دخلت الأزمة الخليجية شهرها الثالث ولا يلوح في الأفق أي بوادر لإنهاء سريع لها رغم الجهود الدولية والإقليمية المبذولة لانهاء هذه الازمة التي شقت الصف الخليجي، وأدخلت المنطقة العربية حالة أزمة حادة لم تشهدها المنطقة من قبل، وكان من الواضح جدا منذ البداية أن الأزمة الخليجية لن تؤثر البيت الخليجي بل ستلقي بظلالها علي علاقات الدول الخليجة مع دول إقليمية ودولية لأن كلا الطرفين كان يحاول تشكيل تحالفات إقليمية ودولية مؤيدة له لتسجيل نقاط سهلة في مرمى الطرف الآخر. لذلك كان الصومال وما يعانيه من أزمات اقتصادية وسياسية مسرحا جذابا لمعركة كسب التحالفات بين الطرفين، ولكن الحكومة الصومالية قررت الوقوف على مسافة واحدة من الاشقاء الخليجين. فقد أصدرت وزارة الخارجية الصومالية بعد أيام من اندلاع الأزمة بيانا مقتضبا أعربت فيه عن أسفها بالخلافات بين الأشقاء وطالب بإنهاء الخلاف بالحوار، مبدية استعداد الحكومة الصومالية للمشاركة في حل الخلاف ورأب الصدع بين الاشقاء الخليجيين، وهو بالفعل موقفا لن يرضي الدول الأربعة التي قاطعت قطر خاصة دولة الإمارات المتحدة التي أنفقت بسخاء مشاريع تنموية وأخرى عسكرية تهدف إلى إعادة بناء القوات الأمنية الصومالية.
ومن خلال متابعتنا لردود الأفعال الصوماليين من موقف الحكومة الصومالية من الأزمة الخليجية رصدنا الآراء التالية:
يمثل الرأي الأول شريحة واسعة من عامة الشعب، وقد رحبت هذه المجموعة موقف الحكومة الصومالية من الأزمة الخليجية ، وقد عبر كثير منهم فرحتهم العارمة في مواقع التواصل الاجتماعي حيث قال أحدهم: أشعر اليوم وكأننا استعدنا حريتنا، واثبتنا للعالم أن الصومال ليس للبيع لمن يدفع أكثر. رصدنا أن فرحة هذه المجموعة بموقف الحكومة ليس له علاقة مع مضمون القضية المتنازع عليها وأسباب نشأتها ومن هو على الصواب أو على الخطأ بل تستند إلى عاملين:
أولا: هناك اعتقاد سائد لدى كثير من الصوماليين أن السياسي الصومالي دائما ما يبني مواقفه السياسية في الأزمات الدولية على المصالح المادية الآنية له أو لمجموعته بدلا عن المصلحة الوطنية العليا، وعادة ما تدير الأطراف التي ساندها ظهرها للصومال بعد تحقق أغراضها أو بعد انتهاء الأزمة بينما الصومال يعاني من الآثار السلبية لتلك المواقف الي أجيال.. وكان يخشى أصحاب الرأي الأول أن تساند الحكومة أحد أطراف الأزمة الخليجية طمعا للمال، وكان لسان حالهم يقول: رغم المعاناة فلن نبيع مواقفنا بمقابل مادي. لذلك، جاء موقف الحكومة منسجما مع رغبتهم، وهو ما أثلج صدورهم.
العامل الثاني هو أن هذه المجموعة ترى أن الأزمة الخليجية ليست أزمة سياسية فحسب بل هي مسألة أخلاق ومبادئ لأنها هي خلافات بين أشقاء تربطهم علاقة الدم والدين تتطلب من الدول الأخرى بالقيام بإصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر وليس الصب مزيد من الزيت على النار المشتعل عبر الانحياز لأحد الطرفين، ومن لم يستطع القيام بدور الوساطة فعليه الالتزام بالحياد وهو ما فعلته الحكومة الصومالية.
يمثل الرأي الثاني شريحة واسعة من المثقفين والسياسيين الصوماليين ممن يتقلدون مناصب سياسية وآخرون لهم ثقل سياسي واجتماعي ، يتمتع أصحاب هذا الرأي إلمام واسع لأبعاد الأزمة الخليجة وتداعياتها علي الدول والأفراد في داخل الخليج والصومال، بل ان بعضا منهم تربطه علاقة وثيقة مع دوائر صنع القرار في الدول الخليجية، ويتبني أصحاب هذا الرأي أن الحكومة أخطأت في قرارها بالوقوف علي الحياد لذلك فعليها إعادة تقييم موقفها وأن المصلحة تصب للانحياز إلى الدول التي قاطعت قطر، ويتكون أصحاب هذا الرأي سياسيون صوماليون لهم انتماءات فكرية متعددة ومنهم النائب عبدالقادر عوسبلي رئيس شعبة العلاقات الخارجية في البرلمان الصومالي الذي أرسل برقية إلى الرئيس محمد فرماجو ورئيس مجلس الشعب محمد جواري يدعو فيه الحكومة بإعادة النظر في موقفها والانضمام الي معسكر الدول الأربعة، ومن هذه المجموعة رئيس الوزراء الصومالي السابق عمر عبدالرشيد الذي قال إن المصالحة الصومالية تقتضي بالانحياز إلى الدول الأربعة.
ومن السياسيين الصوماليين الذين نددوا موقف الحكومة النائب مهد صلاد المنتمي الى التيار الإخواني، حيث قارن النائب مهد صلاد في تغريدة له نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي الدعم القطري والاماراتي للصومال، قائلا إن دولة قطر تجاهلت المطالبات المتكررة من الحكومات السابقة لتمويل مشاريع خدمية في الصومال بينما دولة الإمارات المتحدة نفذت أكثر من مشروع خدمي في الصومال مثل مستشفى بن زايد فضلا عن معسكرات لتدريب القوات الصومالية.
وبناء علي ما سبق، من الواضح جدا أن اختلاف وجهات النظر الصوماليين في الازمة الخليجية يرجع إلى اختلاف نظرتهم في القضايا الصومالية الاخرى فضلا عن الطبقة الاجتماعية والثقافية التي ينتمي إليها كل فريق ولكن الحلقة المفقودة هي على أي أسس بنت الحكومة الصومالية بقيادة الرئيس محمد فرماجو موقفها من الأزمة الخليجة، فهل هو نتاج رغبات شخصيات مؤثرة في الحكومة لها علاقة وثيقة مع قطر أم هو نتاج نقاش مستفيض طرحت فيه الخيارات علي الطاولة وشارك فيه ممثلون من جهازي التنفيذي والتشريعي حتى يتحمل الجميع تداعيات هذا القرار.