التحميل الملف على صيغة pdf لطلاب العائدون إلى الوطن وشبح البطالة
في الآونة الأخيرة ازداد بصورة ملحوظة عدد الطلاب الذين يتجهون نحو الخارج بغرض الدراسة، و قد سجّل السودان و اليمن و مصر كأكثر البُلدان استقبالا للطلاب الصوماليين، حيث يدرس فى السودان وحدها خمسة آلاف طالبا حتى الآن؛ و ما زال العدد مرشحًا للازدياد. وكذلك يوجد أعداد هائلة في بلدان أخرى مثل باكستان والهند وماليزيا وأوغندا وكينيا.
و اخيرًا؛ انضمت بلدان جديدة لقائمة الدول المُفضلة بالنسبة للطلاب الصوماليين في الخارج منها تركيا والفلبيين وبنجلاديش وإندونيسيا إلا أنه مع هذا ازدياد هذا العدد فى الخارج، فقد ارتفع عدد الطلاب الذين يدرسون في داخل الوطن بسبب وفرة الجامعات الأهلية و قلّة الرسوم الدراسية، ومن هنا نوضح لكم جدولا عن طلاب الصوماليين فى الخارج حسب الدول.
ع | اسم الدولة | عددالطلاب | الملاحظة |
1 | السودان | 5000 | مؤكدة من قبل السفارة |
2 | أوغندا | 2000- 3000 | تقديري |
3 | مصر | 2500 | مؤكدة من قبل السفارة |
5 | باكستان | 300-400 | |
6 | ماليزيا | 2000- 2500 | تقديري |
7 | الهند | 2000 | تقديري |
8 | بلدان أخرى | 1500 | تقديري |
يوضح الجدول اعلاه عدد الطلاب المبتعثين للخارج
نسعى من خلال هذا الجدول إلى تقريب القارئ بصورة ذهنية للطلاب الموجودين في الخارج، ومع هذا فإننا لم نذكر الأعداد الخريجين من تلك الدول وهي كثيرة، وتعيش فى الداخل الوطن لكثرة عددهم. وثمة خريجون آخرين تخرجوا من الجامعات المحليّة وهم يضاهون هذا العدد إن لم يكونوا هم أكثر منهم، فكيف سيكون مصير هؤلاء الطلاب الذين درسوا في الداخل أو الخارج، وهل هناك استراتيجية لتوظيف هؤلاء أم سيكون مصيرهم إلى البطالة كما نراهم حاليا فى شوارع المدن الكبرى ومن سوء الحظ قد انخرط عدد منهم في الركوب في قوارب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا للبحث عن حياة أفضل وعملا يستطيعون أن يعيلوا أسرهم، ولأجل تحقيق هذا الحلم قرروا في مغامرة حياتهم.
من خلال هذه المعاناة اليوميّة التى يعيشها الطلاب الخريجون؛ سنحاول أن نتابع في هذا المقالة موضوع البطالة عن كثب، ونحلّل مشكلة الخريجين وتداعياتها التى ساهمت فى ظهور هذه الظاهرة.
وقبل أن ندخل فى غمار تلك التحليلات علينا أن نعرف أنّ البطالة المُقنعة DisguisedUnemployment ” التى سنتطرق اليها في المقال: هي أوسع انتشارا فى ربوع البلاد وذلك أن عددا من الباحثين عن العمل يفوق “أضعافا ” على احتياجات السوق مما تؤدي الى تكدسهم و تقلِلُ حظوظهم فى حصول على حياة كريمة.
وفي الأيام الماضية جلس لامتحان الحصول على العمل 170 باحثا عن العمل بحدود ست وظيفة متاحة لشركة جولس للاتصالات في بونت لاند، فلو حصل العدد المحدد على الفرص المتاحة من الشركة – وهي ستة فقط – فأين سيكون مصير 164 الآخرين؟، وما حال غيرهم ممن لم يحضروا جلسة الامتحان؟.
هناك مشكلة حقيقية تواجه الخريجين في الوطن و لا أحد يتطرق إليها، وكيف سيكون مصير العدد الهائل الذين يتعلمون في داخل الوطن و خارجه، لا أحد يعرف !!، وإذا كانت الدولة لا تستطيع صرف رواتب الموظفين وتستنجد بالخارج فليس لنا أن نتساءل تلك الأسئلة، لأن وجودها وعدمها سواء في هذه اللحظة.
الفساد والمحسوبية:
ليس من الغريب أن تزداد معدل البطالة المقنعة في دولة لا يخلو اسمها دومًا من أوائل الدول الأكثر فسادا في العالم، وذلك بحسب مؤشر CPI التابع لمنظمة الشفافية الدولية، فغياب الدولة ودخول الوطن إلى متاهات لا خروج منها والإحتراب الداخلي أديا الى وقوع تصدعات قوية في كيان الدولة الصومالية .
فمظاهر الفساد و المحسوبية في الوطن ليست محصورة في جانب دون آخر ، فنجد أنّ الدولة و تشعباتها المختلفة من مجلس الوزراء والبرلمان وحتى صغار الضباظ يمارسون الفساد بأبشع طرقه ، لا أحد يخاف من سلطة الدولة حتّى أصبحت أمرًا عاديًا بينهم، فأكثر ممن يتقلَّدون في الحقائب الوزارية تراهم يخرجون منها، وهم يمتلكون مبالغ ضخمة ، من أين لهم ذلك.!!
وقد أصدرت فريق مراقبة الصومال وإريتريا التابع للأمم المتحدة تقريرا في هذا العام يتحدث عن مدى انتشار الفساد في دوائر الحكومة الفيدرالية وبعض الوزارات الفيدرالية، وكان من ضمن ممن أشار إليهم التقرير مسئولين من بونت لاند وصومالاند، ويشير التقرير إلى أسماء المسؤولين المعنيين بعملية الفساد الأخيرة وجوازات سفرهم، ولم تتحرك الدولة لتوقيف هؤلاء المسؤولين الذين تورطوا بالفساد ولا حتّى علَّقت على هذه الفضائح الماليّة التى هزّت الدولة في شهر أغسطس الماضي.
إن تحسين صورة الصُومال في الخارج مرهون بمدى جديّة القيادة الحالية لتتخطى بهذا التأريخ الأسود الذي جعلنا في ذيل الأمم، و أن الأسباب التى ساهمت في تفاقم البطالة ليست سوى جزء من السياسات الخاطئة لمسئولي الدولة، فتغير تلك العادة السّالبة ” اختلاس أموال الشعب” يجب أن يبدأ من كافة أصعدة الدولة و جميع دوائرها الحكوميّة ومن ثم تنتقل تدريجيّا إلى حياتنا العادية.
البطالة الموسمية:
من أكثر مَن يعاني من هذه الظاهرة هم الطلاب حديثو التخرج وذلك لعدم معرفتهم بمتطلبات الحصول على العمل فى بيئةٍ تتغذى بالمحسوبية و الفساد الوظيفي، وحدثنا الأستاذ عيسى محمد علي خريج ماجستير الاقتصاد الإسلامي الذي يؤمن بأن غياب الطالب من الوطن بفترة تتراوح من 4 – 6 سنوات تسبّب له فجوة بينه وبين المجتمع و يواجه فيما بعد تحديا كبيرا للتأقلم في بيئة العمل من جديد.
ومما يزيد الطين بلة عدم امتلاكه الخبرة المطلوبة للعمل فأغلب من يطلب التوظيف يشترطون شروطا من ضمنها خبرة تصل إلى 3-5 سنوات ، فهذا هو العائق الذي يفصل بينه وبين المشاركة في التنافس للعمل.
ويضيف – أيضًا- أن من سلبيات بيئة العمل في الصومال ما يسمى بالواسِطة فغالبًا ما يخضع حصولك للوظيفة لمدى اصطحابك واسطا قويا و مؤثرا فى نفس الوقت و لا تنفعك مدى كفاءتك و قدرتك العلمية، فكم مِن صاحب معرفة عميقة في تخصُّصه لا يجد ذلك الواسط ، و كم مِن فاشل ومغمور يجد واسطا قويا ويتفوق على صاحب المعرفة .
وفى السنوات الأخيرة طفى على سطح “البطالة الموسميّة” مشكلة العمل المحدد (العقد)، وهي أن تتعاقد الشركات والهيئات الاقليمية والدولية مع الموظف عقدا لا يتجاوز مُدَّته “ثلاثة أشهر” فقط أو ” ستة شهور”، ومن ثم يقع ذلك الموظف في مستنقع البطالة مرة أخرى بعد انتهاء عقده، فهذا العقد كمثل رذاذ المطر لا ينبت عشبا و لا يجلب شيئا إلا قطرات من الغيث.
وتعتقد إسراء شِروع خريجة بكالوريوس دراسات اجتماعيّة أن أكبر مشكلة تواجه الخريجين هى فى الأيام الاولى من البحث عن العمل ، فنحن كصوماليين نفتقد الصبر و الانتظار باللحظة المناسبة ، نحب أن نجد العمل في أول محاولة لنا، وإن لم نجدها ترى أن الباحث يشعر بالدُّونية و أنه منكوت غير محظوظ، لا يمكنه بتاتا أن يجد الشغل، فيتصور أن الجميع تآمروا عليه، وأضافت إسراء أنها تنصح للخريجين بأن يكون تفكيرهم ميالا إلى الايجابية و أن يؤمنوا بأن تلك اللحظة التى ستحصل فيها العمل ستأتيك يوما ما .
مشكلات الخريجين ، وما الحل ؟
- إن أكبر مشكلة تواجه الخريجين الجدد هي عدم معرفتهم بدهاليز سوق العمل، فلنفترض، مثلا: أنك خريج كلية التجارة – قسم المحاسبة، و تسعى الي أن تحصل عملا في شركة هُرْمُود للاتصالات مثلا، فأول وهلة عندما تقابل مسؤولي الشركة وتعرض لهم “السيرة الذاتية CV”، لا يستجيبون لطلبك سريعا حتى وإن كان تقديرك فى الشهادة عاليا ، لأنك بالنسبة لهم إنسان مُبهم، فعملك يتعلق بأمور مالية بحتة فهم لا يرون أن يغامروا محاسبا ماليا جديدا في سوق العمل. إذن؛ كيف تستطيع ان تقنعهم؟ كونك متخصصا فى المحاسبة يجب عليك أن تتقن اولاً برامج المحاسبة الالكترونيّة المتوفرة فى السوق وأن تعرف بأي برنامج ماليّ تستخدم تلك الشركة التى تسعى ان تنضم اليها، و بعد ذلك تصطحب شخصا معروفا لدى الشركة التى تريد أن تنضم اليها لكى يزكي عليك و يؤكد لهم أنك شخص آمن، ويتحمَّل المخالفات تأتي من عندك ، و أخيرًا تجهز نفسك فى دخول المنافسة مع الآخرين فى امتحان العمل للشركة
- إن الخريجين من الجامعات العربية يواجهون عائق اللغة الإنجليزية، فأغلبهم لا يجيدون اللغة الإنجليزية ويمثل أمامهم شبحا يمنعهم من الحصول على العمل، و البيئة العمليّة فى الصومال سواء أكانت في الدوائر الحكومية أو التدريس الجامعي أو الهيئات المحلية والدولية كلُّهم يبحثون عن شخص يجيد الإنجليزية، فأصبحت اللغة الإنجليزية ضرورة يجب أن يتسلح بها كلّ من يسعى الى العمل، فخريجو الدول العربية عليهم أن يتعلموا هذه اللغة ومن ثم سترتفع حظوظهم للحصول الى العمل.
- من العادات السالبة التى أصبحت شرّا لا بدَّ منه، امتلاك الواسطة القوية التى تسهل حظوظك فى العمل، فتكون الواسطة إما واسطة حركيّة، أي تستعين بعضويتك فى إحدى الحركات الاسلاميّة الموجودة في الساحة لكى يدفعوك إلى العمل، أو تكون الواسطة واسطة عشائرية فتستقوي أحد وجهاء عشيرتك لكى تحصل على العمل، فظاهرة الوساطة ليست ظاهرة مقصورة على الصومال فقط، بل يوجد في أغلب الدول الناميّة.
- إن أغلب من يتخرجون يفكرون حينما تهبط طائرتهم الى أرض الوطن أن يبدؤوا فور وصولهم عملا براتب ألف دولار أو أكثر مثلا، فترى أنه يتغاضى أعمالا أخرى براتب أقلّ من ذلك وتناسب بمستواه حالي أو يتأفف ان ينخرط بأعمالٍ أخرى مردودها المالي اقل من ذلك بكثير، فتراه يمرّ بحالة نفسيّة خطيرة بعدما يتلاشى حُلمه ويفكر بأن يخرج من الوطن بمجرد فقدانه عملا يناسب بمستواه.
فزميلي الباحث عن العمل : لا يوجد عملٌ غير لائق بك، فكل ما تحتاجه في أول أيامك من العمل أن تحصُل خبرةً ميدانية في تخصصك، أى أسعى إلى بناء شخصيتك أولا، وعرّف الآخرين انك فعلا شخصية نشطة وجادة ومن ثم أراهن أنك ستحصل راتبا يليق بتخصصك و خبرتك.
بدأ العالم يتجه تدريجيا نحو “ريادة الأعمال Entrepreneurship”” التى أصبحت مجالا مفتوحا لكل من له رغبة في تحقيق حلمه، وهنالك مراهقون في عالم يؤسسون شركاتهم الخاصة في بيئة تنافسية خطيرة، فما بالك في وطنٍ لم يستفذ أبناؤه من موارده الطبيعية و فرصِهِ التجارية بعد. فهناك مواقع عالمية تقدم النصائح و الحلول المهمة قبل بدأ مهمة الريادة الأعمال وذلك لكلّ من له رغبة في تأسيس شركة ما مهما يكون نوعيّة تلك الشركة.
فريادة الأعمال من شأنها أن تقلل من البطالة بصورة مباشرة، وتفيد المجتمع الصومالي من خلال تقديم المنتجات وخدمات مبتكرة، الوظيفة وحدها لا تكفى شيءً فحتّى ان كان لديك وظيفة محترمة فأبدأ بتأسيس عملا خاصا لك، فأن الوظيفة عمرها قصير و لا تعرف متّى ستنتهى.
- ذكر استيفن كوفىفى كتابه العادة الثامنة من الفعاليّة الى العظمةمفهومان سائدان فى حياتنا وهما:
- عقلية الوفرة “Adundance Mentality”:هى أن تؤمن أن هناك فرصًا تكفي الجميع وخيرًا يكفي الجميع في هذه الدنيا ، فلست بحاجة أن تخسر أحداً أو تؤذي أحداً حتى تكسب أنت، فهناك خير يكفي الجميع.
- عقلية الندرة “ Scarcity Mentality”:هي أن تؤمن أن الخير والفرص محدودة (اللقمة واحدة إما أن تأكلها أنت أو يأتي احد غيرك يأكلها)؛ ولابد أن يكون هناك واحد خسران. فالحياة كلها صراع وتنافس.
فيحتاج الباحث عن العمل أن يكون تفكيره كصاحب العقلية الوفرة لكى يعيش حياة مليئة بالإنجاز والهدوء و الطمأنينة النفسية فكلما يكون عقليتك التفكيرية بحب الخير للآخرين لا شك أنك تنجو من الضغوطات اليوميّة للبحث عن العمل، فإن كان تفكيرك قريبا إلى صاحب عقلية الندرة أو الشح فستعيش حياة صعبة و مليئة بالخوف بالإنجاز الآخرين ، فعليك إذن ان تعيش بعقلية الوفرة لكى تنجح و تصل إلى مبتغاك.
إن البطالة هي مشكلة يعيشها أغلب دول العالم فى مستويات مختلفة، و لديهم استراتيجيات وسياسات لتخفيض حدِّها ، فكيف سيكون الحال الى بلد يمثل نسبة شبابه أكثر من 60% من تعداد السكان.
وقد بدأت تظهر فى الأفق مظاهر البطالة المقنعة، والدولة التى كان من المفترض ان توفر أو تخلق لهم فرص العملٍ لايزال مسؤوليها يتغاضون أجورهم من مجتمع الدولي، فمن ينقذ الخريجين من هذا الكابوس الخطير؟ !! أترك لكم الإجابة أيها القراء.