عندما اشتدت الحرب في جنوب الصومال لاذ كثير من المجتمع الصومالي إلى المناطق الشماليّة الشرقية في الصومال، وأصبحت مدينة بوصاصو واحدة من الوجهات المفضّلة لدى الكثير من النازحين من الحروب ، وتغيَّرت ملامح المدينة من مدينة صغيرة إلى مدينة تعجُّ بأنشطة تجارية، ومقر لكبار شركات الصُومال في وقت قصير، وصنفها صندوق النقد الدولي عام 2008 ضمن ثلاث مدن صومالية هي الأكثر نمواً من حيث حركة التجارة والاقتصاد([1]) وهي تمثل حاليا عاصمة الاقتصاد في بونت لاند.
وفي ظل تلك التطورات التي شهدتها استقطبت المدينة أعدادا هائلة من المجتمع الصُومالي وبعضًا من دول الجوار كالإثيوبيين، وبفضل قُربها من اليمن نشطت مدينة بوصاصو بموجات من الهجرة غير الشرعية، وذلك فى نهاية التسعينيات وحتّى الآن ، وبوصاصو كانت معروفة في تهريب البشر إلى الساحل اليمني، قبل أن يكتشف الصُوماليون وغيرهم من الأثيوبيين طريق ليبيا – إيطاليا الذي هلك فيه كثير من الشعب الصُوماليّ، ولم تتوقف تلك الموجات في مدينة بوصاصو بل ازدادت رغم الحروب الدامية التي تجرى في اليمن حاليا.
الهروب الى الموت:
ومن الغرائب المذهلة أن الإثيوبيين تجدهم يقطعون مسافة 500 كلم بين مدينتي جرووي و بوصاصو مشيا على الأقدام، ويتحمَّلون حرارة الشمس العاليّة في هذا الطريق الطويل الوَعر كلما اقتربت إلى مدينة بوصاصو الساحلية، وبعدما يصل المهاجر إلى بوصاصو يبحث عن عمل يعيش به ولكي يجمع المبالغ الماليّة التي يأخذها منه المهربون والسماسرة وتجار البشر في بوصاصو، وبصورة غير متوقعة أصبحت مدينة بوصاصو مجمعا لقوميّة الأرومو الإثيوبية التي يهرب أبنائها نتيجة للسياسات القمعيّة التى تمارسها الحكومة الإثيوبية لهم.
وبحسب تقرير صادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في اليمن، فقد ارتفع عدد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن خلال النصف الأول من عام 2012 وصل 51.441 لاجئاً افريقياً بينهم 10.187 لاجئاً صومالياً، مشيرة إلى أن غالبية القادمين هم مهاجرون إثيوبيون يقدر عددهم بـ 41.210 مهاجر إثيوبي، وقالت إن هذا الرقم لتدفق اللاجئين الأفارقة خلال الفترة الماضية من 2012 يعد رقماً كبيراً مقارنة مع نفس الفترة من عام 2011 الذي وصل فيه 103.154 لاجئاً إفريقياً بينهم 27.350 صومالياً([2])
ورغم معانتهم وتطلعاتهم إلى تحقيق حلمهم الكبير لا يجدون حياة كريمة في داخل اليمن ودول الخليج، وتتبخر أحلامهم بعد وصولهم، فالحياة هناك صعبة للغاية، وهم عرضة للترحيل إلى ديارهم بعد مرورهم لظروف صعبة في الطريق إلى اليمن.
تحذيرات بونت لاند .. لوقف الهجرة غير الشرعية:
أعلن رئيس شرطة بونت لاند الجنرال عبدالرزاق محمد يوسف ” أفْكُدُود- Af-guduud ” أن عددا كبيرا من الأجانب دخلوا إلى مناطق بونت لاند لأغراض مختلفة؛ وبعضهم جاءوا من أجل الهجرة غير الشرعية، و بعضهم الآخر وصلوا إلى هنا لأغراض أخرى، وأضاف الجنرال أفكدود الذي تحدث إلى وسائل الإعلام بعد جولة تفقدية في مدينة بوصاصو حيث قال: إن الأجانب يغيِّرون مظهر المدينة ويجعلونها وسخة وغير منظَّفة، بالإضافة إلى زعزعتهم الأمن في بونت لاند، وطلب من مجتمع بوصاصو إبعاد الإثيوبيين وعدم استئجار من البيوت خاصة الأجانب الذين لا يعرفونهم جيدا.
تأتي هذه الإجراءات بعد أن ذكرت بونت لاند أن حركة الشباب تستخدم الإثيوبيين في تنفيذ مهامهم في جبال “غالغالا” الملجأ لأنصار الحركة في بونت لاند ، ولكن يذكر أحد سكان مدينة بوصاصو أنه من الصعوبة بمكان تقليل تدفُّق الإثيوبيين في بوصاصو فهم يزدادون بصورة ملحوظة، وأن حدود مناطق بونت لاند مع إثيوبيا لا يوجد من يحرسها من تدفّق الأجانب، ومهما فعلت بونت لاند فإنه لا يمكن أن يُوقِفوا الإثيوبيين.
إن الهجرة الجماعية – هذه – لا شكَّ أنها تغيّر في التركيبة الديمغرافية للمدينة بمرور الزمن، وستظهر ملامح جديدة لمدينة بوصاصو، وربما ستتأثر مدن أخرى من المنطقة، فمحاولات إدارة بونت لاند لمنع الهجرة غير الشرعية إلى اليمن إذا نفذتها بصورة جادة فبإمكانها أن تساهم في تقليل تدفق الأجانب إلى المدينة، وتقلل من معاناة الإثيوبيين في داخل بونت لاند ورحلتهم الشاقة في الطرق المعبدة.
الدوافع التى أجبرت بونت لاند لهذا القرار ليس فقط في مخاوفها من موجات الهجرة غير الشرعية، بل تخاف من أن تستغلّ حركة الشباب من وجود الإثيوبيين وخاصة الأوروميين في بوصاصو في تنفيذ هجمات كبيرة في بونت لاند.
هوامش:
[1] http://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2012/3/26/ بوصاصو-مدينة-صومالية-مزدهرة
[2] http://somalilandtoday.org/2012/08/11/6184 نقلا عن صحيفة 30 دقيقيه التونسية