التمهيد
قررت الحكومة الأمريكية في مطلع شهر فبراير 2017م بإرسال قوات إضافية إلى الصومال للمشاركة في عمليات قتالية مباشرة ضد حركة الشباب.و نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية قوله إن وزير الدفاع جيم ماتس وافق على توصيات تسمح للقوات الأمريكية مرافقة القوات الصومالية في المعارك التي تخوضها ضد حركة الشباب.
وبعد شهر تقريبا من هذا الإعلان هاجمت قوات مشتركة من الحكومة الصومالية وقوات حفظ السلام الافريقية تعززها قوات أمريكية على منطقة قريبة من قرية بريري بإقليم شبيلي السفلى في شهر مارس 2017، ويعتقد أن هدفهم كان لتنفيذ مهمة قتل أو خطف شخصيات مهمة من حركة الشباب في المنطقة، ولكنها جوبهت بمقاومة شرسة من مقاتلي الحركة أدت إلى انسحاب القوات الحكومية وحلفائها من المنطقة. .وقد شنت قوات مشتركة مرة أخرى في 18 من أغسطس الجاري هجوما على قرية بريري تمكنت من خلاله السيطرة علي القرية، وطرد مقاتلي حركة الشباب منها. و من جهة أخرى يكتنف الغموض حول أهداف الهجمات المتكررة من قبل قوات التحالف على قرية بريري، وكيف ستؤثر تلك العمليات على قوة ونفوذ الحركة بصورة عامة، فضلا عن الدور السلبي الذي قد يلعبه النزاع القبلي في إقليم شبيلي السفلي في استراتيجية الحكومة الصومالية وحلفائها لدحر حركة الشباب.
أهمية إقليم شبيلي السفلى في الحرب على حركة الشباب
استعادت قوات الحكومة الصومالية على مدن رئيسية في إقليم شبيلي السفلى سنة 2012م بعد سنوات من سيطرة حركة الشباب على الاقليم، ولكن سرعان ما تورطت القوات الحكومية في النزاع القبلي في الاقليم حيث شاركت وحدات من القوات الحكومية في المواجهات الدامية بين عشيرتين في الإقليم، ما مهد الطريق لاستعادة الحركة مرة أخرى بعضا من المناطق التي فقدتها، مستفيدة من انشغال القوات الحكومية بالنزاع القبلي في الإقليم، مثل قرية جنالي وجزء من مدينة مركا. وبالتالي يمثل إقليم شبيلي السفلى أهمية كبيرة لكل من حكومة الصومالية وحركة الشباب للأسباب التالية:
ا . يمثل الإقليم مصدر دخل حيوي للحركة
تجني الحركة أموالا طائلة من النقاط التفتيش التي تديرها في الإقليم، مثل تلك الواقعة في قرية غندرشي في الطريق الذي يربط بين مقديشو ومركه، وأخرى تقع في الطرق التي تربط بين مدينة أفجوي واوطيغلي وصولا بقرية بولو مرير. وفي الفترة الأخيرة، شكلت الحركة مندوبين لها في المناطق النائية لجمع الإتاوات من العربات التي تستخدم الطرق الوعرة لنقل الألبان من البادية إلى الأسواق في المدن، وهي سابقة لم تلجأ إليها حتى ميليشيات أمراء الحرب السابقين. أضف إلى ذلك الزكوات التي تجمعها الحركة من المواشي والمحاصيل الزراعية في كل سنة. وتمثل الطريقة الثانية لجمع الأموال فرض الضرائب على أصحاب المزارع الكبيرة التي تنتج الموز والخضروات في الإقليم، وتأخذ الحركة نسبة تصل إلى 30 في المائة من دخول تلك المزارع. النظام الضريبي الناجع للحركة في اقليم شبيلي السفلى شجع صناع القرار في الحركة في توسيع أنشطتها الضريبية على مدينة مقديشو-مقر الحكومة. وقد وزعت الحركة مؤخرا على تجار سوق بكارا اكبر سوق في مقديشو خطابا تطالبهم فيه بدفع الضرائب، وتوعدهم بإجراءات عقابية صارمة لكل من يتخلف عن دفعها. لذلك استعادة الحكومة وحلفائها إقليم شبيلي السفلى يحرم الحركة كل هذه الأموال التي تستخدمها لتمويل هجماتها على الأهداف الحكومية والمدنية فضلا عن العمليات الانتحارية.
٢. في الاقليم مقرات للحركة تهدد سلطة الحكومة في مقديشو
تقع في قرية بريري بإقليم شبيلي السفلى محكمة تابعة للحركة يحتكم اليها عدد كبير من سكان مقديشو في خصوماتهم المختلفة، ويقطعون مسافة حوالي 60 كيلو للوصول اليها بسبب ثقتهم الكبيرة بالقرارات التي تصدرها المحكمة، بل تفيد بعض المعلومات أن هناك سجون تديرها شخصيات تربطهما علاقة مع الحركة في منطقة عيلاشا بيها، حيث يتم سجن المتهمين بصورة مؤقتة للحيلولة دون فرارهم حتى الانتهاء من إجراءات نقلهم إلى المحكمة، وعادة ما تتم اجراءات سجن ونقل المتهمين باتفاق على أطراف الخصومة. رغم أن الحكومة الصومالية تتحمل مسؤولية احتكام سكان العاصمة إلى محاكم الحركة بسبب إخفاقها في إصلاح النظام القضائي إلا أن تحرير إقليم شبيلي السفلى على الأقل سيساهم في تخفيف التهديد الذي تشكله الحركة على هيبة وسلطة الحكومة.
٣. النزاع العشائري في الإقليم والحرب على حركة الشباب
تشهد مناطق في إقليم شبيلي السفلي حروب طاحنة بين قبائل بيمال وهبر جدر منذ سنة 2013، وقد فشلت الحكومة الفدرالية وحكومة جنوب غرب الصومال في وقف تلك الحروب لأسباب منها أن الحكومتين ليستا جادتين في إنهائها ، بل بعض من القيادات العسكرية والمدنية في الحكومة الفدرالية متورطة في تلك الحروب. ووظفت حركة الشباب الحرب العشائري في الإقليم لصالحها بإقامة تحالفات مباشرة أو غير مباشرة مع مليشيات تلك العشائر في فترات مختلفة، وهو ما أكدته منظمة العفو الدولية في تقرير اصدرته مؤخرا. ومن جهة أخرى ، المدنيون هم الذين يدفعون ثمن تلك الحروب، وقد تعرض سكان بعض القرى في الإقليم للقتل والتهجير في أيدي حركة الشباب انتقاما لرفض ميليشيات تربطهم صلة عشيرة مع سكان القرى المستهدفة سياسات الحركة منها، اخلاء تلك الميليشيات منطقة كيلو خمسين، وعدم إعطاء الولاء للحكومة الصومالية. وقد أوردت منظمة العفو الدولية أن مليشيات الحركة أحرقت مالا يقل عن ٣٠ قرى كانت تقطنها احدى عشائر القاطنة في الإقليم، ونهبت مواشيهم، مما أدى إلى نزوحهم الى مناطق اخرى في الاقليم والى مقديشو.
سيطرة حركة الشباب علي إقليم شبيلي السفلي يوفر الأرضية المناسبة لاستمرار القتال العشائري في الإقليم، ويبرر ولاء العشائر للحركة حفاظا علي مصالحها الاقتصادية والأمنية لكونها البديل الأقل خسارة، ما يجعل انهاء هذا الخلاف العشائري من سلم أولويات الحكومة بهدف تحرير الإقليم من حركة الشباب، ولن ينتهي هذا النزاع العشائري الا اذا ابدت الحكومة جديتها في طي هذا الملف.
التوصيات
أولا: فعلى الحكومة الفدرالية وحكومة جنوب غرب الصومال عقد مؤتمر للمصالحة لإنهاء النزاع القبلي في الإقليم، وأن تواجه الحكومتين هذا النزاع بصورة مختلفة عن السابق، وذلك عن طريق إشراك الشخصيات والكيانات القادرة على إنهاء الخلاف بدلا من شخصيات لا تتمتع بالثقة في داخل العشيرتين المتقاتلتين كما جرت العادة، وأن توفر الحكومة كل الإمكانات المالية واللوجستية لعقد المؤتمر.
ثانيا: دمج جميع المليشيات القبلية مع القوات الحكومية، والاستفادة بهم في معارك تحرير الإقليم من حركة الشباب، ومعظم المليشيات العشائرية تتمتع بخبرة كبيرة في المنطقة، ومؤهلة بجمع معلومات حساسة عن تحركات الحركة وأماكن اختباء قياداتها وتعقبها بفصل العلاقة الأسرية التي تربطهم مع سكان الاقليم، وبالتالي، دمجهم في القوات المسلحة يوفر للحكومة موارد بشرية ومعلوماتية مهمة لاستخدامها في القضاء على حركة الشباب.
ثالثا: تشكيل إدارات جديدة لمديريات الإقليم تحظى بتأييد العشائر، تقسيم الثروة والسلطة كان من احد اهم اسباب نشوء النزاع القبلي في الإقليم، ويمثل أسباب استمرار هذا الحرب إلى الآن، لذلك ، فعلى حكومة جنوب غرب الصومال تصحيح أي أخطاء سابقة في تشكيل الإدارات المحلية حتى لا تكرر النزاعات القبلية التي اكلت الاخضر واليابس في الإقليم وتوفر البيئة الحاضنة لحركة الشباب.
الخاتمة
القرار الذي أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية والذي يسمح للقوات الأمريكية في الصومال بمرافقة قوات الحكومة الصومالية في العمليات القتالية يصب في مصلحة جهود الحكومة الصومالية لإضعاف حركة الشباب وطردها من المناطق التي تسيطر عليها. وقد شهدت مناطق تقع تحت إمرة حركة الشباب في إقليم شبيلي السفلي عمليات نوعية نفذتها قوات من الحكومة الصومالية وقوات حفظ السلام الافريقية برفقة عدد من الجنود الأمريكية الحقت خسائر بشرية في صفوف حركة الشباب المجاهدين. ويمثل إقليم شبيلي السفلي أهمية خاصة لكل من الحكومة الصومالية وحركة الشباب كون الإقليم مصدر دخل حيوي للحركة لتمويل أنشطتها، واحتضان الإقليم مؤسسات تابعة للحركة تشكل تهديدا مباشرا علي سلطة الحكومة، مثل محكمة الحركة في قرية بريري، بالإضافة إلى النزاع القبلي في الإقليم والذي يؤثر ويتأثر في جهود الحكومة في محاربة حركة الشباب خاصة في إقليم شبيلي السفلي.