تذكر الحركات الدعوية أو التعليمية أو السياسية أو الجمعيات الخيرية في ديباجة دستورها ولوائحها التنظيمية بأن هذه المؤسسات ملك للأمة يتساوى في إدارتها وتوجيهها جميع الشعب، والقائمين عليها ينوبون عن الأمة في فترة معينة من الزمن ، وللأمة (ويمثلها مجلس الأمناء) الحق في تغييرهم أو إبقائهم حسب الظروف والمصلحة.
وهذه المؤسسات لها أعمار كالإنسان ، تبدأ صغيرا ، وتكبر وتحقق إنجازا أو تواجه فشلا أو انحسارا في مسيرة عملها.
فالأحزاب السياسية تنشر برنامجها ورؤيتها في الأوضاع العامة في كل فترة ، وخاصة في مؤتمرها السنوي أو عند قرب الدورة الانتخابية، كما تنشر ذمتها المالية أمام الرأي العام لكي تكسب أصوات مؤيديها .
وأما الجمعيات الخيرية فيوجب عليها القانون بجرد حسابها وعرض عملها بالتفصيل لكي تستمر في عملها و تضمن تدفق الدعم عليها من المحسنين .
وأما الحركات الدعوية لها شأن خاص يختلف عن دور المؤسسات الأهلية التي أشرنا إليها آنفا، لأنها تعمل غالبا تحت ظروف ووضع استثنائي لا يسمح لها البوح أو إظهار عملها التنظيمي بشكل رسمي .
وقد عانت الحركات الإسلامية الصومالية الأمرَّين في فترة الحكومة العسكرية، ولكنها استمرت في عطائها وإنجازاتها ولم يتوقف عملها حتى في أحلك الظروف ، وكانت تعتمد على السرية في جميع أنشطتها ونظامها الإداري، ولم تكن تستطيع كتابة ونشر تاريخها الدعوي وإنجازاتها الميدانية فضلا عن إخفاقاتها بسبب السياج الأمني الذي كان يحيطها من كل جانب.
ولكن بعد السقوط الحكومة المركزية قبل أكثر من عشرين عاما وأفول سطوة النظام الأمني وذهابه كليا، وتوفر الحاجة لمعرفة وتدوين تاريخ الحركات الإسلامية الصومالية، ما زالت هناك عقبات تحول دون ذلك، وما زالت الحركات تعتمد أسلوب السرية في عملها ولا تسمح لنفسها أو لغيرها تسطير وتدوين تاريخها ، ولم أفهم حتى الآن ما الحامل على ذلك .
وهناك سؤال يتكرر دائما يدور حول من يحق له كتابة تاريخ الحركات الإسلاميةالصومالية؟ .
فبعض أبناء الحركة الإسلامية يعتقدون بأن أعضاء الحركات هم فقط من يحق لهم كتابة مسيرة الحركات لأن أهل مكة أدرى بشعابها .
ومن الناس من يرى بأن الحركات ملك للأمة ويجوز لكل من توفرت في حقه شروط الكتابة وصدق النقل بأن يسهم فيها، وهذا الرأي الأخير هو الموافق للعقل السليم .
ولقد تتبعتُ ما كتب عن الحركات الإسلامية الصومالية من كتب أو مقالات أو تقارير أو منشورات مطبوعة أو عبر الإنترنت ، حسب كل حركة ، فظهر لي التالي:
(١) حركة الإصلاح الصومالية أو (الحركة الإسلامية الصومالية) :
هي أول حركة صومالية حظيت بكتابة تاريخها ولو بصورة جزئية لا يغطي جوانب كثيرة من مسيرتها، وَمِمَّا نشر في حقها :
ا – كتاب :”تاريخ الحركة الإسلامية الصومالية (ظروف النشأة وعوامل التطور)” : تأليف : حسن محمود عبد الله .
ب – رسالة الدكتوراه باللغة الانجليزية لعبد الرحمن باديو (IslamicMovement in Somalia).
ج – “إسلاميو الصومال .. تداعيات الواقع وسيناريوهات المستقبل”، لأحمد عمرو ، ذكر ضمن المبحث الثالث : حركة الإصلاح في القرن الإفريقي.
ح- مقال : “الإخوان المسلمون في الصومال” / محمد أحمد عبدالله ، وقد نشر البحث في كتاب الصومال والحركات الإسلامية.
د- مقال : “الإسلاميون في الصومال : النشأة والتطور” /محمد الأمين محمد الهادي ، نشر في الشاهد الدوري ، العدد الأول ، يناير ٢٠١٠م.
هـ – نشر الأخ أنور أحمد ميو مقالات أسماها :(الحركات الإسلامية الصومالية..النشأة والتطوُّر) في موقع الشاهد الإلكتروني ، وذكر حركة الإصلاح ضمن بحثه.
ي – هناك مقالات وحوارات صحفية ولقاءات إذاعية تشير بعضا من تاريخ حركة الإصلاح الصومالية .
وقد عرفت الساحة الصومالية مجموعات خرجت عن الحركة أو تدَّعي بأنها الأصل ، ولا يعرف ما الصحيح في هذا الأمر ، ومن أشهر هذه المجموعات : مجموعة الدم الجديد التي تدعي بأنها الممثل الحقيقي للحركة.
(٢)حركة الاتحاد الإسلامي الصومالي :
كبرى الحركات الإسلامية الصومالية في الثمانينيّات من القرن الماضي ، حيث اكتسحت الساحة الصومالية دعوة وتعليما ونشاطا وحيوية، وارتفع رصيدها الشعبي بين الصوماليين ، ولكن تعرضت الحركة نكسة حولت مجدها إلى أثرٍ بعد عين، وأصبحت إنجازاتها إلى مَسبَّة ومرمي لمن لا يرى إلا عيوبها .
ولم تجد الحركة حسب علمي من ينصفها ويذكر ما لها من حسنات وما عليها من أخطاء ، ولا زالت تاريخ الحركة مخزونة في صدور الذين شاركوا في تأسيسها أو تولى مناصب عليا في قيادتها، وقد حاول بعض الفضلاء تدوين تاريخ الحركة ولكن واجهتهم عقبات كثيرة لا يتسع المقام لذكرها .
وقد أشار بعض الكتاب والباحثين جوانب من الحركة ، ومنهم :
ا- الدكتور عمر إيمان في كتابه : “تجربة المحاكم الإسلامية في الصومال (التحدّيات والإنجازات)”.
ب- الأخ عبد الشكور مري آدم – رحمه الله- في كتابه باللغة الصومالية (kobocii islaamiyiinta soomaaliya)
ت – “مذكرات داعية”، سلسلة حوارات أجراها الأخ محمد عمر أحمد مع الشيخ عبد القادر نور فارح (غعمي) ، حيث تحدَّث الشيخ عن الحركة في ثنايا كلامه .
ج- مذكرات الدكتور أحمد حاج عبد الرحمن، سلسلة حوارات أجراها الأخ محمد عمر أحمد مع الدكتور أحمد حاج عبدالرحمن ، وقد تطرق الشيخ إلى تأسيس الحركة ودورها الدعوي .
ح – نشر في مواقع صومالية في الانترنت سلسلة سُمي بــ (silsilada taariikhda ururada diiniga ah ee soomaaliya) لكاتب مجهول الهوية ، وأورد فيها أخبارا وأسرارا كثيرة للحركة، ويبدو بأنه كان شاهدا لمجريات الحركة أو التقى ونقل هذه المعلومات من كان جزأ من قيادات الحركة .
خ- نشر الشيخ عبدالرحمن شيخ عمر سلسلة تتكون من عشرة حلقات في مواقع في الانترنت أسماها (uurdoox: mashruuca islaamka soomaaliya)، يروي فيها مشاهداته في مسيرة الدعوة الإسلامية في الصومال، كما أشار اسم الاتحاد من غير ذكر تفاصيل أكثر .
د – نشر الأخ أنور أحمد ميو مقالات أسماها (الحركات الإسلامية الصومالية..النشأة والتطوُّر) في موقع الشاهد الإلكتروني ، وذكر حركة الاتحاد الإسلامي ضمن بحثه.
ه- هناك مقالات ونشرات متفرقة تحدثت عن الحركة بصورة عابرة لا يشفي غليل من يريد معرفتها وفهمها بصورة أفضل .
وقد ظهرت في الساحة الصومالية عدة مؤلفات ومنشورات تتحدث عن حركة الاتحاد الإسلامي بصورة أحادية الجانب، وتسرد ما أسمته أخطاء ومخالفات من غير ذكر محاسنها ولو بإشارة عابرة.
(٣) وحدة الشباب الإسلامي :
منظمة دعوية تنتهج منهج الإخوان المسلمين في الطرح والتنظيم، وينتشر أعضاءها في الشمال الصومالي ، وتأسست الحركة في مدينة هرجيسا عام ١٩٦٩م ، فقد اندمجت مع الجماعة الإسلامية في الجنوب عام ١٩٨٣م ، وكونا حركة الاتحاد الإسلامي، ثم انسحبت من الاندماج إلا عدد قليل من أعضاءها.
وقد أشارت بعض التقارير بأن الحركة ثلاشت وانتهى وجودها بعد ثلاثين عاما من قيامها، بسبب الخلافات وتفرق ابناءها وانضمامهم إلى حركات أخرى أو انعزالهم عن النظام الحركي .
وقد ذكر تاريخ تأسيسها ونظامها الأساسي الأخ حسن محمود عبد الله في كتابه “تاريخ الحركة الإسلامية الصومالية (ظروف النشأة وعوامل التطور)” ، وذلك في الملحق الثاني .
كما أشار الأستاذ محمد الأمين محمد الهادي وتحدث عن نبذة موجزة عن حركة الوحدة وتحالفها مع الجماعة الإسلامية في الجنوب في مقاله الموسوم (الإسلاميون في الصومال : النشأة والتطور) الذي نشره الشاهد الدوري ، في شهر يناير ٢٠١٠م .
(٤) حركة الاعتصام بالكتاب والسنة :
بعد الخلاف الذي نشب بين أعضاء حركة الاتحاد الإسلامي عقب مشاركة الحركة الحرب الدائر بين القبائل الصومالية وفشل المحاولات الهادفة إلى لملمة وضعها ورصِّ صفوفها من جديد، تمخض هذا النزاع بروز مجموعات ثلاثة:
- مجموعة بقيت في الحركة ثم غيرت اسمها فيما بعد إلى “جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة ” .
- مجموعة خرجت عن الحركة وأطلقت نفسها (السلفيون) ، وتشتهر بين الناس باسم (السلفية الجديدة ) .
- مجموعات لا يجمعها رابط ولا زالت على الخط السلفي ، وتزاول عملها الدعوي والتعليمي بصورة فردية، و لم تشأ بأن تكون طرفا في الصراع الدائر بين الأخوة ، ولم تنضم إلى المجموعتين السابقتين ، مع إيمانها بأهمية التعاون وتوحيد الصف وجمع الكلمة ، وترى بأن الخلاف بين إخوة الأمس لا يعدو كونه تباينا في الرأي ولكن دخلت فيه أمور أخرى ، والغريب في الأمر بأن جماعة الاعتصام و”السلفيين” يتعاملون مع من لا يقبل رأيهم المجرد بمقولة : من لم يكن معي فهو ضدي .
وقد ورثت جماعة الاعتصام معظم المساجد والمركز التعليمة التي كانت تحت إدارة الإتحاد الإسلامي، ويبدو بأن نظامها الإداري مهلهل وضعيف ، وكل واحد من أعضائها يتصرف حسب هواه كما أفادني ذلك أحد أعضاءها .
ولا أعلم حسب اطلاعي من كَتب عن تاريخ الحركة مع مرور قرابة عشرين عاما منذ إعلانها في عام ١٩٩٦م .
وقد تحدث عنها بصورة موجزة كل من محمد الأمين ، وأنور أحمد ميو ، وعبد الشكور مري ، ومحمد عمر ، كما جعل صاحب كتاب حركة الاصلاح حسن محمود ، منهج جماعة الاعتصام الملحق الثالث في كتابه .
(٥) التجمع الإسلامي أو حركة آلِ الشيخ أو الإخوان المسلمون المحليون: أسس هذا التيار مجموعة من طلبة العلم ومحبي الإمام العلامة أبي الصحوة الإسلامية المعاصرة في الصومال الشيخ محمد بن معلم حسن – رحمه الله تعالى ، ولا يعرف عن هذا التنظيم شيئا كثيرا مع تصدر بعض منظريه في الساحة الصومالية.
وقد أشار الأستاذ محمد الأمين في أماكن معتددة من مقالاته عن التجمع ، كما نشر مقالا اسماه ” التجمع الإسلامي ” في موقع الشاهد .
وقد أورد مؤلف كتاب تاريخ الاصلاح في كتابه رسالة عنون لها (وثيقة التوحيد بين حركة الإسلامية والإخوان المسلمين ( آل الشيخ ) في الصومال .
وللحركة موقع في الانترنت مسجل باسمها وتنشر فيه أهدافها .
(٦) السلفيون أو منظمة الدعوة السلفية أو السلفية الجديدة :
هذه المجموعة كانت جزأ من مؤسسي أو من كبار دعاة حركة الاتحاد الإسلامي ذي الاتجاه السلفي ، ولكنها خرجت عن الحركة بعد الخلاف الذي أشرنا إليه آنفا، ويطلقون على أنفسهم” السلفيون ” ، ويرفضون الحركات ولا يقبلون في صفوفهم إلا من يجاهر في نقد الحركات ، ولم يكتب عنها شيئا حسب علمي ، إلا أشارات قليلة في بعض المواقع والنشرات .
(٧) التجمُّع الإسلامي للإنقاذ:
كما قيل فإن هذا التنظيم كان خليط من أعضاء وحدة الشاب الإسلامي (ذي الاتحاد الإخواني) ومجموعات انسحبت من حركة الاتحاد الإسلامي (ذات التوجه السلفي) ، وجميعهم ينتمون إلى منطقة الشمال، وأسسوا هذا التجمع لمواجهة التحديات القائمة في منطقة الشمال الصومالي وتوحيد رؤية التيار الإسلامي في كل المجالات.
وفي شهر يوليو عام ١٩٩٦م، اندمج التجمع الإسلامي في الشمال مع حركة الاتحاد الإسلامي وكونا حركة (جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة)، ولكن لم يعمر هذا الاندماج كثيرا بل انسحب التجمع من الاتفاق ، ولم أجد لهذا الانسحاب تفسيرا صحيحا ، لأن تاريخ الحركة بقيت في طَي الكتمان، وقد أشار إلى هذا الأمر الكاتب محمد الأمين في مقاله السابق (الإسلاميون في الصومال : النشأة والتطور)، والكاتب عبد الشكور مري في كتابه (kobocii islaamiyiinta).
قلت : موضوع كتابة تاريخ الحركة الإسلامية الصومالية جزء من تاريخ الأمة، ولا تعرف الأمة مكانتها بين الأمم إلا إذا تعرفت على تاريخ رجالها وسابق عهدها، لكي تتفادى الأخطاء السابقة ، وتبني مجدها باصطحاب ماضيها الجميل، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يبقى جزء من ممتلكات الأمة (لأن الحركات ملك للأمة) في دهاليز وجيوب الحركات ، وأن يفرض عليه السرية التامة لكي يبدو كأنهملكية خاصة لا يجوز الاقتراب منه .
وقد حاولت التتبع فيما كتب عن الحركات، وقرأت العشرات من المقالات والنشرات ، ولا أدعي بأني فعلت ما هو المطلوب ، واعتذر لكل من كتب عن الموضوع ولم أشر إليه في هذا المكان ، وأطلب أخواني من الكتاب والباحثين الاهتمام بهذا الموضوع المهم .
عبد الباسط الشيخ ٢٩/١٢/١٤٣٦هـ ، ١٢/١٠/٢٠١٥م