تهريب الصوماليين إلى أوروبا عن طريق البحر المتوسط حكاية يشيب لها الولدان بعضهم ينجح كلمح البصر أو هو أقرب والبعض الآخر يفشلون في اجتياز البحر المتوسط أو الخروج من معابر العصابات المسلحة.
فمنذ سقوط نظام القذافي تعتبر ليبيا ممرا رئيسيا للمهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا فأصبحت ليبيا نقطة عبور رئيسية لشبكات تهريب البشر التي ترسل كل يوم مئات الأشخاص نحو الخطر وبهذا فقد تحولت الفوضى الليبية إلى مصدر تجارة مربحة على حساب معاناة المهاجرين اليائسين الذين لا يترددون في ركوب المخاطر أملا في حياة أفضل ويتدفقون بالتحديد من دول إفريقية وأخرى عربية تنهشها الحروب الداخلية والبطالة المعقدة …
كما تتفاقم يوما بعد يوم ظاهرة الهجرة من دول إفريقية وعربية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط حيث باتت البحر الفاصل بين القارتين إلى مقبرة لآلاف المهاجرين بأيدي تجار البشر وسماسرة تجميع المهاجرين وسوقهم إلى حتفهم وذلك بعد تعرضهم للاعتداءات الجسدية المختلفة … “جامع ورسمى” لاجئ صومالي نجح في النهاية في الوصول إلى سويسرا ويروي قصته …
إنها لعبة حظ …. أو لعبة حياة أو موت على الأرجح إما أن تنجح في الهروب أو أن “تهب” تعطي روحك رخيصة للحيتان ، والذي ينجح بمهمته في الوصول إلى أوروبا في محاولته الأولى لا يجد الكلمات المناسبة للتعبير عن التجربة التي خاضها حين رأى الموت بعينيه لكن الشاب جامع ورسمى نجح في الفرار من الصومال مرورا إلى الصحراء الكبرى بين السودان وليبيا ثم عبر البحر المتوسط ويعيش اليوم في سويسرا وهذه الرحلة عادة ما تكون مصاحبة بالمخاطر ومحفوفة بالمصاعب ويتعرضون خلالها للاختطاف والاحتجاز والاغتصاب والتعذيب …
في متصف عام 2015 هرب جامع من الصومال إلى ليبيا واستغرق الأمر أربعة شهور حتى نجح في الوصول إلى سواحل ليبيا ومنها إلى إيطاليا حيث انطلق من إحدى المدن الساحلية الليبية ونجح في محاولته الثانية وهذا لا شيء مقارنة باللاجئين الآخرين الذين يحاولون الفرار من ليبيا عدة مرات يقول جامع: “في المرة الأولى انتظرنا شهرا كاملا لعبور البحر المتوسط وكان المهربون يبررون التأخير في كل يوم بسبب جديد كان الطعام والماء الذي أعطوه لنا يكفي بالكاد للنفاذ ……
هنا البداية ذات ليلة ظلماء كالحة السواد وفي منتصفها طلب المهربون من اللاجئين الصعود إلى القارب وبدأ اللاجئون يعاونون بعضهم البعض وحمل جامع طفلا في الثالثة من عمره على كتفه للانتقال من قارب صغير إلى قارب أكبر كان عدد اللاجئين حوالي 200 شخصا وجميعهم من الصومال ما عدى بضعة أشخاص …. أما على القارب الكبير فوصل العدد إلى حوالي 1000 شخصا جاءت بهم قوارب المهربين الصغيرة من عدة موانئ ، ولا يقتصر الأمر على أنشطة التهريب حيث يتم الاعتداء بدنيا على المهاجرين في مراكز التجميع فضلا عن إلقائهم في القوارب المكتظة دون أي وسائل أمان ما يعني دفعهم إلى الموت المحتم وسط أمواج البحر الهائج …
ويحكي جامع: “قال لنا المهربون إن القارب جيد وعدد اللاجئين قليل وإن كل شيء مؤمن لا تخافوا فكل شيء منظم ومخطط له بطريقة جيدة” فعلا أنهم يؤكدون أن الرحلة آمنة تماما وأن القارب المستعمل جديد وهم يفعلون ذلك لتطمين المهاجر وتبرير المبلغ الكبير الذي يطلبونه وهذا حال غالبية المهربين مهرة في صناعة الكذب إذ أنهم بارعون في تبديد مخاوف المهاجرين رغم كل الحوادث والمآسي اليومية التي تتناقلها وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم إذ يطلبون أيضا من المهاجر الانتظار حتى يهدأ البحر وتكون الأجواء آمنة وهو ما يعطي انطباعا خاطئا بأنهم يهتمون بحياة الإنسان …
رغم أن أغلب هذه القوارب لا يزيد طولها عن 18 مترا وهي مصممة للصيد على مسافات قريبة ومتوسطة وغير مؤهلة لعبور البحر الأبيض المتوسط كما أن عدد المهاجرين الذين يتم تحميلهم يتجاوز الحمولة القصوى بثلاث مرات في أحيان كثيرة
ويتابع جامع حديثه : “لكن حين وصلنا القارب الكبير اكتشفنا أن كل تطميناتهم وتبريراتهم كانت محض أكاذيب”
ويقول جامع: “إن بعض اللاجئين أرادوا العودة إلى الشاطئ لأنهم خافوا لكنهم منعوا من العودة وأجبروا على الصعود إلى القارب الكبير وإلا سيكون مصيرهم الموت” وعن ذلك تقوم شبكات التهريب بزج الناس في القوارب والسفن حتى ولو غيروا رأيهم وعدلوا عن الهجرة يجبرون الناس على الصعود إلى القوارب ولا يوجد طرق لإعادتهم إلى اليابسة …
ويتعرض الكثيرون للهلاك بسبب الغرق أو العطش أو الجوع أو المعارك التي تنشب على متن القارب بين المهاجرين ولكن فإن الخطر الأكبر يتمثل في المهربين إذ انهم لا يترددون في استعمال العنف للسيطرة على الوضع وإجبار المهاجرين على التقيد بالتعليمات وهو ما يسبب في أغلب الأحيان إلى مجزرة فعلية
وكثير من المهربين يغنمون من تجارة التهريب في ليبيا مثلا يطلب من المهرب بين 1000 إلى 1500 دولار على الرحلة الواحدة من الساحل الإفريقي إلى الساحل الأوروبي وهي أرخص طريق للوصول إلى أوروبا ، فيدفع اللاجئون مبالغ مالية ويعتمد المبلغ الذي يدفعه اللاجئ على حسب بلده الأصلي: مثلا الصومالي يدفع أكثر من الليبي ويطلب المهاجرون المبلغ قبل الشروع في الرحلة يدا بيد وطبعا بدون ضمانات بالوصول إلى أوروبا وعن ذلك يقول جامع: “هذه فرصتك إما أن تنجح أو لا … الأمر كله يعتمد على الحظ”
يعتبر المهاجرون محظوظين إذا عبروا السواحل الإيطالية على قاربهم ونقلتهم إلى اليابسة
أما الآن الحظ لم يحالف جامع في المحاولة الأولى فقد تم إيقاف القارب وإعادته إلى ليبيا وظل جامع محجوزا لمدة اسابيع من قبل عصابات مسلحة عاملوا معه معاملة غير انسانية، لكن في الأخير أطلق سراحه
وبعد إطلاق سراحه مباشرة اتصل بمهرب جديد ودفع 800 دولار أخرى وجلس ينتظر مع مئات المهاجرين الآخرين إلى رحلة عبور البحر المتوسط ومن حسن حظه في المرة الأخيرة أن قد اجتاز نحو السواحل الإيطالية وعبروا على القارب هذه المرة إلى اليابسة …
ولدى سؤالي إن كان سينصح أحد أقربائه لمثل هذا الطريق للوصول إلى أوروبا قال جامع: “لقد تكابدت مسلكا وعرا كي أصل إلى هنا لكن بالتأكيد سوف أساعدهم بالوصول إلى سويسرا لكن بشكل شرعي وبدون تهريب” ……
وأخيرا سوف أنتظر توجيهاتكم وأوامركم
دمتم