الصومال والإستعمار
- أهداف الاستعمار ومطامعة.
يتغير تفكير الإنسان على حسب زمانه ومكانه، لذلك فقد مر بالعالم أزمنة كانت القوة السيطرة على الآخرين واستعبادهم منطقا سليما، كما يعتبر ممارسو هذه النظرية أبطالا وطنيين وأقوياء حققوا أهدافا سامية، ونرى أن هذا التفكير قد قوى فى أوربا فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، مما أدى إلى سعي كل دولة أوربية قوية إلى توسيع رقعتها وسيطرة ما تستطيع سيطرته من أراضي الآخرين وخاصة الضعفاء، فتحركت هذه الدول إلى تحقيق هذا الهدف.
وترجع فكرة التوسع إلى بداية الكشوفات الجغرافية، فى القرن الخامس عشر الميلادي، حيث نرى توسع البرتغاليين والأسبان فى العالم وسيطرتهم على الشعوب الضعيفة، كالصوماليين فى شرق أفريقيا، وغيرهم حيث قاموا بتخريب بعض المدن التى سيطروا عليها. [1]
ثم انتقلت هذه الفكرة إلى الدول الأوربية الأخرى إلى أن حققوها فى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلاديين، فسيطروا على كل أرض تستطيع أيديهم الوصول إليها.
سعى الأوربيون لتحقيق عدة أهداف خلال الفترة التى سادت فيها فكرة التوسع، منها:
- الهدف الديني : لقد كان المكتشفون الأوربيون وكثير من المستعمرين يسعون إلى نشر المسيحية فى المناطق التى يكتشفونها ويسيطرون عليها فهده هي البرتغال التى كانت تسعى عندما جاءت إلى القرن الإفريقي إلى الوصول إلى المملكة المسيحية التى يحيط بها الأعداء (المسلمون) وهي مملكة الحبشة، وكانوا يتحدثون عنها ويصنعون عنها قصصا أسطورية وفعلا وصلوا إليها وساندوها ضد المسلمين بقيادة الإمام أحمد جرى. [2]
أمااستعمار القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فقد كان أيضا من أهدافه التبشير والتنصير وتبديل دين الشعوب المستعمرة وتحويلهم من معتقداتهم إلى المسيحية، أو على الأقل إبعادهم عن معتقداتهم ومحاربة عاداتهم وتقاليدهم، ولذلك كان الإستعمار يفرض عاداته وتقاليده على الشعوب المستعمرة.
- استغلال خيرات الشعوب أو المستعمرات والإستفادة منها، وكان هذا الهدف هو الأوضح من بين الأهداف، حيث أصبحت دول أوربا الإستعمارية من أغنى دول العالم، فهذه بريطانيا من أغنى دول أوربا كانت تعتمد على المستعمرات التى تدر عليها خيرات كثيرة حتى أطلق على الهند مثلا، وهي من أهم المستعمرات البريطانية “تاج بريطانيا” وكذلك احتلت عدن صاحبة الموقع الإستراتيجي فى التجارة العالمية، ثم سيطرت على ساحل الصومال الشمالي تأمينا لهذه التجارة وهذه المصالح، كذلك كانت إيطاليا التى دخلت فى مجال الإستعمار مؤخرا قد سيطرت على السواحل الجنوبية، وبدأت تستغل خيراته. [3]
ولذلك فإن الثورة الصناعية التى قامت فى أوربا والتطور الاقتصادي بعدها كانت نتيجة خيرات تلك المناطق المستعمرة التى تدر على هذه الدول المواد الخام، وتفتح لها المجال لتسويق منتجاتها الإستهلاكية.
- إثبات الذات والظهور كدولة قوية أمام القوى الأخرى وخاصة أمام الدول الإستعمارية، وذلك لشدة التنافس بينها، فتسعى كل دولة إلى توسيع رقعة الأراضي التي تستعمرها تحقيقا لهذا الهدف، وحتى لاتبدو ضعيفة أمام الدول الأخرى. وقد أصبحت الدول الكبرى هي الدول الأكثر نشاطا في مجال الاستعمار كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وخير دليل على ذلك : هو التنافس على سيطرة المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية الهامة، مثل السواحل والمضايق كمضيق باب المندب، والمناطق التي لها أهمية اقتصادية مثل جنوب الصومال الذي يوجد فيه أراضي زراعية واسعة، وقد استفادت إيطاليا كثيرا من هذه المزارع، وأصبحت إبطاليا تملك أكبر الشركات التي تصدر الموز من الصومال إلى العالم.[4]
ولقد حقق الأوربيون هذه الأهداف وطبقوها في الصومال ماعدا الهدف الديني، فقد استغلوا ثروات البلاد أكبر استغلال كما سيطروا على المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية، أما الهدف الديني فلم يتحقق له في البلاد، وسبب ذلك يرجع إلى طبيعة الشعب الصومالي آنذاك والذي لم يتعود الاحتكاك بالأجانب وخاصة غير المسلمين، مما جعل من الصعب أن تمس عقيدتهم فضلا عن تحويلهم إلى عقيدة أخرى.
ومع هذا فأن الشعب الصومالي يتقبل الوافدين بنية صادقة، ولكن إذا تحول هذا الوافد إلى عدو وشموا رائحة الحقد والحسد واستهداف دينهم، فإنهم يقاومونه أشد المقامة، ولذا كان كفاحهم ناجحا بدليل ان الاستعمار في كل مكان من شبه جزيرة الصومال لم يؤثر كثيرا في عقيدة الشعب.
لقد كانت بريطانيا من أكثر الدول التى مارست الاستعمار والإستعباد فى بلاد العالم وكانت بارعة فى مجال الإستعمار وخلق الفتن والإضطرابات بين الشعوب التى تستعمرها تحقيقا لنظرية “فرق تسد” حتى يخلولها الجو.
وتعتبر بريطانيا مسؤولة عن أغلب المشاكل التى تهدد العالم حديثا. “فمثلا هي صاحبة الفضل فى خلق مشكلة الشرق الأوسط والصراع الدائر بين الشعوب الإسلامية والعربية واليهود، ومشكلة كشمير بين الهندوباكستان، إضافة إلى المشاكل الحدودية في أفريقيا، ومن بينها مشكلة الحدود بين الصومال وإثيوبيا، وهي التى قدمت إقليم “أنفدى” الصومالى لكينيا كهدية. [5]
ومما ساعد بريطانيا على القيام بهذه المهمة استقرارها الداخلي والذى يرجع إلى توفر الخيرات المنهوبة من المستعمرات.
لقد كانت الهند مستعمرة مهمة لبريطانيا، وكان من الطرق التى تعبر التجارة بين الهند والغرب طريق البحر الأحمر، ولذلك خططت لتأمين هذا الطريق فاحتلت عدن عام1839م وكانت مدينة قاحلة وحولتها بريطانيا إلى مدينة هامة ذات تجارة واسعة ومركزا للتخطيط والتوسع للإستعمار البريطاني فى الجنوب الغربي من ناحية والصومال من ناحية ثانية. [6]
وقد اتجهت أنظار بريطانيا نحو الشاطئ الصومالي المقابل لعدن، وذلك لأهميته الإستراتيجية، وحتى لا يقع تحت سيطرة قوة أخرى من القوات الأوربية المنافسة، مما سيؤدى إلى إضعاف موقف عدن. وقد كان لفتح “قناة السويس”* تأثيره فى لفت أنظار العالم إلى موقع القرن الإفريقي وشرق إفريقيا عموما. ومادام أن هذه المنطقة تابعة اسميا لتركيا سعت بريطانيا إلى إزالة هذه التبعية وبدأت تشجع الخديوي إسماعيل حاكم مصرعلى التوسع فى منطقة القرن الإفريقي، والقضاء على تجارة الرقيق وساعدته فى الحصول على القروض من الدول الأوربية. [7]
وقد كانت الحكومة المصرية نفسها تهتم بهده البلاد، ولذلك أرسلت بعثة برئاسة أحمد باشا مختار، الذي عين محافظا لسواحل البحر الأحمر، لزيارة الموانئ الصومالية، وقد قدم تقريره إلى الخديوي إسماعيل فى 16 مارس 1871م، ومدح هذه البلاد، وتحدث عن مدنها، ثم تتابعت البعثات المصرية إلى البلاد الصومالية، أهمها البعثة المصرية التى تحركت فى 1875، ووصلت إلى نهر جوبا وكسمايو، وقد قامت هذه البعثات بإجراء تنظيمات وإصلاحات فى الأراضي التى وصلت إليها. وبهذا وعلى حسب تخطيط بريطانياتم تقليص سيادة تركيا على الصومال، حيث حلت محلها السيادة المصرية، وعقدت بريطانيا عام 1877م معاهدة مع مصر هدفها تقليص سيادة تركيا فى المناطق الصومالية، وقد قضت هذه المعاهدة باعتراف الحكومة البريطانية إدارة حكومة الخديوي لسواحل الصومال، بشرط ألا تعطي أو تتنازل مصر عن هذه المناطق بأي طريقة لأية دولة أجنبية، وأن تتعهد بمحاربة تجارة الرقيق[8] إلا أن بريطانيا كانت لها بالمرصاد حيث اتجهت إلى طرد مصر من الصومال واحتلالها وخاصة بعد أن تدهورت العلاقة بين الخديوي وبريطانيا لميله للحركة الوطنية المصرية. [9]
وكان لذلك مقدمات حيث تعرفت بريطانيا على خبايا الوطن الصومالي والشعب الصومالي عن طريق تغلغل البريطانيين العملاء فى سلك الإدارة الخديوية فى الصومال. [10]
وعندمااضطربت ميزانية مصر بسبب ديون الخديوي إسماعيل الناجمة عن حفر قناة السويس وقيام الثورات الشعبية بقيادة العرابيين وقيام ثورة المهدي فى السودان، رأت بريطانيا أن الوقت مناسب لطرد المصريين من الصومال، وبهذا بعث (جرانفيل Granville) رسالة إلى (أفلن كرومر A. Cromer) مندوب بريطانيا السامي فى مصر يقول: (أن حكومة جلالة الملكة ترى أن على وزاراء الخديوي أن يقرروا سريعا ترك جميع المناطق جنوبي مدينة أسوان ووادى حلفا على الأكثر وأن يهيئوا أنفسهم للمحافظة على مصر والدفاع عنها وعن موانئ البحر الأحمر)[11]
بعد ذلك تمكنت بريطانيا من احتلال مصر 1882م، ثم أصدرت تعليماتها إلى الميجور (هنتر) بأن يعمل على سحب الإدارة المصرية من الصومال وذلك بعقد الإتفاقيات مع شيوخ القبائل وكان ذلك عام 1884. [12]
المراجع
[1] . إبراهيم عبدالله محمد، تحفة الأوفياء لمسيرة التحرير والتعريب فى القرن الإفريقي. 2001م د ن ، ص: 96.
[2] . أحمد برخت ماح. المرجع السابق، ص:199.
[3] . حمدى السيد سالم المرجع السابق، ص:65-141.
[4] محمد جاح مختار حسن، الصومال الإيطالي في فترة الوصاية حتى الاستقلال(1950-1960) رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الأزهر 1983م، ص 251
[5] . أوجدت بريطانيا مشكلة فلسيطين عن طريق إصدار إعلان “بلفور: 1917، وأججت الصراع بين باكستان والهند مما أدى إلى قيام مشكلة كشمير.
[6] . أحمد برخت ماح، المرجع السابق، ص: 198.
* فناة السويس طريق ملاحي يربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر وقد شقت فى نوفمبر عام 1869م وبذلك قصرت مسافة الملاحة بين الشرق والغرب، إذكانت الرحلة عبر راس الرجاء الصالح تستغرق أحد عشر شهرا، وعبر قناة السوين تقلصت إلى ستة أشهر.
[7] . تمام همام، تطور حركة الجهاد الوطنى فى الصومال (1900 – 1960) د ت، و ن، ص:7.
[8] . خالد رياض، الصومال الوعي الغائب ، دار الأمين، القاهرة، 1994م، ص: 152-153، 164،183، 189، 19.
[9] . د. تمام همام، المرجع السابق، ص:7.
[10] . أحمد برخت ماح، المرجع السابق، ص:68.
[11] . د. شوقى عطا الله الجمل تاريخ الصومال فى العصر الحديث (1486 – 1969)، المسح الشامل لجمهورية الصومال، ص: 127.
[12] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص:68.