شهدت علاقة الصحافة البونتلاندية مع وزارة الإعلام والاتصال الولائيّة تراجعاً متنامياً منذ أن وصل الرئيس الحالي فيها إلى السطة، وقد بلغت هذه العلاقة أسوأ مراحلها، وتدهورت بصورة كبيرة بعد أن تم تعيين الوزير/محمود حسن سوعدي وزيراً للإعلام في حزيران/يونيو من العام الماضي.
وتشتكي الصحافة الحرّة في بونتلاند من ممارسات تقوم بها الوزارة ضدّهم من قبيل تضييق الحرية الصحفية والاعتداء علي الصحافة بإغلاق المكاتب وزج الصحفيين في السجون بدون إبداء أي مبرر قانونيّ مسبق، بل وصل الأمر بوزير الإعلام إلى التهديد علناً بقتل الصحفيين ما لم يستجيبوا لأوامر بتسجيل أسمائهم لدى الوزارة. الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل منظمة الصحفيين في بونتلاند المعروفة بـ ” MAP “، والتي أصدرت – حسب رئيسها فيصل خليف بري – دعوى قضائية ضد الوزير وقدمتها إلى قضاء بونت لاند. وسط صمت وتفرّج أجهزة الدولة الأخرى وخاصّة الرئيس عبد الولي الذي لم يبد موقفه حتّى الآن من الأزمة.
مما يثير التساؤل عن مدى اللياقة السياسية لأسلوب الوزير وانسجامه مع موقع مسؤوليته وما يفترض أن يوجهها من سند قانونيّ، خاصّة عند تهديده العلنيّ بقتل الصحفيين غير المذعنين لأوامر التسجيل ، ويثير الدهشة والريبة أيضاً بوجود تواطؤ وتوافق من الرئاسة مع موقف الوزير وممارساته في مضايقة الصحافة، حيث لا نرى حتّى الآن تدخلا من حكومة بونتلاند رغم تصاعدحدّة الخلاف إلى هذه الذروة.
سوعدي ووزارة التجارة
في يناير/ كانون الثاني 2014م عين سوعدي في أول تعاط له مع السياسية في الحكومة الأولى للرئيس عبدالولي محمد علي غاس، وأصبح وزيراً لوزارة التجارة في بونت لاند، حيث اصطدم سوعدي مع غرفة التجارة في بونتلاند عند إصداره توجيهات إلى الغرفة تكرّس تدخله المباشر في سير عمل الغرفة التجارية، كان من بينها ضرورة إشعار الغرفة للوزارة مسبّقا بكلّ اجتماعاتها أو لقاءاتها وعدم انعقاد أيّ اجتماع أو لقاء دون علم الوزارة وموافقتها. الأمر الذي رفضته الغرفة التجارية ولم يتمّ تجاوزه إلاّ بتدخّل برلمان الولاية الذي أصدر أخيرا قراراً ضد وزارة التجارة أوضح فيه عدم أحقية الوزارة بالتدخل في شؤون الغرفة التجارية، مؤكّداً على استقلاليتها من إدارة الولاية.
وبعد هذه المعمعة؛ تجرأ الرئيس عبدالولي محمد علي غاس على تعيينه من جديد على رأس وزارة الاعلام، حيث كان من المتوقع التريث في شأنه، وتعيينه في مناصب خارج المجلس الوزاري، نظراً لإخفاقه في إدارة وزارة التجارة وتصادمه مع الغرفة التجارية على خلفيّة إصداره توجيهات تعسفية غير قانونية، مما أدى إلى نقله من الوزارة بانتظار تعيينه في منصب آخر.
خلفية الأزمة الراهنة
بدأت الأزمة عندما اعتقل صحفيّ من قناة الصومال Somali Channel بأمر من الوزير سوعدي عقب لقاء ساخن سجله معه في شهر نوفمبر – تشرين الثاني من العام الماضي 2015، وقع فيه الوزير في كثير من الخلط الاضطراب وتصريحات خرجت عن اللياقة الدبلوماسية. فيما بدا انتقاما من الصحفي لفضيحة مقابلة تمت بموافقة الوزير، ومحاولة متخبطة منه لاستعادة القدر المفقود من المكانة والهيبة نتيجة هذه المقابلة. وقد أفرج عن الصحفيّ بعد أيام من سجنه تحت ضغط أوساط مجتمعية محلّية، وبتدخل من الأمم المتحدة بواسطة نكلاس كي وكيلها السابق في الصومال- للإفراج عن الصحفي بعد أن قضي أسبوعين في السجن.
لكنّ هذ الواقعة لم تكن إلا فاتحة سلسلة مضايقات من نوعها، حيث اصطدم الوزير بعدها بالأمين العام للقناة وإذاعة بونتلاند الأستاذ عبدالفتاح أشكر وتدخّل بشكل سافر في الشؤون الإدارية للقناة، وأمر بالاستيلاء على السيارات التابعة لها بعد عملية دهم لمنزل الأمين العام في شهر يناير من العام الجاري 2016.
وقبل أسبوعين أمر الوزير بإغلاق إذاعة دلجر في بونتلاند بعد أن أجرت مقابلة مع عبدالصمد محمد غَلن الذي تصنفه بونت لاند على أنه رجل مارق عن القانون، وذلك كان سابقاً على إصدار الوزير تصريحاته الاستفزازية الأخيرة التى تضمنت التهديد الصريح بقتل الصحفيين الذين لا يسجلون أسماءهم لدى الوزارة، إذعانالقرار الوزارة بهذا الصدد، والذي رفضته منظمة الصحفيين في بونتلاند ” MAP “، ورفعت على أثره دعوى قضائية ضد الوزير إلى أجهزة قضاء بونت لاند.
وهذه أبرز الوقائع التى وقعت بين وزارة الإعلام والإعلاميين بعد تعين الوزير الحاليّ في السنة الماضية، وأقواها صدى، وهي غيض من فيض الأحداث الكثيرة التي في السجال بين وزارة الإعلام والصحافة.
تأمّل واستشراف
تكمن المشكلة الرئيسية كما يرى متابعو الشأن البونتلاندي في اختيارات الرئيس غاس غير الموفقة لأعضاء ، فقد أجرى الرئيس تعديلا في حكومته الأولي بعد سنة من مزاولة عملها، وحالياً ليس من المستبعد إجراء تعديلات جديدة في التشكيلة الوزارية للولاية في مشهد يدل على اختلاط الأوراق لدى الرئيس، وأن غياب الكاريزما القيادية لدى الأعضاء الرئيسية في حكومة بونتلاند ساهمت بصورة أو بأخرى في غياب المحاسبة القانونية والمتابعة اللصيقة لأعضاء الدولة.
وبعد هذا السّرد لجانب من تاريخ إخفاقات الوزير سوعدي وتجاوزاته ؛ فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تتدخل حكومة بونت لاند حتّى الآن لوضع حدّ لهذه الخلافات التى بلغت أوجها في هذه الأيّام؟ ربما يكون الجواب بأنّ الرئيس غاس نفسه متواطئ لا يرى الشكوى المتكررة من الصحفيين ذات صدقيّة، ولا ينظر بجدّيّة إلى التصريحات التى يصدرها سوعدي بل يعتبرها كلمات عابرة في لحظة غضب. على خلاف الجهات الأخرى التي تصفها بالمخلّة بالقانون وبغير المسؤولة. وقد يكون الرجل يعتبر أنّ لحظة التدخل لم تحن بعد. أو يكل أمر التدخّل إلى جهات أخرى كالبرلمان.. أياً يكن، فقد بينت طريقة إدارة سوعدي لوزارة الإعلام وقبلها وزارة التجارة وما نتج عن هذه الطريقة من مصادمات، بيّن ذلك بما لا يدع حاجة للتأكّد والتثبّت أنّ الرجل صداميّ غير مناسب لإدارة المؤسسات، وعليه حان الوقت للإطاحة به وإنهاء مآسي إدارته.