تجري الجلسة التشاورية لرؤية 2016م وتشير الأنباء بأن الخلاف والتوتر هما سيدا الموقف، وقد خيم المؤتمر تجاذبات حادة، أدى إلى انسحاب البعض من المجلس!!
وهذه الظاهرة.. ظاهرة الاختلاف والتدابر في ساعات الحلكة والظلام الدامس، سمة بارزة في كل الممثلين للمشهد الصومالي الذي تحول إلى مسلسل من المطاردات والملاكمات، والتناحر والاقتتال البغيض، فلا أحد يلقي بالًا؛ لآلاف الأسر المهجرة في الشتات، والملايين المشردين في دول الجوار وداخل الوطن، ومئات الأطفال اليتامى الذين لا عائل لهم، الذين ينتظرون يوم تسطع شمس السلام على ربوع بلادهم، فيجدوا من يعينهم ويقوم برعايتهم، ليعيشوا حياة كريمة هانئة.
ولا أحد يلتفت إلى آلاف الأمهات الأرامل الاتي يفترشن الجوى والجوع، ويتأبطن الفقر والحرمان، مع أولادهن الذين يتململون تحت حجرهن يستغيثون أماه… أطعمني، فالجوع يبطش بالحشا ويقطع أوصالي، فلا تجد جوابا إلا أن تدر عيونها بالدموع الحارة!! آه.
لا أحد ينظر إلى المخاطر والطامة الكبرى التي تحدق بالأمة من جراء الاختلاف والتناحر على رفات أمة ووطن، تقاسمته أيادي العدا، فرغ أمره، وقطع أوصاله إربا إربا. ويتم تفتيت أجزاءه الأخيرة. وربما القادم أشد قتامة وسوادا!! والله المستعان.
يختلفون ولكن لماذا؟
إنه من المستحيل أن نطلب أن يتفق البشر جميعا في كل شيء في الصغيرة والكبيرة، ولا يمكن أن يكون الناس كلهم في قلب رجل واحد (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)
ليس من العيب أن نختلف ولكن من العيب كل العيب أن نتقاتل، ونتباغض ونتحاسد ونتدابر.
الاختلاف في الآراء والأفكار وارد ولا بد منه، بل لا تستقيم الحياة بدونه، لكنه يبقى دائما اختلاف تكامل وتعاون، لا اختلاف تضاد وتقاطع، إلا أنه من المؤسف كأمة إسلامية عامة وكمجتمع صومالي خاصة أن تتسم حياتنا في مجملها بالاختلاف المذموم المفعم والمشحون بالضغائن والإحن، والأحقاد التي أهلكت الحرث والنسل، وأفسدت حياتنا، وكدرت صفوها، وحولتها إلى جحيم لا يطاق، بحيث نتصارع ونتطاحن لأتفه الأسباب، ومن أجل أمور لا تستحق أن نضيع فيها أوقاتنا، ناهيك عن أن نزهق في سبيلها أرواح أبنائنا، أو أن نريق لها قطرة من دمائنا.
كان من المفترض أن نوِّفر هذه الجهود، وهذه الدماء الزكية؛ لرفع هيبة الأمة عالميا، وإعادة الحقوق والأراضي السليبة، بدلا من الانتحار والاحتراق الداخلي، الذي يضعف الأمة، ويدمر مقدراتها، ويزيد من هوانها، ويفني مخزونها المادي والمعنوي.
هذا المسلسل الذي سئمنا من مشاهدته ومتابعته، هو الذي هوى بنا إلى ما نحن فيه من الظلام، ولكن ألا يجدر بنا أن نتساءل بصراحة وصدق ما السرُّ وراء اختلافنا؟
يمكننا أن نقول وبكل وضوح وصرامة، وبلا مجاملة ولا محاباة، بأن السبب الحقيقي هو : أن سياستنا تقرر من الخارج، وقوتنا تستورد من الخارج أيضا!!
فلك أن تتصور إذا كيف يمكن أن تتفق وتتعافى أمة تُبطخ سياستها في مطابخ أعدائها وتصدر إليها، وقوتها متكئة على دبابات الغير، وفوق ذلك تعيش عالة على تبرعات وصدقات جمعت لأغراض غير معروفة ونزيهة؟
إن الحلقة المفقودة هي فقدان الاستقلالية في التشاور فيما بيننا واتخاذ القرارات بناء على مصالحنا العليا.
(إن استقلال أي دولة يقتضي تحررها من أي شكل من أشكال الضغط والإكراه والتحكم الداخلي والخارجي، وهذا التحرر نفسه يستلزم امتلاك الدولة لعنصر القوة الكافية لفرض سلطتها وإنفاذ قراراتها ومواقفها)
فما لم تستعد الأمة استقلال سياستها من الأيدي الخارجية التي تعبث بها، وتشيع الفساد بين الإخوان، ومالم تستند إلى قوتها الذاتية الداخلية، ولم تقم على سواعد أبناءها المخلصين، واكتفت اقتصاديا عن غيرها…. فإنه لا رجاء من كل هذه المؤتمرات، والمسلسلات التمثيلية الفارغة، ولا يمكن أن تتفق على أرضية مشتركة تخدم مصالح الجميع.
ولا ينتظر أن يخرج منها مخرجات تعلي المصالح العامة؛ مصلحة العرض والوطن والدين!!
بقلم: شعيب عبدالرزاق محمد