومسطورا في بطون الأسفار إبتلت الكتب تحت المكتبات مع كونها أن ما فيها لم يبلغ الغرب بعد وأن ما فيها هو الذي يصلح بال الأمة وفي طياتها علاج قضايا معقدة وحل الأمور المحيرة وأخرى مزعجة . لكن من يلتفت ! تدخل المكتبات فتراها خالية كالبئر المعطلة لا أحد يقرأ ولا أخر يطالع ويبحث ولا ثالث يهتم بقرائتها ولا رابع يشجع إستفادتها ورقى الأمة مما فيها ولا خامس يحتذي بأجداده القدماء وسلك طريقتهم المتوارثه ولا سادس يعتقد أنه تراث عريق ذوكيان وموجود في زمن ما أو أنه اب الحضارة الحديثة ومقتبسها الأول .
ولسان حال تراثنا يقول: {أن قومي تخذوا هذا القران مهجورا} إذ القران أكبر تراثنا وعلوم الأخري عيال له وحواشي ولا يصلح أمرنا ألا ماصلح به أولها كما قيل. ولابد من إعادت النظر إلى هذا الصدد.