مقدمة:
كسمايو تلك المدينة الصومالية الساحلية، الواقعة على بعد 328 ميل (528 كم) جنوب غرب مقديشو بالقرب من مصبِّ نهر جوبا على المحيط الهندي، وتعد كسمايو ثالث أكبر المدن الصومالية بعد العاصمة مقديشو ومدينة هرجيسا، وقد قُدر عدد سكانها في العام 2011م حوالي 73,300 نسمة، والمدينة مقسمة على خمسة أحياء رئيسية: علنلي، فانولى، شقاله، وجولودي التي تكونت بعد انهيار الحكومة المركزية، خاصة في فترة حكم العقيد بري هيرالي الذي كان يترأس تحالف وادي جوبا الذي حكم المدينة قرابة سبع سنوات 1999-2006م.
وتمتاز كسمايو بما حباها الله من طبيعة خلابة، وخيرات جمة تأتيها رغدا من كل مكان، فعلى مقربة منها يلتقي نهر جوبا مع المحيط الهندي ( 15 كم قرب غوبوين goobweyn) فتتعانق الخيرات البحرية والبرية، وتحتضن مطار وميناء دوليين، وقد ذكرت دراسات أجريت في المنطقة أن خيرات المنطقة تكفي ما يقرب من 45 مليون إنسان.
لذلك استضافت المدينة الكثير من المشاريع قبل وبعد الاستقلال أهمها مصنع اللحوم، ومصنع السكر، فكانت المدينة مشهورة بكثرة عمالتها، وجُل سكانها كانوا يرتادون تلك المشاريع للعمل فيها، سعيا وراء لقمة العيش.
وبذلك تأخرت المدينة كثيرا عن مثيلاتها في الحقل التعليمي والتربوي، الذي كان من المفترض أن تنافس فيه، وتتبوأ المكانة اللائقة بها، وتسمو في سماء الوطن كسموِّ اسمها، وأن تكون في الصدارة التي تؤهلها لتكون بصدق ثالث أكبر مدينة صومالية، أو العاصمة الثالث للصومال.
تلك المدينة التي راوحت حقبة من الزمن في مؤخرة الركب في الجانب التعليمي، وحملت لواء الكرة في الوطن حينا من الدهر ، بدلا من القلم وما يسطره من المعرفة والعلم، والتي أراها تنفض عن نفسها غبار الزمن، وكآبة التقادم، وضمور الاسم في الأوساط التعليمية، وبدأت تفرض نفسها في سماء التعليم الصومالي جالسة مجلس الصدارة، فحملت لواء العلم والمعرفة 2015م.
ولقد مرت المدينة مراحل عدة في الجانب التعليمي، سوف نلقي الأضواء عليها، بدأً من مرحلة ما قبل الاستقلال، ومرورا بالحكومات المدينة والعسكرية والوقوف على الطفرة التعليمية التي نشأت في عهد الثورة ونصيبها من ذلك التقدم، وانتهاء بالظروف التعليمية إبان الحروب الأهلية التي أكلت الأخضر واليابس، والتي حولت الحليم حيرانا طائشا.
في هذه السلسة سوف نتعرف على ملامح تلك المراحل، وكيف تطور التعليم في كسمايو حتى تأهلت لتكون جامعتها (كسمايو) رائدة الجامعات في الصومال في التقييم الذي أجرت منظمة عالمية أسبانية في هذه السنة 2015م، وكيف وصلت المدينة إلى تلك المرحلة، وحققت تلك الانجازات التي عجزت عن تحقيقه في ظل الحكومات المستقرة، وما واقع التعليم في المدينة الآن؛ الامكانات والانجازات، المعوقات والعقبات، وسوف نختم باستشراف مستقبل التعليم في كسمايو.
تلك هي المحاور التي سوف نتطرق لها للحديث عن التعليم في كسمايو بين الماضي والحاضر، ونبدأ مستعينين بالله.
التعليم في كسمايو في عهد الاستعمار:
كان النظام التربوي والتعليمي في جنوب الصومال بما فيها كسمايو محتكرا ومقصورا على الارساليات الكاثوليكية الايطالية، وكان التعليم في المدراس الايطالية قائما على نشر اللغة والثقافة الايطالية، ولما وقع جنوب الصومال تحت الاحتلال البريطاني 1941م حاولت الادارة البريطانية تأسيس نظام تربوي موازي يسعى لكسر الاحتكار الايطالي للنظام التربوي، وكان نصيب كسمايو أن افتتح فيها مدرسة واحدة يعمل فيها 4 أساتذة، ويتعلم فيها 142 طالب، وذلك ما بين 1941 – 1950م.
ولم يكن في المدينة تعليم نظامي غير تلك المدرسة، حتى نالت الصومال استقلالها 1960م، غير أنها كانت ولا زالت – كغيرها من المدن الصومالية – تحتضن أهم المؤسسات التربوية غير النظامية، من كتاتيب (الدكسي) وحلقات المساجد، تلك الأنظمة التي لعبت دورا كبيرا في حفظ تراث وثقافة وهوية المجتمع الصومالي في زمن الاحتلال، بحكم تشبث المجتمع لها واحلاله لها محل القداسة، وتبجيل وتكريم القائمين عليها، من القراء والعلماء والشيوخ الأجلاء، وكان لهم دور مشرف في مقاومة تغلغل الأفكار والأيدلوجيات الاستعمارية إلى نفوس الناشئة.
لكن وبما أن تلك الجهود لم تكن منظمة ولم تكن موجهة، فقد انفلت عنها الكثير، وتسرب إلى المجتمع بعض النظريات والفلسفات، التي عانى من ويلاتها الشعب ولا زلنا ندفع ثمنها إلى اليوم.
التعليم في كسمايو في ظل الحكومات المدنية:
كما هو معلوم لدى المهتمين بالشأن التربوي، لم يكن للحكومات المدنية التي تعاقبت على حكم البلاد، اهتمام كبير في المجال التعليمي، ولم تعر رعاية كافية، لانشغالها بالصراعات السياسية القائمة أغلبها على القبلية، فلم تتمكن لها لتتفرغ لبناء أو تطوير الحقل التربوي.
وكل ما هناك أنه كان في المدينة مدرسة علنلي وثانوية جمال عبدالناصر التابعة للبعثة المصرية الأزهرية، ومدرسة إيطالية قرب الكنيسية كانت تدرس بالايطالية.
وكان طريقة التدريس للمواد في المرحلة الابتدائية باللغة العربية، والمرحلة الأعدادية والثانوية بالانجليزية عدا المدرسة الايطالية التي كانت تعتمد – كما قلنا – في تدريسها على اللغة الايطالية، ولم يكن الاختلاط سائدا في تلك الفترة، وإنما كان هناك تفريق بين البنين والبنات.
فجاءت رياح ثورة العسكر بقيادة الجنرال محمد زياد بري والأمور على النسق. فماذا فعل العسكر في الحقل التربوي التعليمي في كسمايو؟ ماذا حققوا وماذا أخفقوا فيه؟ وما هي ملامحها؟ إجابات تلك الأسئلة وغيرها سوف نراها في الحلقة التالية. فانتظرونا.