بقلم : أنور أحمد ميو
اعلن ناشطون صوماليون ، الأسبوع الماضي عن تأسيس (الجمعية الصومالية التركية) في مناسبة عقدت بالعاصمة الصومالية مقديشو، والتي شارك فيها السفير التركي لدى الصومال أولغان بكر، ومنسق وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) في الصومال غالب يلماز، وعدد من الدبلوماسيين والطلاب المتخرِّجين من الجامعات التركية في إطار تفعيل العلاقات الثقافية بين البلدين.
وبحسب النشطاء تهدف الجمعية – التي تضمُّ عددًا من الطلاب الصوماليين الذين تخرَّجوا من الجامعات التركية الي بناء جسر تواصل ثقافي واجتماعي بين دولتي الصومال وتركيا، وان اعمالها ستتركز في مجالي التعليم والتنمية الشاملة في الصومال.
يأتي اعلان الجمعية الصداقة التركية الصومالية في وقت يتصاعد الدور التركي في شرق افريقيا عموما والصومال على وجه الخصوص وتزايد تغلغلها الاقتصادي والثقافي في تلك البلدان وبالتالي فان اعلان الجمعية – بحسب بعض المحللين ليس الا جزاء من مشروع تركي يستهدف الي توسيع دائرة تأثيرها في القطاعات المهمة في البلاد ولا سيما في القطاعات الاجتماعية .
الاهتمام التركي بالصومال:
بدأت الاهتمام التركي للصومال منذ زيارة الرئيس التركي الأُولى إلى الصومال عام 2011م من خلال إقامة مشاريع تنموية متعددة خاصة في مجال المساعدات الإنسانية وإعادة بناء البنية التحتية والقطاع الصّحي وإنشاء مدارس تعليمية ومهنية في العاصمة الصومالية مقديشو.
وتوجد في مقديشو حاليا مدارس ثانوية وأساسية ومعاهد مهنية وحرفية تشرف عليها منظمات ومؤسسات تركية من بينها مدرسة الأناضول التي تضم مئات الأيتام الصوماليين ومعهد بولوتكنيو للحرف المهنية ومدرسة الشيخ صوفي وغيرها، ويدرس فيها أساتذة وخبراء أتراك، وتوصف هذه المدارس والمعاهد بالجودة العالية ويتم دراستها باللغة الإنجليزية بالإضافة إلى اللغة التركية كمادة أساسية.
وتستضيف تركيا مئات من الطلاب الصوماليين الذين يدرسون في جامعاتها باللغة التركية في المدن الكبيرة، ويتساءل الكثيرون حول مستقبل الدور الثقافي التركي في الصومال وخاصة عند عودة تلك الفئات من الطلاب المتخرجين من الجامعات إلى الصومال بالإضافة إلى المتخرجين من المدارس التركية في داخل الصومال، وما هي الاستراتيجية التركية الثقافية تجاه الصومال.
آراء بعض النخبة الصومالية حول الدور الثقافي التركي:
في حين يعبِّر البعض عن قلقه حول التغلغل الثقافي التركي وخاصة تعلُّم فئات صومالية كثيرة اللغة التركية وتوفيرهم فرص العمل في المؤسسات التركية المتنوعة، إلا أن آخرون لا يرون ذلك أمرا سلبيا حيث لا تكون اللغة التركية أمرا مستفزًّا مقارنة – مثلا – باللغة الإيرانية التي تحمل مضامين ثقافية ومذهبية معادية لأهل السنة.
ويرى الباحث الصومالي مهدي حاشي أن توثيق العلاقة الثقافية بين تركيا والصومال تأتي في إطار الجهود التركي الشامل واهتمامه بالشأن الصومالي خاصة في مجال اعادة بناء المؤسسات السياسية والخدماتية في البلاد، ويضيف حاشي لمركز مقديشو: “لا أعتقد أن البعد الثقافي هو المعني بذاته، وإنما يأتي في إطار استراتيجية جديدة تنتهجها تركيا، لتعزيز موقعها في الصومال في ظل بروز بواد لاعبين جدد تزاحمها في الساحة ابرزهم ايران، ومن بينها الاهتمام بالشأن الثقافي من خلال تأسيس المدارس واستقبال آلاف الطلاب الذين سيكون في المستقبل سفراء لتركيا.
واستدرك حاشي قائلا: ومما يميز المقاربة التركية أنها محل ترحيب من قبل شريحة مهمة من الصوماليين على عكس دول أخرى يتوجس منها المواطن الصومالي بشكل عام “.
ويرى الخبير في الشأن الثقافي الصومالي موسى أحمد عيسى أن الدور الثقافي التركي في الصومال يتزايد يوما بعد يوم حيث افتتحت تركيا مدارس تعليمية وتشرف على مشاريع ثقافية عدَّة.
وأضاف عيسى: بما أن الثقافة تبدأ من اللغة فإن اللغة التركية ستؤثر في المجتمع الصومالي من خلال المبتعثين الصوماليين إلى تركيا وخاصة بعد عودتهم الى الوطن، وقد أصدر أحد الصوماليين (معجم اللغة الصومالية – التركية) وهو مطبع بطبعة فاخرة ملوَّنة قلَّ نظيرها.
وكذلك توجد الجماعة النورسية التركية في مقديشو – وهي جماعة ثقافية ذات طابع صوفي تشتغل في جميع أرجاء العالم العربي والإسلامي – وتوزع كتب الشيخ بديع الزمان النورسي المطبوعة باللغة العربية في طبعات فاخرة، وافتتحت الجماعة مركزاً في حي حمروين لتوزيع مثل هذه الكتب، ولهذه الجماعة علاقة وطيدة مع بعض التيارات الصوفية والإسلامية وتزور بعض الجامعات الصومالية.
خلاصة القول فان مظاهر التغلغل الثقافي التركي في الصومال سواء أكان حلوا أو مرا سيظهر بشكل جلي خلال السنوات القليلة المقبلة وخصوصا بعد تجرج آلاف من الطلبة الصوماليين الذين يدرسون حاليا الجامعات التركية وفي مختلف التخصصات وعودتهم الي البلاد، وان فرص هؤلاء الطلبة في السيطرة على دوائر صنع القرار في الصومال كبيرة وذلك ببسب ما لديهم من علوم وخبرات تحتاجها الدولة والمجتمع الصومالي المتطلع الي التقدم والازدهار.