لدى متابعتي لأخبار زيارة وزير الدّفاع الصومالي عبد القادر شيخ علي دينى والوفد المرافق له إلى دولة الكويت الشقيقة، والتقائه مع رئيس مجلس الوزراء الكويتي بالإنابة وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد بحضور وزير الدفاع الكويتي الشيخ خالد الجراح، وماجرى في ذلك اللقاء من مباحثات حول سبل مساندة دولة الكويت للحكومة الصّومالية في المجالات الأمنية. في هذه الأثناء استوقفنى تساؤل بريء قفز إلى ذهني هو أين شقيقتنا الكويت؟ وأنا واقع تحت تأثير غمرة مشاعر الحب والاحترام التي أكنّها لذلك البلد الشقيق، وإيماني العميق بأهمّية دوره نظراً إلى عراقة العلاقات البينية.
هل الكويت غائبة عن الصومال تماما كما يتصوره البعض أم أنها موجودة في الواقع والمشهد الصومالي بشكل أو بآخر؟ الجواب الذي لامحيد عنه هو أن الكويت موجودة عبر مجهودات هئياتها الخيرية وجمعياتها الإنسانية العاملة في البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي عندما اندلعت الحرب الأهلية في البلاد ولاتزال تعمل بكل جد وإخلاص. ويمكن مشاهدة بصمات الجمعيات الكويتية العاملة في مجال الإغاثة على وجوه الآلاف الصوماليين الذين درسوا في المؤسسات التعليمية التي تمولها تلك الجمعيات، ويواصل مئات المتخرجين فيها – أو أكملوا – تخصصاتهم في مختلف فروع المعرفة، وهم يساهمون اليوم في عملية تطوير البلاد وإعادة إعمارها من جديد, وعلى مشاريع كفالة الأيتام وإيوائهم ورعايتهم التي تنفذها الجمعيات الكويتية وخاصة لجنة مسلمي إفريقيا(جمعية العون المباشر)، وفروع جمعية إحياء التراث الإسلامي، وبيت الزكاة الكويتي. فقد كان – ولا يزال – لهذه الجمعيات جهود راسخة القدم في مساعدة الفقرءا والمعوزين، واليتامى والأرامل، وتوفير المياه والسقيا في المدن والأرياف والقرى النائية في مختلف المناطق الصومالية. وهذا مما لايختلف عليه اثنان، ولايخفى على أحد، ولا ينكره إلاّ مغرض معاند. ولو لم يكن لدولة الكويت الشقيقة غير تلك الجهود لكفاها شرفا وفخرا، وأداء لواجب الأخوّة العربية والإسلامية والإنسانية تجاه الصومال.
وعلى صعيد السياسة أخرى ظلّت القيادة السياسية في الكويت طوال تاريخها الحديث تمدّ أواصر الصلة وتدعم جمهورية الصومال في المحافل الدولية والإقليمية، بما من شأنه تشجيع البلاد على مواصلة مجهوداتها الرامية إلى استعادة استقرارها ونظامها وبسط سيطرة حكومتها ها على كامل تراب الوطن، وهذه التوجّه الجسور من دولة الكويت الشقيقة كان في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق مصلحة البلاد والمواطنين.
إلّا أننا لا نزال نتطلّع إلى المزيد من دعم دولة الكويت للصومال، خاصة على الصعيد السياسي والدبلوماسي بما يواكب مستجدّاته على المشهد الصومالي في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، فالدور الكويتي مطلوب في هذا التوقيت بالذات، ووقوف الكويت إلى جانب الصومال في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية مهمّ للغاية، فينبغى أن يكون دعمهم هذه المرّة مباشرا، ولا يكفى إرسال المساعدات عن طريق المؤسسات الخيرية أوالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين الفاعلين على الأرض.
هناك دول أجنبية روابطها الجغرافيّة والسياسية والاقتصادية وحتى الأمنية مع الصومال ضعيفة مقارنة مع الرابط الكويتي، ولكنها رفعت دعمها الدبلوماسي للصومال إلى مستوى فتح سفاراتها وقنصلياتها في العاصمة الصومالية مقديشو، غير آبهة بالخروقات الأمنية التي تحدث بين الحين والحين، منها روسيا والصين وبريطانيا والنرويج. كما يوجد دول شقيقة عربية وإسلامية أعادت فتح سفاراتها من جديد، وتشرف على الدعم الذي تقدمه للشعب الصومالي بنفسها نذكر منها على سبيل المثال لاالحصر دولة الإمارات العربية المتحدة، والسودان، واليمن، وقطر، وتركيا، وغيرها من الدول التي لايتسع المقام لذكرها.
وحضور الكويت وإن كان في غاية القوّة لكنّ كونه غير مباشر في هذه المرحلة التي تشهد فيها الساحة الصومالية تنافساً دوليًّا يجعل منه أشبه بالغياب، وهذا كان مبرّر تساؤلنا منذ بداية الحديث عن مكان شقيقتنا الكويت في هذه الجهود الدوليّة لمساعدة الصومال على القيام مرّة أخرى واستعادة مكانها ومكانتها بين دول العالم.
هنا تكون الدول العربية الشقيقة التي لم تفتح سفاراتها في الصومال بعد مطالبة بأن تحذو حذو الدول المذكورة، وترسل بعثاتها الدبلوماسية إلى العاصمة مقديشو، فالوضع الأمني آخذ في التحسن يوما بعديوم، ولم يعد كما كان عليه العام الماضي، كما أن تنفيذ مشاريع تنموية والمساهمة الفعلية في عمليات إعادة إعمار الصومال وإقامة استثمارات ضخمة على الأرض تتطلب النزول إلى الميدان.
فإذا كانت الدول الأفريقية والأوروبية الصديقة موجودة على الأرض منذ بداية الأزمة وحتى اليوم،فمن الأحرى أن تكون الدول العربية الشقيقة ومنها الكويت في طليعة تلك الدول الموجودة في الصومال، وهي أحق بها وأهلها.