صادفت اليوم في طريقي وانا عائدة من منزلاً مجاور لي طفلة صغيرة لم تتجاوز العاشرة من العمر ، ويبدوا بإنها كانت عائدة من درساً قرآني لأني شاهدتها تحمل بين يديها المصحف الشريف ، لكن الذي إسترعى إنتباهي هو سيرها المتخبط الذي كان بين سير وهرولة ، و ذلك رجلاً ثلاثيني الذي كان يسير خلفها و يحاول اللحاق بها وهو يخاطبها بصوت مريب قائلاً لا تخافي سوف نلعب فقط ، تجازوني الرجل سريعاً دون أن يراني وأختفى الإثنين من أمامي في برهه ، تجمدت في مكاني ، ولم أستطع اللحاق بهما ، هاجمتني الظنون ، وحاصرتني الشكوك وحاولت أن أفسر ما رأيت فقلت لنفسي ربما أخيها أو أبيها أو قريب يريد أن يصالحها بعد أن أغضبها ، ومع ذلك لم تسكُن مخاوفي ، فقد سيطر غموض المشهد على مخيلتي ، وتذكرت للحظة تلك صورة المؤلمة للطفلة الباكستانية زينب الأنصاري ، وقلت ماذا لو تحققت هواجسي بشأن ما رأيت ولم يكن لهذا الرجل أي صلة قرابة أو معرفة بهذه الطفلة ؟
حتماً سوف تكون النتيجة أصعب من أن يُتخيل و أبشع من أن تُعاش ، بل بمجرد التفكير فقط بأن شيء إجرامي قد يحدث لهذه الطفلة أو أي طفل آخر يثير الرعب في النفوس ، مع ذلك لا يحظى ذلك الخوف بالإهتمام الكافي ، لأن موضوع التحرش “الجنسي ” بالأطفال في الصومال من المواضيع التي يرفض المجتمع الحديث عنها أو الاعتراف بها كمشكلة تستحق الحذر والوقاية والعلاج ، فلا تجد من يتحدث عنها إلا في حضور بعض الهيئات الخاصة التي تتداول الأمر في دوائر مغلقة وخلف جدران المُحكمة وبحضور خطاب إعلامي هزيل لا يستحق المتابعة ، أما عدا ذلك فلا يجوز الخوض فيه بحجة إسلامية المجتمع وطاهرته ، و تمسكه بالقيم والعادات مما يجعله في مأمن من تلك الظواهر الشاذة ، لكن في الحقيقة الواقع لا يعكس تلك المثالية المرسومة ، فإسلامية المجتمع لا يعني سلامته تماماً من الأمراض الإجتماعية والإخلاقية التي تجتاح العالم أجمع ، فمنافذ تلك الأمراض موجودة لدينا كما لديهم تماماً من مسكرات وقنوات إتصال ، وإنترنت حر خالي الرقابة ، وأفلام ومسلسلات غرائزية تبث بشكل يومي على القنوات المحلية ، ووجود أحياناً شخصيات تعاني من بعض أمراض نفسية ، وغياب شبة تام للثقافة الجنسية ، وكل تلك المداخل وغيرها يمكن أن تكون أرضية سهلة لحالات التحرش الجنسي بكل عام و فما بالك في التحرش التي تكون فيه الضحية فاقد القوة والحجة و المعرفة ودراية بما يحدث ، حتماً سوف يكون الأمر أسهل وأمكن خاصة مع ضمان الجاني سكوت المجني عليه وتجاهل المحيطين به سلوكه المنحرف ، ووجود عقليات بشرية صادمة تُحمل الضحية كل الذنب، وقد شاهدت ذلك بنفسي حين شاركت قبل فترة في إرشاد نفسي لطفلتين دون العاشرة تعرضتا للاغتصاب الجنسي الكامل ، فرفضت آحدى الأمهات محاسبة الجاني لأنه قريب العائلة و أٌسرة الفتاة تعيش في منزله ، أما الأم الأُخر فقد شككت في مصداقية إدعاء إبنتها وظلت متمسكة بمغادرة الطفلة المستشفى بأسرع وقتاً ممكن دون منقاشة في تجرد صادم و كامل لمشاعر الأمومة .
إن ما ترصده الهيئات الأجنبية العاملة في الصومال و المعنية بشوؤن المرأة والطفل لا تخلو أحيانا من المبالغة وتهويل لأنها ببساطة تعتمد في مشاهدتها على أدوات بحث ومقاييس قد لا تتناسب مع مجتمعنا ، ولكن بما إننا ليس لدينا جهات وطنية محلية مستقلة لها القدرة على تعقب حالات التحرش الذي يتعرض لها الأطفال ، يُحتم علينا أخذ تلك تقارير التي تنشرها هذه الهيئات المختصة وجعلها بجانب مشاهدتنا الخاصة التي يرصدها عادة الأطباء والأهل والمعلمين وغيرهم حتى تُمكنا من وضع إستراتيجيات واقعية وممكنة وسريعة أبسطها تقديم توعية منظمة للطفل والأهل والتي تهدف إلى التوضيح المخاطر التي قد تلحق بالطفل في محيطه القريب والبعيد ، فهذه التوعية البسيطة تعمل على تعريف الطفل حدود جسده المسموح و الممنوع ، وكيف يتصرف إذا واجهه موقف مريب ، على أن تقدم بشكل علمي و بسيط تناسب عقل الطفل ومرحلة نموه ، ولايمكن حماية أطفالنا بعد الله عزوجل إلا من خلال تكاتف الجهود وأخذ الأمر بجدية مطلقة وإطلاق هذه الخطط بأسرع وقت ممكن على أن تتعاون فيها كل الجهات الرسمية والغير الرسمية حتى لا نفجع بزينب تكون صومالية .