اقليم شبيلي السفلى واحد من اعرق الاقاليم الصومالية التي عرفت بالعلم والعلماء. وكانت مدينة مركه، عاصمة الاقليم على مر العصور مركز اشعاع ينبض بالفقه الاسلامي، يشدّ اليه الرحال في كل عام طلاب من آفاق البلاد الواسعة الباحثين عن العلم والمعرفة والمتحمسين الي تلقي العلوم الشرعية على ايدي علماء الاقليم الأفذاذ الذين اقاموا في مدينة مركا وقراها والبوادي المحيطة بها “صروخا” علمية شامخة يدرس فيها مختلف فنون العلوم الشرعية ولاسيما الفقه الشافعي الذي لا يزال يعتبر الي اليوم، المذهب الرسمي للبلاد وان لم يذكر ذلك نصا في مسودة الدستور المؤقت.
أبرز الحلقات العلمية في المدينة
وكانت الحلقات العلمية أو اشجار العلم( (geed cilmi)- كما يطلق عليها أهل المنطقة- منتشرة في مواقع معلومة ومحددة من اقليم شبيلي السفلى، يجلس فيها كوكبة من العلماء المتخصصين في الفقة الشافعي، حيث ظلت تلك الحلقات حتى قبل وقت قريب من انهيار الحكومة المركزية في الصومال ١٩٩١، مدارس تزخر بالألق والتميز، تستقبل كل عام دراسي عشرات من الصوماليين الراغيين في التزود من نبع هذه المراكز العلمية التي يتم فيها من خلال خلقات يومية دراسة كتب الفقه المختلقة وخاصة كتاب التنبيه في الفقه الشافعي لابي الاسحاق الشيرازي المتوفي سنة (467هـ) وكتاب منهاج الطالبين للأمام النووي (٩٧٣ هـ) وكتاب تحفة المنهاج وكتاب القليوبي.
ومن أبرز واقدم هذه المدارس، مدرسة الشيخ علي محمد بن على المعروف بشيخ علي ميه في مدينة (مركه) ومدرسة الشيخ حسن غلوين في قرية ( غلوين). وكان الشيخ حسن في عهد النظام المدني قبل الثورة العسكرية رئيسا لمنطقة قريولي ( ومدرسة معلم أبويني في قرية (موري) جنوب مدينة افجوي، ومدرسة حاج وهليي في قرية (طناني) الواقعة بين مقديشو ومركه، ومدرسة الشيخ عثمان المركي في مركه، ومدرسة الشيخ جرويني في قرية (غندرشي) ومدرسة شيخ اسماعيل خطيب في حي (شلامبود)، ومدرسة حاج علي عبد الرحمن فقيه المشهور ( بحاج علي مجيرتين) في حي عغارن، ومدرسة الشيخ المجاهد ابيكر غافلي في قرية رقم 50 التي تقع في الطريق بين افجوي ومركه، ومدرسة الشيخ عبدالله يوسف حامل لواء الفكر التنويري في اقليم شبيلي السفلى. وكان الشيخ عبدالله عالما نحريرا عابدا زاهدا تعلم على يديه رجال كثرون التحقوا فيما بعد المعاهد الازهرية، وتقلدوا مناصب عليا في المحاكم الوطنية في البلاد، ومدرسة تلميذه الشيخ مختار عمر في قرية (ملد ) .
الحلقات الدينية وشؤون الإفتاء
والجدير بالاشارة الي أن تلك المدرارس لم تكن فقط مكانا للتعليم والدراسة، بل كانت أيضا بالنسبة لأهالي المنطقة دارا للإفتاء يقصدون اليه للاستفتاء في العديد من القضايا والمسائل التي يواجهونها في حياتهم وخاصة القضايا المتعلقة بالشؤون الدينية والدنيوية. كما كانت مرجعا قضائيا يلجأ اليه المتخاصمون للفصل في نزاعاتهم أو ايجاد حلول للخلافات بين افراد تلك المنطقة الذين اشتهروا باحترام كلمة العلماء والوقوف عند فتاويهم و آرائهم الداعية الي نبذ العنف وتسوية الخلافات بالطرق السلمية.
كرم ضيافة أهالي المنطقة
ومن ميزة تلك الحلقات هو ما كان يتلقى طلاب العلم من كرم الضيافة، وحسن الاستقبال من قبل أهالي المنطقة الذين كانوا يوفرون لهم المأكل والمأوى وخصوصا للطلاب الوافدين من خارج المدينة أو القرية التي توجد فيها المدرسة، وهو ما كان يطلق عليه بـ (JIL).
ما مستقبل هذه الحلقات؟
نتيجة للظروف الأمنية في البلاد، تواجه الحلقات الدينية رياحا عاتية تحاول العصف بما تبقى من معالم اقليم شبيلي السفلى الدالة على عمق ثقافة أهله، ودور علمائه في محاربة الجهل ونشر العلم وفلسفة الجمال في الفكر الانساني.
فقد أدت تلك الرياح العاتية الي اغلاق أبواب بعض الحلقات العلمية في مدينة مركه أو تهميش دورها في نشر الثقافة، حيث بدأ بعض علماء تلك الحلقات الانتقال الي مناطق اخرى اكثر من آمنا أو على الأقل تتوفر فيها قدر من الحرية، تسمح لهم بداء آرائهم فيما يتعلق بالمسائل الدينة.
لكن من هنا لا بد من الاشارة أن هناك علماء كبار تعلموا على ايدى الفقهاء السابقين والذين عقدوا العزم على السير في درب اسلافهم كي تكون شعلة الحلقات الدينية في الاقليم وضاءة تملأ في النفوس العلم والمعرفة. ومن أبرز هؤلاء العلماء، الشيخ أحمد كولالي في قرية (بولو مرير) والشيخ سيدي شيخ ابابا شيخ على ميه في (مركه ) والشيخ نور جيلى في قرية رقم 50 ، وشيخ عبد الرحمن شريف في مركه.