عندما يُعرّف الإنسان الصومالي بلده سواء كان سياسيا أو مثقفا أو زعيم قبيلة أو متدينا وإسلاميا، رجلا كان أو امرأة ،في محفل عام أو خاص، وحتي في ميدان المفاخرة أو المخاصمة للأمم الأخري ، لا يتردد في أن يعرف بلده قائلا : الصومال البلد الوحيد في العالم الذي يشترك أهله في الدين والمذهب العقدي والفقهي واللغة والعرق،ويسكن في حدود جغرافية محددة.
فهم مسلمون قاطبة، يعتقدون بمعتقد أهل السنة والجماعة، وهم من أتباع الإمام المطلبي الشافعي في الفقه ، ويتفاهمون بلغة واحدة هي اللغة الصومالية ، وأما أصلهم العرقي سواء انتموا إلى الجنس العربي أو الأفريقي، فلا يستطيع أحد التفريق بين سحنات وجوههم وألوان بشرتهم، كأنهم من أب وأم واحدة .
فالصوماليون يسكنون في القرن الإفريقي ولا يختلط فيهم أي أجناس أخرى من القوميات الأخرى ، ولأجل ذلك حافظوا على تقاليدهم وعاداتهم الخاصة بهم .
وهذه المزايا التي تميز الشعب الصومالي عن الأمم الأخرى قلَّما تتوفر في أيّ شعب آخر من شعوب العالم ، وهي صفات ومزايا امتلاك الواحدة منها تكفي ليعانق الشعب الجوزاء بعد أن يسوده الوفاق والالتئام، والعمل معاً للنهوض بالبلاد والمواطنين. فكيف بأمة تملك كل مقومات الحياة والنهضة والتقدّم، ولكن آثرت التخلف والتشرذم.
والغريب في الشأن الصومالي والمحير في ذات الوقت بأن العالَم لم يفهم بَعْد الأسباب التي تقف وراء المعضلة الصومالية، هل هي سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية ، دينية، أم هي أمور خارجة عن وضعهم الداخلي، أو مجتمعة بكل ما ذكر، ومع ذلك يتعامل معهم ككتلة عرقية واحدة ، بغض النظر عن تنوعهم أو اختلافهم فيما بينهم ، حسب مصالحه الخاصة التي تعتمد على رؤيته وتفسيره للمأساة الصومالية .
ويمكن القول بأن المشكلة الصومالية مع تداخلها وعدم تمايزها فيما بين الاستحواذ على مقدرات البلد أو السيطرة على مقاليد الحكم وصيرورتها حسب أهواء المتنفذين ، أو التهام أملاك الغير بقوة السلاح مرة وبناصية القانون مرات أخري، فإن أسَّ وأساس المشكلة يعود إلى عدم القبول بالآخر ، ونعني الآخر هنا ( الصومالي المسلم السّني الشافعي، ولكنه لا يتبع نفس سلسلة النسب من حيث الانتماء القبلي..
وهذه المأساة التي لا يفطن لها كثير من الناس هي التي أوصلت البلاد إلى الهاوية ، وقسمت الوطن إلى مفارز قبلية تتغذى باحتقار الآخر ، حسيا أو معنويا .
فزعماء القبائل لا يعترفون إلا بمصالح قبيلتهم ، بحقّ أو بباطل. ولا يَرَوْن أي غضاضة في الظلم الذي تماسه قبيلتهم ، لأن الآخر لا وجود له في تفكيرهم ، بل هو غنيمة لهم .
فالسياسي الصومالي لا يطيق رؤية من لا يشاطره في العرق . والمثقف الذي يحمل شهادة عليا في فنون العلم والمعرفة لا يستطيع التعامل إلا مع أبناء عمومته ، وإن تولى مسؤولية في المرافق العامة فلا يسمح بالتوظيف فيه إلا لأقاربه.
ومسؤول الدولة لا يستخدم في مكتبه ولا يسند الأعمال الحيوية إلا لمن اشترك معه في أحد أجداده .
والإسلامي أو الحركي الذي لا يكل ترديد النصوص الدالة على عدم تفاضل الناس، يكفهر وجهه أمام من لا يشاطره في قراءة كتب الأنساب .
أما نائب البرلمان فلا يطيق سماع صوت حنجرة أخرى غير حنجرة ابن عمه .
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يصل إلى أن تأسست منتديات ومواقع إنترنت ومحطات تلفزة وإذاعات لا تقبل غالبا إلا من ينتمي إليها عرقيّا .
وتمثل اللغة الصومالية الشعار البارز للصوماليين ، وتتكون من عدة لهجات ، لا يوجد بينها كبير اختلاف ، وأصبحت اليوم مثار احتقار وازدراء لمن لا يجيد لهجة منطقة أو قبيلة، مما جعل كثيراً من الناس يتبرمون بتمجيد لغة لا تعترف بحقوقهم في المواطنة .
وأما المدن الكبيرة والصغيرة والأرياف والقرى فأصبحت اليوم ملكا لفخذ أو فصيلة خاصة دون القبيلة ، فضلا عن الآخر، فظهرت أصوات ناشزة لا يضبطها عقل ولا دين تنادي بطرد الغرباء عن مواطن قبيلتهم، حتي أصبحت المدينة الواحدة تنقسم إلى جيوب متعادية ، لأن منطق الاستعلاء لا يقبل بالآخر .
وأخيرا لا حلَّ لهذه المشكلة التي تتفاقم مع كل يوم ، وتزداد ضراوتها ، إلا الجلوس مع الآخر ، والاعتراف به ، وإعطاؤه حقوقه كاملة غير منقوصة ، وإعلاء مبدأ الشرع ، واعمال العقل ، لأن الناس ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وإلا فمزيد من الفشل والهلاك والدمار .
عبد الباسط شيخ إبراهيم
٢٣جمادي الآخر١٤٣٧هـ ، أول إبريل ٢٠١٦م