كان الانفجار الإرهابي الذي ضرب العاصمة مقديشو في 14 من شهر أكتوبر الجاري حدثا غير مسبوق في ذاكرة ووعي الشعب الصومالي سواء من حيث قوة التدمير وحجم الخسائر التي تسببها خلال دقائق محدودة. أودى التفجير بحياة نحو 300 قتيلا وهذا الرقم مرشح للإزدياد نظرا لخطورة حالات بعض المصابين الذين تفوق أعدادهم 300 شخصا، ودمر تقاطعا تجاريا كان يعد واحدا من أكثر تقاطعات مقديشو اكتظاظا وازدحاما للتسوق وأكثر حيوية للسيارات النقل العام.
فاجأ حجم التفجير السلطات الصومالية وأربك أدائها في البداية بسبب هول المشهد والخسارة البشرية والمادية التي خلفها، ولم تكن قادرة على استيعاب الصدمة بشكل سريع، وتوفير الاستجابة المطلوبة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف الوطأة وتقليل الآثار السلبية المترتبة، نتيجة غياب أو ضعف الهيئات الوطنية، والقطاعات الحكومية المسؤولة عن إدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، والأجهزة والآليات الضرورية لتحسين قدرات الاستجابة، وتجنب المخاطر، ومواجهة الحالات الطارئة ، والقطاعات الأخرى المساعدة في تقليل الخسائر التي قد يترتب منها، يضاف إلى ذلك غياب خطة حكومية عامة وشاملة للإعلام والتواصل الجماهيري في حال حدوث مثل هذه الحالات الطارئة، لرفع مستوى مشاركة المجتمع في الجهود الحكومية لإغاثة الضحايا ومواساة المصابين في المستشفيات.
لم تكن الاستجابة الأولية للحكومة الصومالية وبلدية مقديشو بشأن ما حدث -رغم قدراتها المحدودية- سريعة ولم تكن متناسبة مع حجم المأساة، فعلى سبيل الميثال وقع الانفجار حوالي الساعة 15:04 مساء ، ولم تصل سيارات الإطفاء الا في 15:30 في حين وصلت جرافات بلدية مقديشو، وفرق الانقاذ المدربة المرسلة من قاعدة (حلني) مقر بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال ( أميصوم) إلى موقع الحادث في وقت متأخر من المساء هذا اليوم.
كان بالإمكان انقاذ حياة عدد كبير من القتلى لو كان التجاوب سريعا وتوفرت الإمكانيات المطلوبة لإطفاء الحريق الذي نشب في محطة للبترول والشاحنة المفخخة، ولإسعاف الجرحى ورفع مخلفات الانفجار ومتابعة صيحات من كانوا تحت الانقاض. وحتى في اليوم الثاني كان أفراد الجيش والشباب المتطوعون ظلوا يبحثون الناجين والجثث بإيدهم وعبر آلات بدائية لا تتناسب مطلقا مع مقدار الدمار الهائل الذي تسبب التفجير الانتحاري.
وكذلك ردود أفعال البعثات الأمنية الأجنبية في مقديشو بشأن الحادث كانت ضعيفة، ولم تولي الحد الأدنى من الاهتمام المطلوب لمثل هذه الحادثة المأساوية، وخصوصا فيما يتعلق بالدعم اللوجستي وتوفير الإمكانيات اللازمة ، وأن قوات بعثة الإتحاد الإفريقي، جاءت إلى موقع الحدث متأخرة مع أن مقرها الكبير يقع على بعد أقل من 4 كليومترات عن المنطقة التي استهدفها الهجوم الإرهابي، واكتفت بتأمين موكب قيادات الحكومة ولم تشارك أفرادها ولا فرق الانقاذ المتخصصة التابعة لها في عمليات البحث عن الناجين وانتشال الجثث من تحت الركام.
وبصورة ممثالة، لم تتحرك القوات الأجنبية الأخرى وخصوصا الغربية المتمركزة في مطار مقديشو، ومجمع حلني الأمني وفي السفن الحربية المجهزة بالأنظمة والمعدات الضرورية لمواجهة الحالات الطارئة من أجل مساعد ضحايا الهجوم واقتصر دورها على ارسال عدد محدود جدا لا تتعدى خمسة أشخاص من فرق الإنقاذ وأجهزة لرصد مؤشرات على وجود ناجين تحت الانقاض.
لبت عدد محدودة من الدول الأوروبية والعربية والافريقية بشكل سريع لنداءات الحكومة الصومالية لمساعدتها في نقل الحالات الخطرة من المصابين إلى الخارج لتلقي العلاج وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية لمستشفيات مدينة مقديشو التي كانت تعج بالجرحى.
كانت تركيا من طلائع هذه الدول التي سارعت إلى مد يد العون لضحايا الانفجار الارهابي وأوفدت وزير الصحة أحمد دميرجان على رأس وفد مكون من 33 شخصا بينهم أطباء وممرضين ومسعفين إلى مقديشو للتقديم واجب العزاء لرئيس الجمهورية وللوقوف على حجم المأساة ، ولا يزال الطاقم الطبي الذي رافق وزير الصحة التركي يعمل منذ يوم الإثنين الماضي في بعض المستشفيات التركية بمقديشو.
رحبت الحكومة الصومالية بالاستجابة التركية السريعة لمساعدة تفجير مقديشو، ووصفت أنقرة بأنها الشريك الدولي “الحقيقي الوحيد”. وعبر مسؤولون في الحكومة عن شكرهم وامتنانهم لاستجابة تركيا “الفورية” وإغاثتها للضحايا، مؤكدين أن دعم تركيا واضح للعيان، وأن الصوماليين يعتبرونها بلدا يريد فعلا مساعدتهم.
ثم توالت استجابات الدول الأخرى، ومن بين الدول العربية الي كان ردها سريعا أو لافتا، دولتا قطر والإمارات. أرسلت قطر طائرة عسكرية تحمل المساعدات الطبية والإسعافات الأولية، لدعم المصابين والجرحى إلى مقديشو، كما نقلت أيضا عددا من الجرحى إلى بلد ثالث لتلقي العلاج، حيث تعهدت وزارة الخارجية القطرية بتولي عملية التنسيق لاستقبالهم وتوفير الخدمات الطبية في المستشفيات التي يتم اعتماده. إلي جانب ذلك تعهدت الهلال الأحمر القطري بتمويل مشروعات صغيرة لخلق وظائف لأسر الشهداء ودعم مالي شهري للمصابين.
أما دولة الإمارات فقد أعلنت قيادتها عن توفير علاج 100 جريح من المصابين، حيث شرعت الهلال الأحمر الإماراتي في تسهيل عملية سفر المصابين والجرحى إلى كينيا، بالتعاون والتنسيق مع سفارة الإمارات في مقديشو والجهات الصومالية والكينية المختصة، كما أنها تعهدت بالإضطلاع بمهام الإشراف ومتابعة الجرحى ومرافقيهم، خلال رحلة العلاج، وحتى عودتهم إلى وطنهم معافين. وكذلك تكفلت الإمارات نحو 300 يتيم ممن فقدوا أسرهم جراء التفجير لمدة 6 أشهر، ومن ثم ستتم كفالتهم ضمن برنامج كفالة الأيتام، الذي تنفذه الهلال الأحمر الإماراتي في أكثر من 25 دولة حول العالم، بحسب (وام).
وبخصوص الدول الإفريقية، كان دور جيبوتي رائدا، ودور كينيا، متميزا، فأرسلت الأولى وزير صحتها إلى مقديشو على رأس فريق طبي حاملا برقية تعزية من الرئيس اسماعيل عمر جيلى إلى الرئيس محمد عبد الله فرماجو، ولعب الفريق الطبي الجيبوتي دورا كبيرا في علاج المصابين والجرحى في عدد من مستشفيات مقديشو، بينما قامت الثانية بارسال طائرة محملة بالأدوية والمستلزمات الطبية إلي مقديشو واستقبال عدد من المصابين ليتلقوا العلاج في مستشفياتها.
أما الولايات المتحدة الأمريكية أبدت اهتمامها بالصومال واعلنت تضامنها مع الصومال في مواجهة الإرهاب وتبرعت كميات من الأدوية لمستشفيات مقديشو وشارك فريق أمريكي في عمليات بحث الناجين من تحت انقاض المباني التي تهدمت جراء التفجير الإرهابي.
على الرغم من اللحمة الوطنية بين الحكومة والشعب الدعم الذي قدمتها بعض الدول للحكومة وللمصابين والجرحى وأهالي الضحايا وأسرهم الا أن حجم المأساة ومعالجة أسبابها تفوق قدرة الحكومة والصوماليين وتحتاج إلى دعم دولي أكبر لا يقتصر على الجانب الإنساني والإغاثي، فالأمر يتطلب أن ينظر العالم للصومال نظرة مختلفة تركز على احتياجات البلاد في هذه المرحلة الدقيقة والمتمثلة في تدريب الكوادر العاملة في المؤسسات الوطنية وتزويدها بما يحتاجونها من معدات، ومساعدة الحكومة في بناء الأجهزة والقطاعات المسؤولة عن إدارة ومواجهة الكوارث والحالات الطارئة، وتطوير مؤسسات تدريب المتطوعين في صفوف السكان المدنيين، وانشاء أساليب تحذير السكان في حالات الطوارئ إلى جانب تشكيل فرق وطنية تضم المتطوعين المدربين والمؤهلين من مختلف فئات المجتمع، من أجل توفير استجابة فورية وتلقائية في حالات الأزمات، وضمان أجهزة لرصد الأخطار، والإنذارالمبكر ، بالإضافة إلى تطوير جهاز الدفاع المدني في البلاد وتزويده بما يحتاج من المعدات والكوادر المؤهلة.
وفي إطار الإعلام والاتصالات، يجب إعادة النظر في إدارة المعلومات ونظم الإتصالات، وينبغي انشاء هيئة عامة لتنظيم الاتصالات في البلاد والكوادر البشرية والتقنية الضروية لمواجهة الحالات الطارئة، وجهاز يتولى إدارة أمن المعلومات، ووضع خطة عامة للإعلام والتواصل الجماهيري خلال الأزمات والطوارئ.