بدا المواطن الصومالي هذه الأيام متفائلا إلى حد كبير، ويحدوه أمل كبير بعودة الأمور إلى “زي زمان” على الرغم من التحديات السياسية والأمنية الراهنة في البلاد، وأن معنوياته ترتفع يوما بعد يوم بسبب ما يجري على الأرض من خطوات عفوية وأخرى ممنهجة لطي صفحة الاقتتال باسم القبيلة والدين والانتقال إلى مرحلة الاستقرار والتنمية والتطور.
هذه الخطوات يمكن ملاحظتها من خلال المتغيرات المتلاحقة التي تشهدها القطاعات التالية:
أولا: القطاع السياسي
لا يخفى على أحد أن الصراع بين السياسين الصوماليين على السلطة والثروة لا يزال قائما ويشكل تهديدا واضحا على وحدة البلاد واستقلاله وسلامة أراضيه الا أنه في وقت ذاته هناك أجماع شبه كامل على أن تكون المؤسسات الدستورية حكما ومرجعا لإي صراع سياسي وليس الاحتكام إلى السلاح ومنطق القوة كما كان الحال في السنوات الماضية وبعيدا عن سياسة الاستقواء بالقوى الخارجية التي كانت يصب الزيت على النار المشتعلة في الصومال .
بدأ الصوماليون في الأعوام الأخيرة باللجوء إلى منطق العقل والحكمة والاحتكام للمحاكم والمجالس النيابية والدستور لايجاد حل للخلافات السياسية أو الاجتماعية فيما بينهم، حتى الجهات السياسية واصحاب النفوذ بدأوا يتقبلون بأهمية مؤسسات الدولة واللجوء إلى القضاء أو البرلمان لفصل المنازعات بدلا من الاستعانة بشيخ القبلية او بزعيم المليشيات واغلاق الشوارع والدائر الحكومية تعبيرا عن عدم الرضا والمعارضة.
كما أصبحت المحاكم المدنية والعسكرية في مقديشو تصل الليل بالنهار هذه الأيام من أجل فصل النزاعات بين المواطنين وحل الصراعات على ملكية الأراضي والممتلكات.
هذه التحولات في المفاهيم والأولويات لم تكن ممكنة ومتاحة قبل 5 سنوات أونها دليل واضح على أن زمن اللعب بالتوازانات القبلية وسلطة المليشيات قد ولي.
ثانيا: القطاع الأمني
منذ دخول قوة بعثة الاتحاد الافريقي في الصومال بدأت سلطة القبائل المسلحة تضعف شيئا فشيئا وتم انتزاع انيابها وتفكيك مليشياتها التي كانت تعبث في الأرض فسادا وخرابا وبات السلاح محصورا في ايدي الأجهزة الأمنية للدولة والقوات الداعمة لها باستثناء بعض الأقاليم، وأن القتال صار منحصرا بين قوات الدولة وقوات حركة الشباب المترتبطة بتنظيم القاعدة.
فتح هذا المتغير المهم في المشهد الأمني المجال أمام رفع مستوى التنسيق بين جهود القوى العسكرية الأجنبية في البلاد وتكتاتف جهودها لدعم المؤسسات الأمنية في الصومال وخاصة في العاصمة مقديشو وتحسين كفاءتها للقيام بمسؤولياتها وواجباتها بدلا من دعم القبائل المتقاتلة بالمال والسلاح لتحقيق مصالحها ومآربها.
فالجهود التي تقوم بها المؤسسات الأمنية الصومالية وبدعم من قوة بعثة الاتحاد الإفريقي تكاد تأتي أكلها حيث استطاعت خلال السنوات الماضية التغلب على العناصر المخربة وتدمير بؤر الأجرامية والارهابية في العاصمة مقديشو مما شجع كثير من المغتربين الصوماليين على العودة إلى بلادهم والاستثمار فيه.
ثالثا: القطاع الاقتصادي
نتيجة لتحسن الأمني في البلاد شهدت الصومال في السنوات الأخيرة العديد من التطورات الاقتصادية السريعة ولا سيما في قطاعات العقارات والمصارف والاتصالات، وبشهادة المؤسسات الدولية فأن الاقتصاد الصومالي يشهد معدلات نمو مشجعة ، فقد أكد تقرير أصدره البنك الدولي قبل عامين على أن الاقتصاد الصومالي يحقق نموا بنسبة 4٪ جراء الاستمارات المحلية، وتمكن الحكومة الصومالية من جذب مدخرات المغتربين الصوماليين المقدر عددهم بمليون ومئتي ألف نسمة واقتاعهم بالاستثمار في بلادهم.
خلال فترة وجيزة تمّ إطلاق مشروعات خدمية متعددة في الصومال، مثل خدمات الألياف البصرية Fiber optic، حيث بات خدمة الانترت متوفرة في الفنادق والمطاعم ومقاهي التي يرتادها الصوماليون عادة وأصبح الصوماليون لأول مرة يقتربون من بعضهم البعض بعد أن فرقتهم الحرب والهجرة وسمحت لهم خدمة الإنترنت فرصة لتبادل آراهم حول الأوضاع في بلادهم والسبل الكفيلة لرفع الكابوس الجاثم على صدور الشعب الصومالي منذ أكثر من عقدين من الزمن.
كما ساعدت هذه الخدمة المواطنين في التواصل مع العالم الخارجي والوقوف على حقيقة التقدم الذي تحققه شعوب العالم وبالتالي اصبحوا أكثر استعدادا من ذي قبل بالقاء السلاح والمساهمة بشكل اختياري في تعزيز الجهود الجارية لإعادة بناء الوطن وتحقيق الأمن والاستقرار.
رابعا : العلاقات الخارجية
خلال الأعوام الماضية نحجت الصومال في تعزيز وتطوير علاقاتها مع الخارج واقناع الدول بتعيين سفراء لهم في الصومال أو نقل سفاراتهم ألى مقديشو بعد تحسن الوضع الأمني فيها وباتت بعيدة من مرمى نيران الجماعات المتمردة، واستجابة لذلك أرسل عدد كبير من الدول سفرائها إلى الصومال خلال العام الجاري والعامين الماضين، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والسويد واليابان، والجدير بالذكر في هذا الإطار أن بعض الدول ذهبت بعيدة في حضورها الدبلوماسي داخل الصومال وقامت بناء واحدة من أكبر سفارتها في العالم وسط العاصمة مقديشو تعبرا عن اقتناعها بعودة الاستقرار إلى الصومال، ولهذا السبب يقول البعض أن العودة إلى الوراء مستحيلة وأن الصومال بالفعل وضعت أقدامها على طريق السلام والاستقرار.