الفصل الثاني: فقه المناصحة:
ويشمل هذ الفصل على مبحثين، المبحث الأول يناقش النصيحة وقواعدها، والمبحث الثاني حول مشروعية النصح وأهميته وكيفية تطبيقاته، والوسائل التي يمكن استخدامها.
للنصح أهمية كبيرة وعظيمة في حياة الأمم والشُعوب، إنه من أهم الوسائل للتقييم وتجاوز الأخطاء وتصحيحها، ويندرج النصح في المفهوم الإسلامي ضمن قاعدة أو مبدأ ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وهو كذلك من أهم أنواع الجهاد- جهاد الكلمة – لما للكلمة من قوة تأثير وسحر في القلوب والعقول ولكي تتضح أهمية النصيحة ومكانتها ودورها قدم الباحث في هذا الفصل أدلة عمادها قول النبي صلى الله عليه وسلم [الدين النصيحة] وهو الحديث المروي عن تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم].
الحديث أصل عظيم في وجوب النصيحة وبيان فضلها ومنزلتها في الدين وذكر مجالاتها. قال محمد بن أسلم ” هذا الحديث أحد أرباع الدين ” وقد ورد في السنة أحاديث عامة في النصح لكل مسلم وأحاديث خاصة في النصح لولاة الأمور ونصحهم لرعاياهم, ولخصت الدراسة حول الحديث وآداب الناصح في النقاط الأتية:
- قوله ( الدين النصيحة ) فيه دلالة صريحة على أن النصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان كما فسر الدين بذلك في حديث جبريل المشهور.فإن النصح لله يقتضي القيام بأداء الفرائض واجتناب المحرمات ويستلزم ذلك الاجتهاد بالتقرب إليه بنوافل الطاعات وترك المحرمات والمكروهات.
- من النصيحة لله صحة الإعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته وتنزيهه عن جميع النقائص والعيوب وإثبات أسمائه وصفاته على الوجه اللائق به وتوحيده في أفعاله وأفعال الخلق بالتأله له وعدم الإشراك به أحداً من خلقه، وتحكيم شرعه والقيام بطاعته واجتناب معصيته والحب فيه والبغض فيه وتعظيمه وخشيته ورجاؤه ومحبته وجهاد من كفر به والإعتراف بنعمه وشكره عليها.
- من النصيحة لكتاب الله الإيمان بأنه كلام الله حقيقة نزل به جبريل على رسوله عليه الصلاة والسلام ولا يشبهه شيء من كلام البشر، وتعظيمه وتلاوته حق التلاوة والذب عنه والتصديق بأخباره والوقوف مع أحكامه وتحليل حلاله وتحريم حرامه والإيمان بمتشابهه والعمل بمحكمه وتدبر معانيه والاعتبار بمواعظه وتعلمه وتعليمه، ونشر فضائله وأسراره وحكمه والاشتغال بتفسيره وفق مراد الله ومراد رسوله والرد عنه انتحال المبطلين وتحريف المبتدعين وغلو الغالين.
- من النصيحة لرسول الله الإيمان به وتصديق أخباره وطاعة أوامره واجتناب نواهيه وتعزيره وتوقيره وتعظيمه حياً وميتاً والذب عن سنته ونشر أحاديثه في الورى والرد على كل من أساء إليه وآذاه، واتباعه في كل كبير وصغير، وتقديم محبته على محبة النفس والولد والناس أجمعين وعدم الخروج على شريعته، واعتقاد أنه سيد الخلق وخاتم الأنبياء، وعدم إطرائه والغلو في محبته ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله تعالى، قال تعالى توقيراً له﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [سورة الحشر، الآية: 7], ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا ﴾ سورة الممتحنة، الآية 4.
- المراد بأئمة المسلمين الذين تلزم طاعتهم الحكام ومن ينوب عنهم في الولايات والعلماء الربانيون أهل الحل والعقد الذين شهدت لهم الأمة بالإمامة قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [سورة النساء الآية: 59 ]، قال ابن عباس ” هم الفقهاء والعلماء الذين يعلمون الناس معالم دينهم “؛ وقال أبو هريرة: “هم الأمراء والولاة “.
قال ابن كثير ” والظاهر والله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء”.
- من النصيحة لولاة المسلمين السمع والطاعة لهم ومعاونتهم على الحقّ وتذكيرهم به وإعلامهم بما غفلوا عنه أو ما لم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم وتأليف قلوب المسلمين على طاعتهم والدعاء لهم في ظهر الغيب والصبر على أذاهم وجورهم ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ثلاث لا يغل عليهن قلب امرىء مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين] ، وقال صلى الله عليه وسلم: [عليك السمع والطاعة في عُسرك ويُسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك].
وهذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة قد استفاض العمل به عند السلف الصالح وصار شعاراً عظيما يميزهم عن أهل البدع، وكل من خرج على الولاة وقع في حرج ومشقة وفساد من الأمر أشد مما كان هو فيه من الظلم وضيق الحال. وتلزم طاعة الإمام في كل أمر سواء أمر بواجب أو سنة أو مباح ما لم يأمر بمعصية فلا يجوز طاعته، وكذلك يلزم طاعته في نهيه ما لم ينه عن واجب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلاّ أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ].
- المشروع في نصيحة الولاة أن تكون سراً ولا يجوز أن تكون علانية على رؤوس الأشهاد في غيبته؛ لأن ذلك تحريضا بالرعية وإغراء بالسلطان وسبيل لحصول الفتنة والفرقة، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر فقال ” إن كنت فاعلا ولا بدّ ففيما بينك وبينه”.
- للعلماء المقتدى بهم منزلة عظيمة في الدين فهم ورثة الأنبياء ومصابيح الدجى وزينة البلد بهم يرفع الجهل وتكشف الغمة وتنجلي الظلمة وهم المفزع بعد الله عند نزول الحوادث والفتن وهم حصن الإسلام وقلعته يدرأون عن الإسلام وأهله كيد الأعداء وفجور المنافقين وجهل السفهاء بذلوا أموالهم وأوقاتهم وأعراضهم لله في سبيل نشر الحق والذب عنه، فلهم حق عظيم على كل مسلم والواجب على أهل الإسلام توقيرهم وتعظيمهم وإحسان الظن بهم والستر على معايبهم والإقتداء بهم ونصرتهم وموالاتهم والذب عن أعراضهم ونصحهم بالمعروف، ويحرم على المسلمين ذمهم أو تنقيصهم والطعن فيهم أو إساءة الظن بهم، ولا يجوز للعامي الاستخفاف بهم في مجامع الناس ووسائل الإعلام. وقال صلى الله عليه وسلم [ فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير].
- إن من السنة توقير العالم من النصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وتعليم جاهلهم وتذكير غافلهم وإسداء النصح لهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم ونصرتهم على من ظلمهم ومجانبة الغش والحسد لهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، ومن أعظم ذلك أن ينصح لمن استشاره في أمره خاصة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حق المسلم على المسلم ست وذكر منها ” وإذا استنصحك فانصح له “، وفي الصحيحين عن جرير قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
- ومن فقه النصيحة للمسلم أن ينصحه برفق وتلطف ولا يعنف عليه وأن يكون ذلك سرا لا يجهر به عند الناس لأن ذلك ينفره عن اتباع الحق ويفضحه ويؤدي إلى العداوة والقطيعة، وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرا حتى قال بعضهم من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ومن وعظه على رؤوس الناس فقد وبخه. وقال الفضيل ” المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير”.
من أجل أنواع النصح لله ولرسوله وأشرفها رد الأهواء والبدع المضلة بالكتاب والسنة والرد على أهل البدع المخالفين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء وبيان ما يصح من الأحاديث وما لا يصح من الأحاديث الضعيفة والمنكرة بتبيين حال رواتها الضعفاء أو سماعهم أو غلط الثقات منهم، وهذا الباب العظيم خاص بالعلماء الراسخين ومن قاربهم أما طلاب العلم وآحاد الناس وعوامهم فليس لهم الدخول في هذا الأمر الجليل؛ لأنهم يفسدون أكثر مما يصلحون والغيرة الدينية ومحبة الخير لا تكفي في هذا الباب، وقد توسع كثير من المنتسبين للعلم في الردود والمناظرات مع الخصوم مع عدم الأهلية ومراعاة القواعد الشرعية والآداب المرعية في هذا الباب.
وكشفت الدراسة منهج الأنبياء والرسل مع أممهم مبنياً على النصح لهم والشفقة عليهم، قال نوح عليه السلام مخاطباً قومه: ﴿ أبلغكُم رِسالاْت ربي وأنصحُ لكم وأعلمُ من الله ما لا تعلمون﴾سورة الأعراف ،الآية 62؛ وقال صالح لقومه مرشدا وناصحا لهم: ﴿يا قوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾ سورة الأعراف ،الآية 81؛ وقال هود : ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾.
والنصيحة كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للمنصوح له، ولا يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غير هذه الكلمة، وأنواعها خمسة وهي :
أ- النصيحة لله: وتكون بالاعتراف بوحدانيته وتفرده بصفات الكمال ونعوت الجلال، والقيام بعبوديته ظاهراً وباطناً، والإنابة إليه كل وقت مع التوبة والاستغفار الدائم؛لأن العبد لا بدّ له من التقصير في شيء من الواجبات و التجرؤ على بعض المحرمات ، وبالتوبة والاستغفار ينجبر النقص ، ويُسَدُّ الخلل.
ب- النصيحة لكتاب الله وتكون بحفظه وتدبره، وتعلم ألفاظه ومعانيه، والاجتهاد في العمل به في نفسه وتعليمه غيره.
ت- النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم: وتكون بالإيمان به ومحبته، وتقديمه على النفس والمال والولد، واتباعه في أصول الدين وفروعه، وتقديم قوله على قول كل أحد، والاهتداء بهديه، والنصر لدينه وسنته كما تقدم.
ث- النصيحة لأئمة المسلمين وهم الولاة، من الإمام الأعظم إلى الأمراء والقضاة وجميع من لهم ولاية عامة أو خاصة، وتكون هذه النصيحة باعتقاد ولايتهم، والسمع والطاعة لهم ، وحث الناس على ذلك، وبذل ما يستطاع في إرشادهم للقيام بواجبهم، وما ينفعهم وينفع الناس.
ج- النصيحة لعامة المسلمين وتكون بمحبة الخير لهم كما يحب المرء لنفسه، وكراهية الشر لهم كما يكره لنفسه ولابد في النصيحة من ثلاثة أمور:
- الإخلاص لله تعالى في النصيحة لأنه لب الأعمال؛ ولأن النصيحة من حق المؤمن على المؤمن، فوجب فيها التجرد عن الهوى والأغراض الشخصية والنوايا السيئة التي قد تحبط العمل ، وتورث الشحناء وفساد ذات البين.
- الرفق في النصح، وإذا خلت النصيحة من الرفق صارت تعنيفا وتوبيخا لا يقبل، ومن حرم الرفق فقد حرم الخير كله كما أخبر بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.
- الحلم بعد النصح؛ لأن الناصح قد يواجه من يتجرأ عليه أو يرد نصيحته، فعليه أن يتحلى بالحلم والصبر، ومن مقتضيات الحلم: الستر والحياء وعدم البذاءة، وترك الفحش.
وإن من الحكمة والبصيرة في النصيحة معرفة أقدار الناس، وإنزالهم منازلهم، والترفق مع أهل الفضل والسابقة، وتخير وقت النصح المناسب، وتخير أسلوب النصح المتزن البعيد عن الانفعالات، وانتقاء الكلم الطيب والوجه البشوش والصدر الرحب، فهو أوقع في النفس وأدعى للقبول وأعظم للأجر عند الله.
فهذه هي حدود النصيحة الشرعية، وخلاف ذلك هو الإرجاف والتعيير والغش الذي هو من علامات النفاق عياذا بالله، قال على رضي الله عنه: ” المؤمنون نصحة والمنافقون غششة”، وقال غيره : ” المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير”.
الفصل الثالث: قواعد فقه المناصحة:
في هذا الفصل تحدث الباحث عن قاعدة المصلحة والمفسدة،وإليها ترجع معظم طرق الاجتهاد فيما لا نص فيه بعينه حكم النوازل مثل القياس والمصلحة المرسلة وسد الذرائع والاستحسان،والمنع من التحيل.ويقصد بها جلب نفع أو دفع ضرر.ثم سلط الضوء على خصائص المصلحة ومنها:
- إن مصدر المصلحة هدي الشارع وليس هدي النفس أو العقل المجرد،لأن العقل البشري قاصر محدود بالزمان والمكان، لا يستطيع التجرد عن مؤثرات البيئة وبواعث الهوى والأغراض والعواطف﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ سورة القصص ،الآية 51.
- إن المصلحة والمفسدة في الشريعة الإسلامية ليستا محدوتين بالدنيا وحدها بل لهما ارتباط بالدنيا والآخرة مكانا وزمانا لجني ثمار الأعمال لأنها جاءت لما فيه صلاح الناس في معاشهم ومعادهم.
- إن المصلحة الشرعية كما لاتحد بالدنيا فإنها لا تنحصر ايصا في اللذة المادية كما هو شأن المصلحة عند العلماء الأخلاق الذين يعتمدون على التجارب المحدودة والمعايير المختلفة التي لا تتعدى نطاق المداة.
- إن مصلحة الدين أساس للمصالح الأخرى ومقدمة عليها ويجب التضحية بما سواها في سبيل المحافظة عليها وإلغاء ما يعارضها من المصالح الأخرى.
فعلى الناصح مراعاة هذه الخصائص والدرجات، إذا تعاضد العقل و النقل على المسائل الشرعية فيشترط أن يتقدم النقل فيكون متبوعا ويتأخر العقل فيكون تابعا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلاّ بقدر ما يسرحه النقل.
قال ابن تيمية” القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها، فيما ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح المفاسد فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له،فإن كان الذي يفوت من المصالح أو تحصيل المفاسد أكثر لم يكن مأموراً بل يكون محرما”.
وبهذا يرجع الباب إلى الترجيح، ويبقى نظر المجتهد في أرجحهما بمعنى أعظمهما نفعا وصلاحا وأقرب إلى تكميل الدين وإصلاح أحوال المسلمين، فإذا كانت المصلحة المرجوحة من قبيل التحسينات أهدرت في سبيل دفع السيئة العظيمة، لأنه ليس في فوات تلك المصلحة مفسدة تربو على أختها الأخرى التي زاحمتها، وأما إن كان التعارض بين مصلحة من المصالح الضرورية ـ على سبيل المثال ـ ومفسدة صغرى، فإن في فوات تلك المصلحة مفسدة أشد ضررا من المفسدة الصغرى، فكيف يقدم درء تلك المفسدة على جلب المصلحة الضرورية الكبرى
وبينت الدراسة الحالات التي تجوز فيها المجاهرة بالنصحية، ومن أصول الشريعة أن تكون النصيحة في غاية السرية لا يطلع عليها أحد ،فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة وما كان في السر فهو شفعة ونصيحة ،وقد توجب إظهارها ومجاهرتها في بعض حالات منها:
- أن يجاهر الحاكم بمنكر،وقد جاهر الصحابة النصيحة للحكام ردعا على مناكرهم القولية والفعلية .
- أن يظلم الحاكم ظلماً عاما، وقد تصدي أبو مسلم الخولاني علناً ومجاهرة بالنصيحة أمام الناس لمعاوية أبى سفيان تحت سمعهم وبصرهم.
- إرتكابه المفاسد العظيمة، كأن يأخذ الحاكم القرارات التي تمس الأمة وعقيدتها ووحدة صفها ،أو تلك التي تدعم الكفار على حساب المسلمين.
- تبذيره للمال:أن يرى العلماء والنصحاء تغير حال الحاكم وتنعمه وليس له موارد مالية إلاّ خزانة الدولة أو صار اسرافه وبذخه فيما لايعود للمسلمين بخير صار ظاهراً مشهوراً بين الناس ففي مثل هذه الحال يجوز للعلماء الجهر بالنصيحة على منابر المساجد ردعا للحاكم وأعوانه ممن يتصرفون في أموال المسلمين مما يضر بمصلحة البلد وإقتصاده.
- إذا ولي الحاكم شخصاً معروفاً بالظلم والفساد، مثل أن يتولي الوظائف العليا التي من خلالها يمكنه أن يتسلط بها على الناس فيلحقهم ظلمه وفساده كالقضاء وولاية مصر من الأمصار أو محافظة من المحافظات وما أكثر هذه الحالات في حاضرنا .
أن الإسلام قد هيأ كل الوسائل اللازمة لتيسير وتسيير الحياة طيبة مليئلة بالعدالة والاحترام داخل المجتمع الإنساني المسلم، خاصة من جهة الحكم ومراعاة مصالح الناس وحاجياتهم.