لنتأمل اكثر في ساحتنا الصومالية المنكوبة تجد آلاف المشاكل الموجودة في داخل مجتمعنا التي لايمكن حصرها أو عدها بالأصابع، وإزاء ذلك يجب علينا التعرض لبعض المشاكل الطاغية في المشهد الصومالي الحالي والني لايمكن تجاهلها البتة لما لها من تبعات خطيرة ونتائج كارثية وعواقب وخيمة في المستقبل المنظور ولسيطرتها على أزمة الأمور وفرضها نفسها كصاحبة كلمة الفصل الأخيرة لاأحد ينافسها أويواجهها بكلمة أويبدي امتعاضه من ممارساتها أوانزعاجه الشديد، حتي وإن وصل بها المطاف أن تقول للجميع وبصوت عال ومسموع: “أنا وبس سيدة الموقف “
إنّ هذه المشكلة طغت عاى المشهد واستفردت في تقدير الكثيرين. قال لي أحد المتابعين لها: لايوجد بيت صومالي لم تدخله البطالة، وكل شرائح المجتمع والفئات العمرية تشتكي وطأتها الضاغطة. لم يسلم منها قطاع واحد من القطاعات المجتمعية إلاوتركت عليه آثارها السيئة، ولذا تجد شبابا في عمر العطاء وسن التضحية والبذل حائزين شهادات علمية رفيعة ومؤهلات أكاديمية، ممتازة وقد قذفت بهم البطالة في الأماكن العامة وكبريات الشوارع والنوادي الرياضية ومقاهي الوجبات السريعة والحدائق العامة والفنادق الفخمة يسلون أنفسهم ممايشعرون به من ألم داخلي شديد ويخففون من حدة الأمراض النفسية المستفحلة في البلاد التي سببها الرئيس وطأة البطالة السائدة في البلاد.
أعزائي القراء، وما أدراكم ما البطالة؟ يعجز الكاتب عن تصوير واقعها الأليم مهما كان متمكنا في فن الكتابة ومتمرسا في التصوير، إلا إذا كان إنسانا عايش تجربتها وعرف طبيعتها وفعلها في نفس الشخص، والإحباط الشديد الذي تسببه والآثارالمزمنة والجانبية التي تترك وراءها.
سيدي الفاضل إن لم يحالفك الحظ – أو بالأحرى إن لم يحالفك النحس لمعايشة هذه البيئة ولالمصاحبة أهلها فلتراجع نفسك وتأمّل في هذه الكارثة التي طالت الجميع من كل الفئات العمرية وشرائح المجتمع المختلفة، يستوي فيها الصغير في السن الذي لم يبلغ سن الرشد، والمراهقون والكهول والكبار في العمر ، وكذلك يستوي فيها قطاع المرأة وقطاع المتعلمين الأكاديميين والشبان في كل أرجاء القطر. إذ الكل يعاني من هذه الظاهرة ويشتكي بطريقته الخاصة حتي الفئات التي لاتقدر على العمل وتعتمد على إعالة الأقرباء باتت تدرك حسّ البطالة في الأجواء بأنها حيّرت فكر المواطن وحرمته العيش الكريم.
إلي متي تستمر هذه البطالة الفادحة؟ وإلي متي يعاني أبناؤنا من هذه الظاهرة؟ وهل ثمة مخرج مأمول في القريب العاجل؟ ماهي الخطوات التي تم أو يمكن اتخاذها للتغلب على هذه الظاهرة؟ وهل ثمة جهة مكلفة يقع عليها واجب تحفيف أعباء البطالة عن المواطن.
إذاً كل هذه التساؤلات وغيرها ترد في ذهن المواطن المرة تلو الأخري فهل من مجيب؟
العوامل الموضوعية للبطالة
- نذرة العمل
عند ماإنهارت الدولة المركزية فى الصومال كان من نتائج ذلك فقدان الوظائف الحكومية وفرص العمل الموجودة سابقا وانعدام الأمن الذي كان ينعم به المواطن الصومالي وانغلاق ألأفق وتغير ملامح المرحلة التي تلت مرحلة سقوط وانهيار الحكومة المركزية، مما أدّى إلي تصدر المشهد ظواهر غريبة فى المجتمع وخطيرة في الوقت ذاته . ومن ضمن هذه الظواهر الدخيلة والطارئة: الفساد الإداري ،المحسوبية ،المحاباة ،اللامبالاة ألإجتماعية، عدم تقدير إمكانات الأشخاص وكفاءاتهم، والوساطة المستفحلة وكل هذه الأمور تسببت في تنامي ظاهرة البطالة،إضافة إلى أنّه نتج عن غياب الحكومة غياب فرص التوظيف وتحولت كل المؤسسات إلي مؤسسات خاصة، وذات سمة أهلية، ومعايير التوظيف لم تعد واضحة، باستثناء جانب منها يتطلب ما يصطلح عليه (فيتامين واو) قاصدين (الواسطة القوية)، حيث لا فرصة عمل لمن لم يكن يتمتع بظهر منيع وسند قويّ يتكئ إليه ‘ وعليه أن يوفر على نفسه عناء المراجعات وتقديم الطلبات، وأن يخلي الساحة لغيره. تغلغلت في كل شيء سوسة الوساطة القذرة والنتنة، وصار معيار الفضيلة والوجاهة في داخل المجتمع علي أساس هذه السوسة البغيضة التي تنخر، لاتبقي ولاتذر.
- تضاعف أعداد المتقدمين للوظيفة الواحدة:
وهذا مما أدي إلي تكدّس طوابير البحث عن الوظيفية وأوراق طلب الوظيفة محشوة في أدراج مكاتب المؤسسات ودواليب كبريات الشركات المحلية ومخازن البنوك العاملة في البلاد، ومصادر التوظيف المعلنة على وسائل الإعلام.
- المحاباة والمحسوبية
غير ذلك ليكن في بال العاطل أنه لايمكن أن يشغل أية وظائف شاغرة، وحتي تلك التي يعلن عنها، لأنها محجوزة مسبقا لغيره ممن بتمتعون ببعض الخصائص هم أصحاب هذه الوظيفة الذين تم ترتيبها من أجلهم أما الباقون فمستخدمون لملء أدوار في تمثيلية شكليّة لتحسين صورة الشركة أو المؤسسة وإظهارها على أنها تجاوزت الأطر الضيقة للتوظيف، وباتت تختار موظفيها من عامة الكفاءات في المجتمع.
أصارحك سيدي العاطل لاتتقدم لأي وظيفة ولاترشح نفسك لدورالحكم والقاضي ولا المتفرج لأن الوظيفة محسومة لصالح أحدهم علي أساس معيار الفضيلة الذي يدعي المحاباة
- الفساد الإداري
استشرت هذه الظاهرة في أوساط المؤسسات المحلية والمنظمات الخيرية، وحتي في بعض الهيئات الأممية العاملة في الصومال. ومنذ سقوط الحكومة المركزية تغلغلت هذه الظاهرة في كل مؤسسات المجتمع، ولايوجد من يمتعض أويبدي إنزعاجه من المدي الذي وصل إليه انتشار هذه الظاهرة والأثر السالب الذي ستلحقه بالبلد.
والكل راض بهذه الظاهرة أوعلي ألأقل يغض الطرف ولايريد أن يتحدث عن هذه الأزمة الخانقة لينوب عن البسطاء والفئات الضعيفة في المجتمع الذين لاصوت مسموع لهم ويعانون من هذه الظاهرة ويذوقون ألأمرين بسببها كي لايخسر مكانته أومصلحته الخاصة به أو حتّى لا يكون في نظر جماعته الصوت الوحيد الشاذ أو الإنسان المثرثر الذي يتدخل فيما لايعنيه، وقد قيل قديما (من تدخل فيمالايعنيه لقي ما لايرضيه)
وحتي المؤسسات الحكومة لم تسلم من هذه الظاهرة البشعة والفادحة في أن معا؛ إذ يعتبر الصومال من أكثر الدول التي ينتشر فيها الفساد ولايخلو اسمها من هذه القائمة، بل تصدّرت الصومال قائمة الدول الأكثر فساداً ، واحتلت المراكز الأولي في السنوات ألأخيرة حسب تقارير منظمةالشفافيةالدولية والتقارير الأممية التي أشارت إلي أن الفئات المتنفذة في الدولة والمتحكمة في زمام الأمور هم من يمارسون الفساد الإداري علي أشدّه، ولايأبهون للقانون ولاالعقوبات المالية التي يفترض أن تتخذ في حقهم خلال فترة تقلّدهم لمناصبهم في الحكم، أوبعد الإطاحة بهم وما أكثر هذه النماذج في الدول النامية
والجدير بالذكرأن فريق مراقبة الصومال وإريتريا التابع للأمم المتحدة أصدر تقريرا في العام الحالي تحدّث فيه عن مدي إنتشار الفساد في الدوائر الرسمية الصومالية عموما، مؤكدا أن بعض الوزارات ومعظم الدوائر الحكومية استشري فيها الفساد بطريقة لاتوصف، بحيث بات التعامل بالفساد الإداري أمراً علنيّاً من بين أدبيات التعامل الاعتيادية في هذه الدوائر.
وبما أن هذه الظاهرة مستحكمة إلى هذه الدرجة فمن الصعوبة بمكان استئصالها الذي لا يكون إلاّ باتخاذ إجراءات وقائية وخطوات عمليّة جادّة أوفرض عقوبات صارمة وقاسية في حق من يتورطون فيه ويصرّون على ممارسة الفساد على سمع وبصر المجتمع في استهتار كبير بالقيم الإنسانية والإسلامية.