ابن ديريه … اسم تعلق بالأروقة العلمية العالمية
كم يثلج صدورنا عندما نرى المتمرد الأسمراني الدكتور محمد علي ديريه تعلق اسمه في الجلسات الأكاديمية الإقلمية والعالمية، ويتسابق الباحثون إلى وصول معدن إنتاجه الأدبي ونظراته الثقافية الحديثة، ولا شك فإنّ الأمر لم يأت فجأة إنّما نتيجة الكفاح الثقافي والأدبي خاض المتمرد منذ صغره، كما لا يستغرب أن يبرز الأديب وإنتاجه العلمي والثقافي في الساحات العالمية حتى وصل الأمر إلى ميادين الدراسات الأكاديمية العليا بغية نيل درجة علمية، وهو ما فعله أحد الباحثين الأردنيين في المملكة الهاشمية الأردنية، بل وصل ابداعات ديريه إلى قارة العجوز أروربا بحيث درست أحد باحثاتنا الصوماليات رسالة لها علاقة بأديبنا تحت عنوان ” الغربة عند محمد علي ديرية، وانجزت الباحثة بحثها في باريس بفرنسا، وكأنّ لسان حالها يقول : ” هذه بضاعتنا ردّت إلينا“. ويكفيه فخراً واعتزازاً بأن جامعة كولومبيا كتبت عن عصفورنا ديريه التي لها علاقة ثقافية معها ويقيم فيها حالياً لأسباب علمية وثقافية.
وليس من دأب أديبنا حب الظهور وجر وراء الشهرة بل انتقذ على كثير من أدباء العرب الذين يبجثون الشهرة من خلال رواية أو قصة أنتجوا بها، وقد جاء انتقاذه عبر محاضرة ألقاها حول الرواية العربية والقصة القصيرة، وأغلب الحاضرين كانوا من فئة الشباب والشابات، وقد كرر مراراً في ذلك وقال: ” الشهرة لا تأتي البحث وإنما الجمهور والقراء هم الذين يوزعون، وكم من أديب لامع وروائي ساحر اختفى حتى ظهر اسمه بعد عشرات سنين“.
عشقه بالحرية والأحرار:
يعشق الفتى الحرية ولا يجامل من أجلها بل ويستميت في نصرة الكلمة الحرة وإطلاق عنان الحرية، ولعل ذلك يعود إلى مشربه الصافي على يد والدته آمنة التي حرصت على أن يكون ولدها آمناً مطمئناً لا يخاف في الله لومة لائم، ولأجل ذلك اضطر الاتصال المباشر بنا عندما كان زملاءنا في مركز مقديشو للبحوث والدراسات يعبقون بالسجن بدون تقديم المحاكم والعدالة، كيف لا يفعل مثل ذلك وهو الذي يرى “بأن المثقف الحقيقي هو الذي يعشق بالحرية..وكيف لا يحرك ساكناً وهو الذي يرى بأنّ المثقف الحقيقي هو الذي يقف بجوار الضعفاء وبجوار الأقليات مع الحق دائما “.
والحقّ إنني لا أنسى كيف سهر معي في تلك الليلة – وهو في سفر متعب إلى الولايات المتحدة – يناقشني في سبيل حصول الحرية لهؤلاء الزملاء، ولم يكن بينه وبين المعتقلين معرفة مسبقة إلا أنّ نفسه التواقه إلى الحرية لم ترض أن ترى تلك العصافير في قفص الاتهام دون أن يمثل أمام العدالة، كما أبدت شجيته ونخوته أن يرى ويقرأ بعض إخوانه يسلبون حريتهم بهذا الشكل المخيف.وكان يردد هذه الليلة ” تصور يا دكتور لو كنّا في مكانهم اليوم فماذا كنا نفعل؟ .. ولم يخف دكتور مشاعره بتلك اللحظات تجاه تلك القضية لأنّه كان يرى أنّ حرية الإنسان تساوي حرية الجميع .. الجميع تحت القانون ، ومن هنا لم يخف بأنّه مبتعض في سجن الأحرار بدون تقديمهم إلى العدالة، بل حرية التعبير حق أصيل لكل إنسان حر، والصوماليون شعب حر يكره الظلم ويأبى الضيم أينما كنّا “. وأكثر من ذلك كان يشجعني في سبيل مواصلة الكفاح والمناصرة التي كنتُ أبدلها في سبيل حصول الإخوة المسجونين في تلك الفترة حريتهم الكاملة ، وكان يكتب إليّ بعض كلمات مزعجة وهي عبارة عن مدح وإطراء يوجه إليّ كقوله: ” أنت الأديب المؤرخ سيدي وأستاذي“، وأعرف أنّ ذلك من تواضعه الجم وتربيته الحسنة، كما يعرف كثير من أصدقائي وزملائي في الدرب بأنّني لا أستحق بهذه الأوصاف والألقاب الجميلة.
حبه بالمنظومة الأدبية والثقافية:
والدكتور محمد ديرية رغم أنّه ترعرع في الخبر وهي مدينة صغيرة ليس لها شهرة واسعة في العالم إلا أنّ أديبنا استطاع أن يكوّن علاقات واسعة وخاصة مع الأندية والنوادي الأدبية والثقافية الآخري ليس في وطننا العربي فقط وإنّما أكثر من بقعة في هذا العالم، ولدى كاتبنا مكانة عظيمة عند المنديات والنوادي الأدبية في وطننا العربي مثل ” نُون بوسا والرصيف ومدونات الجزيرة“. مما يدل على أنّ موهبته الأدبية تتوق إلى ابحارها وإبرازها إلى الجماهير العربية لتعرف هذا الأدب البريئ الممتع غير متكلف.
وكأنّه أراد أن يحول هذه العلاقة الأدبية والثقافية إلى مكسب يعود لبلاده الصومال رغم أنّه طار على الآفاق ولكنه لم ينسى بلده الذي ينتمي إلى ترابه، و من هنا استطاع أن يعمل بمجهود كبير في نجاح ذلك، ومن مجهوداته بأنّه عمل على تأسيس صفحة ” من الصومال بالعربية” والتي أنشأها بالتعاون مع الأخ محمد موسى في لندن بالمملكة المتحدة، وما زال الدكتور محمد يشرف عليها.
مساعدته للشباب بالقراءة والحث العلمي:
وكان صاحبنا وأديبنا في صغره يحب القرآءة والكتب، بل وحبب إليه الذهاب إلى المكتبات ليتعرف إلى عالم الكتب والمجلات والدوريات، وقد قرأ أغلب الروايات العالمية سواء في جنوب أمريكا والهند وشمال أمريكا وليس فقط في العالم العربي. وعندما استوى ساعده في القرآءة ومطالعة الكتب لم يتوانى أن يشجع لغيره في الطريق إلى القرآءة ومطالعة الكتب، ولمشاركة مشروع دعم القرآءة وتطويرها شارك في إحياء ذكرى اليوم العالمي للقرآءة بسايتك، وقدم خلال هذا المشروع محاضرة قيمة تحدث فيها ” الرواية … لماذا وكيف نقرأ “، وفي الوقت نفسه أنّه أحد متطوعين لأندية إقرأني والتي تشجع للناس بالقرآءة والمطالعة. وهذا التشجيع والحث على القرآءة لم تكن هينة لدى الدكتور بل ويعرف في الحقيقة ما لها من قيمة أدبية وأهمية ثقافية وعلمية بحيث يراها – أي القرآءة والمطالعة – شكل من أشكال المعرفة، كما أنّ القرآءة لدى الدكتور تأخذ مناحي مختلفة وألوان متعددة، وقال ” أنّ القرآءة تتنوع بألوان مختلفة، ولا تنحصر القرآءة فقط بقرآءة الكتاب والورق، وإنما هناك أخرى مثل قرآءة الطبيعة وقرآءة وجوه الناس. ومن ناحية أخرى يرى الدكتور أن القرآءة فعل ستار ، تستر سوءة المرء ومواطن ضعفه” .
وفي سبيل التطبيق العملي لرفع شأن القرآءة يقترح الدكتور إذا اشترى أحد منا كتاباً وانهى قرآءته أن يعطي لغيره في سبيل الإعارة بدلاً من أن يظل الكتاب حبيساً على الرفوف، والهدف من ذلك يقول الدكتور “حتى لا تموت الفكرة … الفكرة التي يحملها الكاتب والمؤلف مهما كان، ولا شك أن ذلك تشجيع من نوع آخر للقرآءة وتغذي لأفكار والأرواح“.
مخالفتنا لدكتور محمد ديريه:
وفي احدى محاضراته الأدبية لاحظنا بأن الدكتور يتعصب بهوايته القصة والرواية، وهذا أمر طبيعي بأن ينحاز كل واحد منا إلى هوايته وتخصصه، غير أنّه ينتقذ على المؤرخين وإنتاجهم الثقافي بحيث يصفهم “بأنّهم – أي المؤرخون – جلف وأنهم شخصيات لا ترحم” ، ورغم اختلافتنا بما ذهب إليه حبيبنا الغالي من أن المؤرخين جلف .. وأنهم شخصيات لا ترحم ، إلا أنّ حبيبنا نَسِيَ بأن التاريخ – كما يقال – لا ترحم ، وبالتالي ما الذنب الراوي والمؤرخ الذي روى بأمانة بتلك الأحداث ولو كانت مريرة لتعبيرها لأجل العظة والعبرة .. لا شك أنّ أديبنا فاته بأنّ المؤرخ لا يصنع الأحداث التاريخية، فإنّما الأمم والظروف التاريخية هي التي تصنع التاريخ… غير أنّي أتفهم بما يريد … ولا أنسى سبب إلقائه بهذه الكلمات النارية تجاه المؤرخين .. لأنه أراد أن يشجع الشباب بالقرآءة .. وحتى لا يملو حثهم بقرآءة ما يستمتعون به في القرآءة كالرواية وما شابهها.. رغم أنه أنصف فيما بعد، وقال المؤرخون شخصيات تقول الحقائق تم تمضيى ، لأنه ملزم أن يقول كل شيئ بدمته والتي حضرها وما فهمه ووعاه لأنه مستأمن على ذلك … بخلاف الروائي لأنه شخصية عاطفية تماما ويبحث العاطفة الداخلية.
الأدب الصومالي العربي في المهجر العربي والغربي:
وديريه لم ينسى موطن أجداده في حسه وفي كتابته، بل ويرى بعض الكُتّاب العرب أنّه أثرى أدب المنفى العربي وذلك من خلال استقاء مصادر عربية ومعايير عربية في سياق صومالي يمنح من خلال ذلك الأدب العربي حدوداّ أبعد، على الرغم من أنّه أحياناً كثيرة لا يذكر مباشرة، كما فعل في قصة “لعنة الجنوب“، وصرح ديريه بأنّه حاول نسيان كل ما يعلق بأرض أجداده، ولكنه يعترف بأنّ تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع في نهاية المطاف، بحيث لم تزل بقايا الصومال مترسبة في ذهنه، كما ذكر ذلك الكاتب راضي الشمري عند ترجتمه بعض ما كتب ديريه إلى لغات الإنجليزية والفرنسية. وقد ترجم بعض ما كتب ديريه إلى بعض لغات حية كالإنجليزية والفرنسية، بحيث يتناول قراء تلك اللغات ما توصلت معدن الدكتور وقريحته الأدبية سواء الموزون القافي أو النثر المنثور.
ونختتم الحديث عن هذا العصفور الصومالي الجميل والذي طار أكثر من مكان في هذا الكون الفسيح من خلال أدبه في الرواية والقصة والشعر حتى احترمه الناس.
ولمعرفة أكثر مما كتبنا حول الأديب محمد على ديريه ارجع إلى هذه الروابط:
محاضرة ألقاها الأديب محمد علي ديريه بعنوان: ” لماذا وكيف نقرأ الروايه“
https://www.youtube.com/watch?v=RT7Glxgu9Go
مداخل لدكتور محمد ديرية حول مناقشة كتابه
https://www.youtube.com/watch?v=c39BONuVw48
حول أفكاره وشغفه الأدبي
http://www.alhayat.com/Articles/6407134/%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%B4%D9%88-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9—-%D8%B3%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%82%D8%B1%D8%B5%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A
واقرأ أيضاً:
https://www.alaraby.co.uk/culture/2015/1/7/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AF%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B6%D9%81%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9
http://baraza.cdrs.columbia.edu/mogadishu-in-arabia/.