فيما تمضى الأيّام بسرعة البرق يبقى المشهد السّياسى الحالىّ ضبابيًّا ومن غير معالم مرسومة أوأهداف واضحة, ورغم الوعود والتّأكيدات بأنّ عمليّة الانتقال السّياسىّ ستكون على ما يرام وبشكل سلس تبقى العهود والمواثيق طي النسيان ريثما يجفّ الحبر وكأن الإمضاء وأداء القسم وبسرعة والتّنصّل عنه وبسرعة أكبر أكثر ما يجيد الإنسان الصومالى فعله.
من رحم المعاناة السّياسيّة رشّحت ولايات بونتلاند وغلمدغ وجوبا لاند والجنوب الغربى القائمة المصغّرة للأسماء المتنافسة لشغل مقاعد مجلس الشّيوخ (الغرفة العليا) , علما بأنّ الأخير فقط برئاسة شريف حسن استوعب الدّرس تماما ربّما بفعل مذاكرته الجيّدة للشّروط وبذلك سلمت ترشيحاته من النّقد فيما اضطرّ الآخرون لدخول امتحان الإعادة، ويتوقّع استكمال جلّ أعضاء المجلس مع نهاية الأسبوع.
من الواضح أنّ لجنة الانتخابات غير المباشرة بدأت تستعدّ لأخذ زمام الأمور لأوّل مرّة ولو بتثاقل لإحساسهم بخطورة الأمر و جسامة الشأن واستشعارهم بأنّ وجودهم قد يكون على المحكّ حال تعثّرهم فى القيام بالمهام المنوطة بهم , قد يكون هذا ما دفع اللّجنة إلى الإلحاح على ضرورة تقديم الإدارات الإقليميّة الأسماء المترشحة لمجلس الشّيوخ ووضع موعد نهائىّ للضّغط عليهم، ولعلّ هذا ما دفع الإدارات الإقليميّة إلى إصدار قوائم على عجل بداية الأسبوع الماضى وإن كانت قد جانب معظمها المعيار الموصى به من قبل منتديات القادة الوطنيّة كما ذكرنا.
مساعى اللّجنة لتعجيل إتمام العمليّة لاقت استحسان كثير من الشّعب واعتبروها محاولة جدّية لإبراء ذمّتها من مزاعم التّبعيّة المطلقة لقيادات الحكومة الفدراليّة، ولعلّ تصريح المرشّح الرئاسى عبد الرحمن فرولى قبل أيّام عديدة لدى اجتماعه بالمبعوث الدولى فى جرووى لم يأت من فراغ؛ إذ قال (الحكومات تأتى وترحل فى أىّ وقت، واللّجنة الانتخابية تدرك أنّ الرّئيس حسن ليس استثناء، ولهذا فهم رغم أنّ تعيينهم جانب الصّواب لكنّهم فى الآخر مواطنون يدركون مسئوليّاتهم الوطنيّة ويتطلّعون لتحقيق إنجاز فى عملهم) كلام يعكس الثّقة المتزايدة بالهيئة خصوصا من رجل لم يعهد عنه التّفوّه بكلمات الإشادة ولم يعرف عنه تنميق القول لدغدغة مسامع الآخرين وكسب ودّهم
كان من المفروض أن يتقدّم للمقعد التّشريعى فقط السّاسة المخضرمون وكبار الشخصيّات العسكريّة والمدنيّة المشهودين لهم بالكفاءة والنّزاهة , وإذا نظرت للأسماء تكاد معظمها تكون مغمورة، أمّا المعروفون منهم فينحصرون بين ضابط تعدّد له قبيلته فقط المآثر والمفاخر لدوره فيما يعتبرونه “الذّود عن مصالح العشيرة” وبين سياسىّ اضمحلّت سمعته وسط وحل السّياسة المحلّية الموبوءة بالفساد وسوء الإدارة.
وفى اعتراض واضح على تعيين بعض زعماء الحرب فى المجلس الأعلى أصدرت بعثة الإغاثة الدّوليّة للصومال يوم أمس الأحد بيانا بلسان المجتمع الدّولى يعبّر فيه عن “مخاوفه العميقة بشأن شمل أشخاص ذوي سوابق فى الإجرام والعنف والتّطرّف فى قائمة المرشّحين للمجلس لتمثيل الولايات الموجودة فى الواقع أو تلك الّتى هى تحت التّأسيس , ترشيح أو انتخاب أشخاص مسؤولين عن الحروب الأهليّة فى الصومال يعتبر خطوة عكسيّة فى وقت تستعدّ فيه البلاد لفتح صفحة جديدة”
الملاحظ كذلك من كشف الأعضاء الفائزين فيها حتّى الآن وجود أسماء شابّة لم يسبق لها تقلّد أىّ منصب رسمى , قد تكون تحت عوامل ومؤثرات غامضة لكنّ المؤكّد أنّهم لن يكونوا بمستوى الآمال والتّطلّعات بالمرّة
يبقى إيجاد مندوبين عن هيرشبيلى (تحت التّأسيس) وولاية الشّمال الغربى (أرض الصومال الّذى أعلن انفصاله من جانب واحد) فى المجلس أكبر التحدّيات , وإنّ بروز شخصيّات اقترنت أسماؤها بالحروب الأهليّة الطّاحنة ضمن الفائزين والمترشّحين لعضويّة المجلس ونقص النّصاب النسوى وضعف الإرادة السّياسيّة وكذلك شحّ الموارد الماليّة واندلاع المواجهات البينيّة فى بعض المناطق لا تزال عقبات حقيقيّة يصعب معها الإسراع.
ولاية أرض الصومال تتصدّر قائمة العراقيل أمام إنشاء المجلس؛ إذ أجمع المسؤولون المنحدرون من الولاية رفضهم ومقاطعتهم للعمليّة برمّتها احتجاجا على عدم إعطائهم الامتياز المتناسب مع حجمهم كما يرتأون
وإذا نظرنا للدول الّتى تعمل بنظام الغرفتين مثل أمريكا فإنّ كلّ ولاية تبتعث بالتّساوى مندوبين اثنين لتمثيلها فى مجلس الشّيوخ والحفاظ على مصالح المحافظة، وإثارة قضاياها ذات أهمّية قصوى عبر مجلس الشّيوخ بغضّ النّظر عن كثافة ومساحة الولايات.
فى الولايات المتّحدة تعتبر جزيرة رود لاند أصغر ولاية من ناحية المساحة بحوالى 3,156 كم مربّع، ومع ذلك تتساوى فى مقاعد المجلس مع ألاسكا أكبر ولاية أمريكيّة بمساحة تقدّر بـ 1,524,640 , كما أنّ أقلّ الولايات كثافة سكانيّة ويومينغ بـ 490,000 لديها نفس نسبة التّمثيل مثلها مثل كاليفورنيا أكثر الولايات كثافة على مستوى أمريكا بتعداد يصل إلى 27,663,000 نسمة وذلك حسب إحصائيّة 1987م.
دول عديدة بينها كندا وإنجلترا وروسيا والهند لديها مجلس تشريعى أعلى، وبالطّبع فإنّه عادة ما يكون أقلّ عددا وأوسع سلطة وصلاحية وأكثر صرامة فى الاشتراطات من المجلس الأدنى، إذ يهدف إلى استقطاب ألمع الأسماء على مستوى البلد، والّذين يتميزون بالخبرة والنّضوج الفكري. كما أن عمر المترشّح المسموح به يكون أكبر مقارنة بالمجالس الأخرى التّشريعيّة، ففى أمريكا يشترط أن يكون المترشّح للمجلس الأعلى فوق الثّلاثين من العمر مقارنة مع خمسة وعشرين سنة لمجلس الممثّلين , لكنّ مسألة السّنّ تختلف من دولة لدولة طبقا للدّساتير.
فى الدول البرلمانيّة يتمتّع مجلس الشّيوخ بصلاحيات أقلّ من المجلس النّيابى؛ حيث يسمح له القيام بإجازة بعض التّشريعات المحدودة مثل التّعديلات الدّستوريّة، ولايمتلك حقّ حجب الثّقة أو قليلا ما يمارس، ولا يحقّ له المبادرة بسنّ تشريعات وبالتّالى تبقى العضوية فيه شرفيّة بنسبة كبيرة.
أمّا فى الدّول ذات النّظام الرّئاسىّ (مثل الصومال) فلدى الغرفة العليا قوّة تشريعيّة تعادل الغرفة السفلى، وقد تستأثر ببعض الامتيازات حسب اللّوائح الدّستوريّة المعمول بها الّتى تختلف من دولة لدولة حيث يقومون عادة بأعمال مثل:
- إسداء النّصح بخصوص بعض القرارات المصيريّة وإعطاء إشارة الموافقة عليها (مثل تعيين القضاة والسّفراء)
- قد توكّل إليهم وحدهم التّفويض فى عزل الجهاز التّنفيذى عند استدعاء الحاجة.