الصومال والإستعمار
الإحتلال البريطاني للصومال
لقد نفذ الميجور هنتر التعليمات الصادرة من حكومته فأبحرت سفينته التى كانت تحت حراسة مشددة نحو ساحل الصومال الشرقي وكان ذلك قبل انسحاب الإدارة المصرية من المنطقة، وعندما وصل تمكن هنتر من عقد اتفاقيات مع شيوخ القبائل باستخدام الهدايا والوعود الكاذبة، وكانت بنود المعاهدة قد أعدت مسبقا.
وكان نص المعاهدة على النحو التالى:
نحن الموقعون أدناه (أسماء شيوخ القبائل المعاهدة) راغبون فى الدخول فى معاهدة مع الحكومة البريطانية لصيانة استقلالنا وحفظ النظام وغيرها من الأسباب التى تملأ نفوسنا رضى وأطمئنانا وعليه تعاهدنا على الآتى:
مادة1: تعلن القبيلة (المذكورة هنا) أنها تتعهد بألا تتنازل أو تبيع أوترهن أو تسمح أي جزء من أراضيها التى تقطنها أو التى تحت إرادتها لأي دولة أخرى إلا للحكومة البريطانية فقط.
مادة2: كل السفن التى تحمل الأعلام البريطانية لها حرية التجارة مع كل الموانئ التابعة لأرض القبيلة المذكورة.
مادة3: كل الرعايا البريطانيين القاطنين والمترددين والزائرين بمنطقة القبيلة المذكورة يتمتعون بالسلام التام وضمان حرية تنقلاتهم داخل أرض القبيلة فى رعاية شيوخهم.
مادة4: منع تجارة الرقيق مطلقا فى كل أراضي القبيلة المذكورة، ولبريطانيا حق استخدام القوة البحرية أوالبرية من الضباط والموظفين وغيرهم من العاملين فى خدمة صاحبة الجلالة الملكة البريطانية فى مصادرة السفن التى تتعامل فى تجارة الرقيق.
مادة5: لبريطانيا حق تعيين المندوبين عنها للإقامة فى أراضي القبيلة المذكورة، ويكون لهم حق تعيين الحارس او الحراس حسبما ترى الحكومة البريطانية على أن يكون للمندوبين حق احترام الأهالى والشيوخ. يُعمل بالمعاهدة المدونة عاليه وتكون سارية المفعول من تاريخ إمضائها وهذه التوقيعات للتأكد من الصفة القانونية للمعاهدة.
توقيع المشايخ المذكورين
______________________________
اسم المقيم السياسي والمساعد والشهود: _____________________________
(نواب عن الحكومة البريطانية):_________________________________
التاريخ:_______________________________ [1]
من الملاحظ فى هذه المعاهدة: أن بريطانيا قد استفادت من سذاجة الشيوخ وجعلتهم يستسلمون لها كليا ويمكن القول بأن هؤلاء الشيوخ وقعوا بحسن نية على هذه المعاهدة، كما منحوا ثقة تامة لهذه الدولة التى يعقدون معها المعاهدة، حيث أصبحت حريتهم فى تصرف أراضيهم ومستقبلهم محدودة ومربوطة ببريطانيا ولا يمكن أن يتصرفوا إلا بإذن منها.
وهناك حرية تامة لبريطانيا ورعاياها وكل سفينة تحمل علم بريطانيا، إضافة إلى ذلك فإن المعاهدة تسمح ليريطانيا باستخدام القوة ضد تدخل أية قوة تشك فيها وحتى ضد المواطنين الصوماليين وذلك تحت ستار محاربة تجارة الرقيق ، وهو مبدأ كانت بريطانيا تردده كثيرا لتحقيق مصالحها الخاصة.
وعلى الرغم من أن هذه المناطق وخاصة ميناء زيلع كانت تابعة على المبدأ الدولي للدولة العثمانية إلا أن بريطانا قد أقدمت على هذه الخطوة التى تعتبر تدخلا سافرا فى شؤون وممتلكات دولة أخرى، دون استئذان لتركيا، ودون التفات إلى معاهدتها مع مصر، ويبدو أنها تعمدت نقضها ولم يتمكن الخديوي إسماعيل من تحدي بريطانيا، بل آثر الإنسحاب مما يعنى إبعاد مصر عن المحيط الهندي. [2]
وقد واصلت بريطانيا عملياتها فى المنطقة، حيث كانت تضغط على المصريين لإجلاء المناطق الصومالية بصفة نهائية، وأصدرت الأوامر لحامية بريطانية لتبحر من عدن لمساعدة الميجور هنتر، وبمجرد إخلاء مصر من هذه المناطق تحولت إلى الإدارة البريطانية. [3]
وهكذا كونت بريطانيا مستعمرة جديدة لها أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية وأنزلت قواتها فى المناطق التى أخلتها مصر اعتمادا على المعاهدات والإتفاقيات التى عقدتها مع شيوخ القبائل.
وقد أعلنت بريطانيا فرض حمايتها على هذا الجزء من الوطن الصومالي رسميافى: 20/07/1887م وأبلغت ذلك إلى دول مؤتمر برلين* ولم تعترض أية دولة منها على هذا التبليغ. [4]
وقد حكمت بريطانيا هذه المنطقة التى عرفت بالصومال البريطاني حكما عسكريا استعماريا مارست فيه كثرا من أنواع الإستبعاد والإستغلال إلى أن تم استقلال الصومال عام 1960.
المراجع
[1] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص:70-81.
[2] . آمال توفيق إبراهيم، مشكلات الحدود فى القرن الإفريقي، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، 1977، ص: 86.
[3] . شوقى عطاالله الجمل، المرجع السابق، ص: 129 – 130.
* عقد في بارلين في فبراير 1885م، وشاركت فيه الدول الأوربية ماعدا سويسرا، واتفقوا على اقتسام أفريقيا اقتساما دوليا استعماريا وقرروا بأن أية دولة ارتبطت بمعاهدات مع السكان الوطنيين لها الحق في احتكار التجارة مع هؤلاء السكان دون التدخل الدول الأروبية الأخرى.
[4] . أحمد برخت ماح، المرجع السابق، ص:203.