إن المخدرات من أخطر الظواهر الصحية والاجتماعيـة التي يواجهها المجتمـــــع في هذا الزمن، فلقد ابتلي العالم بوباء الإدمان على المخدرات، هذا الداء الخبيث وذلك لما يشكله من تهديد للأمن وزعزعة للاستقرار، وإزهاق للأرواح، حيث بدأت تنتشر في مختلف المجتمعات وبشكل لم يسبق له مثيل حتى أصبح خطرا يهدد الصغير والكبير بالانهيار، والعالم اليوم اقترب بعضه من بعض،وصار الانتقال من بلد إلى آخر سهلا جدا، وبذلك انتقلت مع هذا التقارب بعض العـادات والتصـرفات، وانتقلت معها ظـــاهرة المخــدرات،والجزائر جزء لا يتجزأ من هذا العالم تتأثر به وتتفاعل معه، فهي لم تسلم من انتشار هذه الظاهرة الخبيثة في المجتمع فكان لا بد أن يؤدي المجتمع دوره في الوقاية والمكافحة من خطورة الإدمان وأن توضح خطورته للشباب، وللأسرة وأن تكثف حملات التوعية الصحية والفكرية بين مختلف شرائح المجتمع واستغلال جميع الإمكانيات المتاحة وتسخيرها لمحاربة هذا الداء سواء كان ذلك من خلال قنوات الإعلام المسموعة أو المرئية أو المقروءة أو من خلال فرض العقوبات أو سن القوانين واتخاذ الإجراءات الصارمة للتصدي لهذا الخطر والحد منه.
المخـدرات لغة مشتقة من الخدر، وهو ستر يمد للجارية في ناحية البيت، والخدر هو الظلمة والخدرة هي الظلمة الشديدة، والخادر الكسلان، والخدر من الشراب و الدواء فتور يعتري الشارب وضعف.
وذكر الإمام القرافي في “الفروق” بأن المسكر هو الذي يغطي العقـــــــــــــل ولا تغيب معه الحواس،والمرقد هو المشوش للعقل كالحشيش والأفيون وسائر المخدرات التي تثير الخلط الكامن في البدن.
أما اصطلاحا فلم نجد تعريفا عاما يوضح لنا مفهوم المواد المخدرة بوضوح، بل هناك مجموعـــــــــــة من التعريفـــــــــات الاصطلاحية للمخــــدرات، والتي تتنوع بين الشرع والقانون والطب، فعرفها بعضهم بأنها”كل مادة يؤدي تعاطيها إلى حالة تخدير كلي أو جزئي مع فقدان الوعي، أو تعطي شعورا كاذبا بالنشوة والسعادة مع الهروب من عالم الخيال.
ويعرفها البعض الآخر “كل مادة تعمل على تعطيل أو تغير الإحساس في الجهاز العصبي لدى الإنسان أو الحيوان، وذلك من الناحية الطبية،أما من الناحية الشرعية فهي كل مادة تقود الإنسان إلى الإدمان وتؤثر على الجهاز العصبي.الدكتور محمد بن جمعة بن سالم، النظرية الإسلامية لمكافحة المخدرات.
وللمخدرات أنواع متعددة يمكن تقسيمها على أساس أصل المادة التي حضرت منها إلى نوعين أساسين: أولهما مخدرات طبيعية تستخدم إما في حالتها الطبيعية أو بعد تحويلها تحويلا بسيطا من الأصل النباتي ونذكر منها (الحشيش أو القنب الهندي، الأفيون، الكوكايين،النيكوتين )، أما النوع الثاني فهي المخدرات مصنعة أو تركيبية،وهي تصنع في المعامل وتأخذ شكل الحبوب أو السوائل أو إلى غير ذلك.
أما في ما يخص أسباب انتشار ظاهرة المخدرات وتعاطيها لا يحصيها العد، إذ لكل مجتمع أسباب خاصة في تفشي هذه الظــــــاهرة، فهي نابعــــة من ظــــــــــــروف العصــــــــــــر وأسبابه الخاصة، فيقول في هذا الشأن الدكتور محمد عباس نور الدين في كتابه”قضايا الشباب في المجتمع المعاصر”……كثيرا ما يعاني الفرد في مواقف مختلفة من الشعور بالإحباط نتيجة فشله في تحقيق ما يطمح إليه من أهداف، ويتعمق هذا الشعور كلما اصطدم من صعوبات وعراقيل مما يشعره بالقلق والاكتئاب والعجز، وعندئذ تنتاب شخصية الفرد حالة من عدم التوازن النفسي تجعله يبحث عن حلول بديلة تعيد لشخصيته هذا التوازن، بحيث يحقق الفرد ما لم يستطع أن يحققه في الواقع، في هذه الحالة قد يلجأ الفرد لتعاطي المخدر كي يقطع صلته بالواقع الذي لم يتح له تحقيق ما يطمح إليه، ويسبح في عالم من الخيال والأحلام، يسمح له ولو عن طريق الوهم والخيال بإشباع رغباته وطموحاته.
والحقيقة أن هناك مجموعة أخرى من العوامل التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تفشي هذه الظاهرة وسط شباب الأمة، وهي التربية غير السوية من طرف الوالدين، فالطفل كالصفحة البيضاء ترسم فيها ما تشاء فإذا كانت تربيته منذ البداية مبنية على أسس ومبادئ الدين الإسلامي فالنتيجة هي إنسان صالح بإذن الله تعالى، ولا أقصد في قولي بأن كل المسؤوليةتكون على عاتق الوالدين فهناك المدرسة والمجتمع ولكن ما أقصده هو أن الطفل أول ما يفتح عينيه يرى أمه وأباه، فإذا وجد الطفل الأب يدخن مثلا، وهو يعتبر هذا الأب قدوة له،ففي هذه الحالة يكون من الصعب إقناعه بعدم التدخين إذ كيف يستطيع الأب أن يمنع ابنه عن شيء هو يفعله، وكما قيل قديما فاقد الشيء لا يعطيه، أضف إلى ذلك الرفقة السيئة، التي تؤثر كثيرا على عقل وتفكير الشباب، لأن الرفقة من الحاجات الاجتماعية لكل إنسان، فهي متأصلة من النفس البشرية فإذا صلحت صلح الإنسان والعكس صحيح،وهذه باختصار بعض الأسباب الرئيسية التي تكون سببا في انحراف الشباب، إلى جانب ذلك ثمة أسباب أخرى لوقوع الشباب في شبح المخدرات لخصها الشيخ عليالطهطاوي في كتــــــــــــــابه ” النفيس ” معالم الخيرات بشرح أضرار المخدرات بقوله “الأمية وضعف الثقافة الصحية وعدم إدراك الكثير من الناس لعواقب تعاطي المخدرات، ومن ناحية أخرى توفر المال الآن في أيدي كثير من الفئات الأمية، سواء من ناحية التعليم أو من ناحية النظافة أومن ناحية ثالثة إمكانية حصول المواطنين على بعض أنواع الأدوية التي يمكن أن تؤدي إلى الإدمان بيسر، وفيما يبدو سهولة تهريب وتداول كثير من أنواع المخدرات الممنوع تداولها دون إحكام الرقابة واكتمال الإجراءات التي تمنع هذا التهريب وهذا التداول.
فهذه كانت بعض أسباب تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات بين أوساط الشباب على سبيل المثال لا على سبيل الحصر إذ الموضوع أكبر من أن يحاط بهذا البحث البسيط.
أما ما يهمنا في هذا الموضوع هو موقف الشرع من المخدرات، فالشريعة الإسلامية جاءت رحمة للناس، اتجهت في أحكامها إلى إقامة مجتمع فاضل تسوده المودة والعدالة والمثل العليا في الأخلاق والتعامل بين أفراد المجتمع، ومن أجل هذا كانت غايتها الأولى تهذيب الفرد وتربيته ليكون مصدر خير للجماعة، فشرعت العبادات سعيا إلى تحقيق هذه الغايــــــــــة وإلى توثيق العلاقات الاجتماعية،وكــل ذلك لصالـح الأمــــــــة الإســــــــــــلاميةوالمصلحة التي ابتغاها الإسلام وتضافرت عليها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تهدف إلى المحافظة على أمور خمسة أطلق عليها فقهـــــــــــــــاء الشريعة الإسلامية الضرورات الخمس: وهي الدين والنفس والمال والعقل والنسل.
ومن أجل هذا حرم تعاطي ما يؤدي بالنفس وبالعقل من مطعوم أو مشروب واتفقت سائر المذاهب الإسلامية على تحريم المخدرات بجميع أصنافها، بل أفردت في تحريمها مصنفات عديدة قديما وحديثا.
ومن هذا القبيل جاء في شأن أم الموبقات والخبائث (الخمر) فقد ثبت حرمتها بالكتاب والسنة والإجماع، ففي القرآن الكريم قوله تعالى ” يا أيها اللذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأصنام والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون
وجاءت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك مبينة هذا التحريم ومن هــــذا قوله” كل مسكر خمر وكل خمر حرام، وإذا كانت المخدرات كالحشيش والأفيون والكوكايين وغيرها من المواد الطبيعية المخدرة وكذلك المواد التركيبية المخدرة تحدث أثار الخمر في الجسم والعقل بل أشد فإنها تكون محرمة بحرفية النصوص المحرمة للخمر وبروحها ومعناها، والتي استمدت منها القاعدة الشرعية التي تعتبر من أهم القواعد التشريعية في الإسلام وهي دفع المضار وسد ذرائع الفساد .
ومن هذا فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” كل مسكر حرام، ما أسكر كثيره فقليله حرام ، وقد نقل العلماء وإجماع الفقهاء على حرمة تعاطي الحشيش وأمثاله من المخدرات الطبيعية المصطنعة لأنها جميعا تودي بالعقل وتفسده وتضر بالجسم والمال، وتحط من قدر متعاطيها في المجتمع.
وأخيراإن الوازع الديني الذي يفتقده الكثير من شبابنا وسبب ذلك من الأسرة أولا، ثم من المجتمع ثانيا هو من أهم أسباب تفكك الأسرة، ومن تم ينتج شباب غير قادر على تحمل المسؤوليات اتجاه دينه ووطنه ومجتمعه الذي يعيش فيه، إذن فالإسلام هو الوحيد الذي يقدم حلا شموليا لهذه المشاكل ذلك أنه يعالج المشكلة من جذورها وأهم جذورها هو المستهلك وهو الشخص القابل لتناول المخدرات، وعليه يجب تطبيق الإســــلام في كافة مناحي الحياة ليشمل الفرد والمجتمع والحاكم والمحكوم من أجل القضاء على كل ما يخامر العقول ويذهبها حفاظا على نقاوة المجتمع الإسلامي الحقيقي المترابط والمتكامل كما صوره الإســـــــلام.