قامت القناة الفرنسية (M6) بنشر فيلم وثائقي عن رجل الأعمال الإثيوبي توديوس ( Tawidos Belete ) من قومية التجري الذي هرب في الثمانينات القرن الماضي من جحيم النظام الشيوعي في إثيوبيا لكي يعمل حلاقا في مدينة بوسطن الأمريكية واتخذ قرار العودة إلى بلده 2002م حيث بدأ مسيرته الاستثمارية في مجال العقارات والبناء وصناعة الاسمنت وتعديل الذهب حتى أصبح من أكبر أثرياء أثيوبيا .فما هي قصة هذا الرجل الذي استهوته جزيرة “إيل موشى “و يظهر في الفيلم وهو يتبختر في حركاته ويقول بصوت عال ” أنا هو مالك الجزيرة ” ” انتم الآن في أرضي” وما هي الصفقة المشبوه التي جعلته يبدو سعيدا؟ .
موقع هذه الجزيرة السياحية.
تقع جزيرة ( إيل موشى) السياحية بالقرب من مدينة جيبوتي على بعد 15 كلم شمال الميناء وتبلغ مساحتها 12 كيلومتر مربع ويجري الذهاب إليها بركوب قوارب سياحية من ميناء جيبوتي بحيث يمكن الوصول إليها كل سهولة في رحلة لا تستغرق سوى 35 دقيقة
تتميز الجزيرة بشواطئ تتكون من الرمال البيضاء الناعمة ويوجد فيها غابات من أشجار المانجروف تعشعش فيها الطيور البحرية بكثافة ، كما أن السلاحف البحرية تقصد هذه الجزيرة بكثرة في أوقات كثيرة من السنة خاصة في موسم التكاثر و يحيط بالجزيرة مجموعة ضخمة من الشعاب المرجانية الأمر الذي جعلها قبلة لهواة الغوص في العالم ، وجعل عدد زوارها يصل سنويا إلى أكثر من 100 ألف سائح.
تاريخ هذه الجزيرة السياحية
نظرًا لصغر مساحة هذه الجزيرة وظروفها المناخية وقلة مواردها الاقتصادية فإنها ظلت غير مأهولة بالسكان ومع ذلك فإن بريطانيا العظمى تفاوضت مع سلطان تجورة حول الجزيرة ، واشترت منه عام 1840م مقابل عشرة أكياس من الأرز وظلت الجزيرة تحت السيادة البريطانية حتى عام 1885م حيث تنازلت بريطانيا الجزيرة للهيمنة الفرنسية وذلك لوقف التطلعات الفرنسية الهادفة إلى التوسع وضم منطقة رأس جيبوتي ( ايرون حاليا ) وزيلع إلى الأملاك الفرنسية في المنطقة.
وفي عام 1914م اتخذ تاجر الأسلحة الفرنسي هنري منونفريد ( Henry de Monfreid ) من هذه الجزيرة مخبأ للأسلحة المهربة مما أجبر السلطات الفرنسية تعيين حراس لمراقبتها.
وفي عام 2008 م قرر الرئيس إسماعيل عمر جيله عرض الجزيرة للبيع أو الإيجار لمستثمر صيني ولكن المفاوضات تعثرت وتخلى الرجل الأعمال الصيني عن الصفقة بعد أن واجهته صعوبات في عملية الشراء ، وقيل في تبرير إبطال هذا الاتفاق أن أمريكا استغلت وجود أحد الكابلات البحرية بالقرب من الجزيرة وشددت من لهجتها بضرورة إبعاد الرجل الصيني من الجزيرة كي لا يتمكن من التلاعب بالكابلات البحرية والتجسس على المعلومات الواردة فيه.
وفي عام 2013 تم إعلانها محمية طبيعية بقرار جمهوري اعتبر هذه الجزيرة وما حولها محمية طبيعية. وتم إدراج الجزيرة بالفعل في قائمة مناطق المحميات الطبيعية التي تحرسها الدولة على مدار الساعة ، باعتبار ما فيها من تراث بيئي فريد. ويعد بيع الجزيرة الآن بهذه الصورة المهينة أمرا مخالفا للقانون وجريمة في حق البيئة البحرية.
الصفقة المشبوه وعلامات استفهام
سكت الإعلام الرسمي في جيبوتي عن تمرير الصفقة المشبوه المتعلقة بالطريقة التي انتقلت بها ملكية جزيرة “أيل موشى” غير المأهولة إلى رجل أعمال إثيوبي ( الأغنياء الجدد في إثيوبيا ) بعيدا عن الهيئات الرسمية. ولولا تقرير القناة الأجنبية الذي كشف النقاب عن بعض تفاصيل الصفقة للرأي العام لما علم أحد بما دار في تلك الصفقة التي تمت بطريقة سرية.
ويقضي هذا الاتفاق إيجار الجزيرة للملياردير الإثيوبي لمدة 30 عاما مقابل 7 مليون دولار.
ولرسم صورة أكثر وضوحا نجد أن ما تكسبه جيبوتي من تأجير الجزيرة لا يتعدى مبلغ 20 ألف دولار شهريا، بينما يبلغ ما يجنيه الرجل الإثيوبي شهريا كربح صافي هو 200 ألف دولار . وقد يصفي هذا الإثيوبي أعماله في الجزيرة، و يعرض ممتلكاته للبيع بعد سنتين فقط. ويكسب من وراء ذلك أضعاف ما أنفق، بينما سقف الأرباح يظل رهن الاتفاق الأول بالنسبة لمؤجري الجزيرة.
ويقوم المشروع حسب الشرح الذي قدمه الملياردير الإثيوبي من خلال الفيديو و المجسمات المعروضة على عدة عناصر منها: كازينو وفندق فاخر ذو جناح رئاسي، و200 فيلا سكنية ( يؤجر الفيلا الواحدة بألف يورو شهريا ) ومطاعم ، ومقاهي فاخرة، ومرسى للقوارب. بتكلفة 15 مليون دولار لا تضم ثمن الإيجار. وأكد هذا الملياردير الإثيوبي ثقته التامة بالمميزات السياحية للجزيرة ، ومن قدرته المالية لتحويلها إلى أكبر منتجع فخم في شرق إفريقيا ، موضحا أنه يسعى للاستفادة من تمركز القوات الأجنبية في جيبوتي، واحتياجاتهم إلى ملاهي، ومنتجعات فخمة. ويخشى المراقبون أن يتمادى هذا الملياردير الإثيوبي في فتوحاته، ويحول الجزيرة إلى مستعمرة خاصة به ، بحيث يرفع فوقها العلم الذي يريده، ويفرض فيها القوانين التي تروق له، بعيدا عن أعين رقيب.