يعتقد كثير من الساسة الصوماليين أن الديمقراطية تقتصر على صناديق الاقتراع وأن من يفوز بالانتخابات مرسل من رب العالمين مفوض من قبل الشعب يحق قيادة البلاد، وحده متفردا بالقرارات، ومتخليا من سواه خلف أسوار القصر يموتون كمدا وغيظا، ويتصرف انطلاقا من الإعتقاد بأن تحقيق “إرادة الشعب” تجيزه العملية الديمقراطية، ويتناسى هؤلاء الساسة أن الأسس التي تقوم على الديمقراطية ليست الصناديق وحدها وانما هي المشاركة والتمثيل السياسي العادل واعطاء كل ذي حق حقه سواء طالب ذلك أم لم يطالب، وأن عدم الالتزام بهذا الاستحاق قد يوسع فجوة الخلافات بين المجتمعات ويكدر العلاقة بين الدولة والمواطن،ويؤدي في نهاية المطاف إلي رفض العملية الديمقراطية برمتها وتعالي الأصوات المطالبة بالعودة إلي العنف المسلحة، وخصوصا في بلد مثل الصومال الذي يتلمس طريقه نحو الأمن والاستقر المفقودين مند أكثر من 25 عاما وأن أي خلل في العملية السياسية في الصومال ومصادرة الحقوق السياسية من قبل فئة معينة بدواعي الديمقراطية، والفوز بالانتخابات سيترتب عنها عواقب وخيمة وتداعيات سلبية على الجهود المحلية والدولية لإعادة بناء الصومال وحتى ان لم تظهر هذه العواقب في الوقت الحالي لا محالة ستظهر في السنوات القادمة.
كفى بالانتخابات التي مرت بالبلاد تذكيرا..فالوضع المأساوي الذي نعيش فيه اليوم ليس الا نتائج الديمقراطية القبلية التي ممارسها السياسيون الصوماليون في عهد ما بعد الاستقلال والتي كانت على أساس المحاصصة القبلية والتهمش ومصادرة حقوق العشائر الضعيفة.
ما أشبه الليل بالبارحة فالعملية الانتخابية التي نشهدها اليوم لا تختلف كثيرا عن المشهد الانتخابي في عهد ما سمي بعهد الدولة المدينة، حيث كان يتم اختيار ممثلي الشعب في البرلمان على اساس قبلي وفي عملية انتخابية يقرها ممثلوا الامم المتحدة أنها واكبها ترهيب ومنع مرشحين من الترشح او منعهم من التوجه الى أماكن معينة مع اموال كثيرة تتداول، والأنكى من ذلك أنها محصورة بالنخب ولا علاقة لها بالمواطن الصومالي البسيط، ما اثار تساؤلات جادة عن ماذا سيكسبون المواطنون البسطاء من هذا الانتخابات؟.
ومع ترديد السلطات الحاكمة ان هذه الانتخابات “اكثر شرعية” من انتخابات 2012 التي كان ينتحب 135 زعميا قبليا النواب الا أن من المؤكد أن العملية لا يمكن وصفها بالديمقراطية وأن الفائز فيها لا يمكن أن يعتبر نفسه بـ “الرئيس الشرعي” وانما هو شخصية نجح في انتخابات صورية كان الهدف منها اجراء انتقال سلمي للسلطة السياسية، وبالتالي فعليه القيام بكل ما أوتي من قوة لتشكيل حكومة سياسية شاملة تمثل جميع الأطراف السياسية وكل القوى العشائرية، والبديل هو الحرب.
الديمقراطية ليست صناديق وانما حكم الشعب بالشعب وتوسيع دائرة الحكم وأن تشعر كل الأطراف على أن الفائزين يمثلونهم .. الديمقراطية مؤسسات وتربية ومراكز قوى، ظاهرة وباطنة، وتشخيص مصالح يجمع شركاء الوطن في الامة لمرحلة تاريخية، وليس مجرد اوراق في صناديق. ومن يعتقد أن الديمقراطية مجرد السيطرة على المواقع، واوراق في صناديق، وصراخ وضجيج واتهامات للبقاء، عبر تسقيط الاخر فهو واهم… وما ذا بعد الحق الا الضلال.