بعيد اختتام المؤتمر التشاوي حول رؤية كيفية انتخابات عام 2016م مساء أمس الإثنين الذي بدأت أعماله منذ السبت الماضي في القصر الرئاسي بمشاركة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان وبعض وزراء الحكومة الفيدرالية ورؤساء الإدارات الإقليمية فى البلاد ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصومال نيكولاس كاي،ومبعوث الإيغاد لدى الصومال، حدث تفجير انتحاري كبير أمام البوابة الجنوبية للقصر الرئاسي بسيارة مفخخة من نوع (Toyota Hilux) التي تستخدمها بعض عناصر الأمن وحراس القيادات أدى إلى مقتل 11 شخص وجرح 20 آخرين غالبيتهم من الحراس والمدنيين ومن ضمنهم أجانب إضافة إلى خسائر مادية كبيرة بالمباني المجاورة.
حدث الانفجار الذي تبنَّته حركة الشباب – حسب تصريح الناطق العسكري عبد العزيز أبو مصعب – عقِب إعلان نتائج وتوصيات المؤتمر وفي وقت لم يغادر بعض الوفود المشاركة في المؤتمر من القصر الرئاسي، وأفادت الأنباء أن الانفجار كان يستهدف موكب مبعوث الأمم المتحدة لدى الصومال نيكولاس كاي، إلا أن الانفجار وقع قبل أن يغادر من القصر الرئاسي.
دلالات التوقيت:
كان المؤتمر التشاوري الذي إستغرق أيام السبت والأحد والإثنين شهد انقسامات عميقة وخلافات متكررة بين إدارتي بونت لاند وجوبالاند من جهة وبين الحكومة الفيدرالية من جهة أخرى، وعلى إثره ذلك انسحبت الإدارتان من المؤتمر ، لكن بعد جهد جهيد تم إقناعهما بالعودة إلى أعمال المؤتمر ، وبعد مخاض عسير تم التوافق على تكوين منتدى وطني للتشاور حول كيف الإشراف على انتقال السلطة بالبلاد عام 2016م يضم قادة الحكومة الفيدرالية والولايات والمجتمع الدولي وبمشاركة من المجتمع المدني.
جاء التفجير الانتحاري ليثبت أن البلاد ما زال غير مستقر من الناحية الأمنية والسياسية، وأن الاضطرابات السياسية التي تشهدها الصومال لا تزيد الطين إلا بلَّة، وأن الاستقرار الأمني – بناء على هذا الأساس – أمر بعيد المنال وذلك بعد ثلاث سنوات من انتقال الصومال من الحكم الانتقالي إلى الحكم الدائم، وتسلُّم الرئيس الحالي حسن شيخ محمود مقاليد الحكم في البلاد، وتعهُّده بإثبات الأمن وإحلال السلام والاستقرار والحكم الرشيد قبل أن يحين موعد الانتخابات القادمة.
جاء التفجير الانتحاري ليثبت أن بإمكان المهاجمين استهداف الأماكن الحساسة بالقرب من مكان انعقاد المؤتمر التشاوري في مقديشو ، بعد أن وجَّهت حركة الشباب ضربات متتالية استهدفت القواعد العسكرية الكبيرة لقوات حفظ السلام الإفريقية أميصوم في بلدة جنالي في الأسابيع القليلة الماضية، وبلدة ليغو قبل نحو شهرين.
آراء المحللين حول العملية:
ويرى الباحث الصومالي مهدي جامع حاشي: أن التفجير الانتحاري قرب إحدى بوابات القصر الرئاسي يأتي في إطار الحرب المستمرة التي تشنها حركة الشباب ضد الأهداف الحكومية, ولكن يمكن القول أن الانفجار يشكل اختراقا جديدا للمناطق المحصَّنة التي تشكل رمزا للحكومة الصومالية، ويدل على الفشل الأمني للسلطات الحاكمة التي أخفقت في حماية أهم مقراتها الاستراتيجية.
ويضيف: ” أما الدلالة الأخرى فهي رسالة من قِبل المهاجمين للزعماء المجتمعين، ومفادها أن البلاد التي تتفاوضون على تقاسم نفوذها لا تملكون من أمرها شيئا”.
بينما يرى المحلل سالم سعيد أن من نفَّذ العملية كانت عنده معلومات كافية حول التحركات الجارية في القصر وما حوله، وكادت العملية أن تصيب زعماء كبارا ومسؤولي الأمم المتحدة، لكن بقدرة القادر فالعملية لم تصب هدفها كما خطط لها رغم مقتل وإصابة عسكريين وأجانب.
وأضاف سالم: ” منفذو العملية قد حققوا اختراقات نوعية، ولا أستبعد وجود متعاونين معهم في داخل القصر الرئاسي، وعلى مستوى ومَركبات قوات الأمن، والجدير بالذكر أن هناك دلالة مكانية للهجوم، لأنه تم تنفيذ هجوم مشابه في فندق (SYL) (نفس المكان) قبيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردغان لمقديشو في أواخر يناير 2015م،وحينها تم إلقاء القبض على بعض ضباط الشرطة، وتبين فيما بعد أنه كان هناك شراء ذمم واختراقات من قبل الشباب، وتم تسهيل وصول منفذ العملية إلى المكان بينما كانت الطرق مغلقة أمام المارة .
وهناك إشكالية أخرى وهي احتمالية تنفيذ الهجوم من جهات غير حركة الشباب في مقديشو أو خارج مقديشو ممن يتذمرون أو عندهم خلافات وتصفية حسابات مع الحكومة الحالية، المهم أن التوقيت يدل على دقَّة إعداد الهجوم، ونوعية القتلى والجرحى تدل أيضا على ضخامة وخطورة الهجوم” .
الثغرات الأمنية …المعضلة الأساسية:
ويعتبر الهاجس الأمني في البلاد معضلة حقيقة بالنسبة للقيادة الصومالية حيث سبق وأن تم الهجوم المسلَّح على القصر الرئاسي ومقر البرلمان ومجمَّع المحاكم ومقر المخابرات وفنادق كبيرة وأماكن ذات استراتيجية وذلك عدة مرات في السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى تنامي الدور العسكري لحركة الشباب في محافظة شبيلى السفلى.
ومن أهم أسباب الثغرات الأمنية التي تشهدها البلاد:
- ضعف الخبرة الأمنية: فالقدرات الأمنيَّة والحسّ الأمني لدى معظم أفراد القوى الأمنية منخفضة، وكل فترة يتم تدريب عناصر أمنية وسرعان ما تتراجع فاعليتها، ويضمحل دورها، بسبب تعاطي القوات نبت القات والمخدرات وانهماكها في أخذ الرشاوي.
- ضعف التنسيق الأمني: علما بأنه ليس هناك تنسيق أمني دقيق وعملية استخبارات قوية، إضافة إلى ضعف الأجهزة اللاسلكية وهوة العلاقات – أحيانا – بين فئات الشعب وبين الأجهزة الأمنية، بحيث لا تتلقى استخبارات كافية حول الأنشطة الخطرة وفي كل الأصعدة، بل تنفذ عمليات اعتقالات وتغلق الطرق الحيوية.
- الاضطراب السياسي: والصراع على السلطة والانقسامات السياسية التي يشهدها المسرح السياسي الصومالي في ظل بروز أنظمة فيدرالية متناحرة تشعلها عوامل خارجية، وتستخدم سياسة “فرّق تسُدْ” كأحد عوامل تفكيك الدولة الصومالية.
- الفساد الإداري: ويشكِّل الفساد أحد أهم العقبات أمام نجاح الجهود الأمنية في البلاد، سواء فيما يتعلق بعدم دفع المرتبات للجنود وإهمالهم، أو بانتشار السوق السوداء لشراء الأسلحة وبيعها، وللخروقات الأمنية وبيع ذمم بعض الجنود.
- عدم وجود رؤية تصالحية واضحة: تجاه حركة الشباب وغيرها، وفتح قنوات اتصال معهم.
ويأتي التفجير الانتحاري في وقت تصبُّ الأطراف المتنازعة في الصومال كافة جهودها على الوضع السياسي وتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية في المستقبل، والنزاعات الحدودية وشرعية التمثيلات الولائية، في حين أنها غطت الطرف عن تدهور الوضع الأمني، وهو الأولى في الوضع الحالي، والبحث عن الحلول المناسبة، وفتح قنوات اتصالات مع المعارضة لاسيما المسلحين من حركة الشباب، وبعض المسلحين من جماعة أهل السنة في وسط الصومال للخروج الآمن من الأزمة الراهنة.