شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)- زاد غرق السفينة الذي أودى بحياة أكثر من 350 شخصاً معظمهم من طالبي اللجوء الإريتريين قبالة سواحل جزيرة لامبيدوسا الإيطالية الشهر الفائت، قلق الدول الأوروبية إزاء الهجرة غير الشرعية عبر منطقة البحر المتوسط التي تفصل جنوب إيطاليا ومالطا عن شمال أفريقيا. لكن هذه المساحة الغادرة من البحر لا تمثل سوى المحطة النهائية من رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر.
وفي هذا السياق، تضاعف عدد المهاجرين الذين يسلكون ما يُطلق عليه طريق البحر المتوسط المركزي خلال العام الماضي، ليصل إلى أكثر من 30,000 مهاجر بنهاية شهر سبتمبر. وتغادر غالبية القوارب الآن من ليبيا، الدولة التي ينشط فيها المهربون بحرية نسبية بفضل الحدود المساميّة وعدم وجود قوة شرطية أو عسكرية فعالة في ظل الحكومة الانتقالية الحالية.
قادمون من القرن الأفريقي
ويشكل السوريون الذين يفرون من الحرب الدائرة في بلدهم نسبة كبيرة من التدفق الحالي في المهاجرين، إذ يمثلون نحو 7,500 مهاجر من بين 26,100 مهاجر من الذين وصلوا جزيرة صقلية قادمين من ليبيا بنهاية شهر سبتمبر، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لكن 7,500 مهاجراً قدموا من إريتريا و3,000 من الصومال، مقارنة بـ 1,890 إريترياً و3,400 صومالي استخدموا الطريق خلال عام 2012.
وقالت كاترين كاميلري من الجمعية اليسوعية لخدمة اللاجئين في مالطا، وهي دولة صغيرة في جنوب أوروبا استقبلت نحو 1,700مهاجر وطالب لجوء حتى هذا الوقت من العام، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن “نسبة الصوماليين والإريتريين قد ازدادت خلال العامين الماضيين”.
وعلى الرغم من الباحثين ما زالوا يبحثون عن إجابة للسؤال الذي يتعلق بأسباب تزايد أعداد الصوماليين والإريتريين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا، إلا أن التغيرات التي طرأت على سياسية الهجرة في كل من السعودية وإسرائيل تقدم بعض المؤشرات الهامة.
فحتى العام الماضي، كانت الغالبية العظمى من المهاجرين وطالبي اللجوء من منطقة القرن الأفريقي- التي تشمل الصومال وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي- يتجهون إما إلى دول الخليج عن طريق اليمن أو إلى إسرائيل عن طريق السودان ومصر.
أما هذا العام، فقد تم إغلاق هذه الطرق تقريباً، ذلك أن السعودية قد استأنفت بناء سياج بطول 1,800 كيلومتر على طول حدودها مع اليمن وقامت بترحيل آلاف العاملين الوافدين الذين يقيمون بطريقة غير قانونية. وفي هذا الصدد، ذكر كريس هوروود من الأمانة العامة للهجرة المختلطة على المستوى الإقليمي في نيروبي أن الحدود السعودية مع اليمن أصبحت الآن “مغلقة تماماً” ولا يستطيع المهاجرون التسللمن خلالها. وعلى الرغم من أن الإثيوبيون والصوماليين يستمرون في الوصول إلى اليمن، إلا أن أعدادهم قد تراجعت من أكثر من 107,000 في عام 2012 إلى 58,000 بنهاية شهر سبتمبر من العام الجاري.
وفي مطلع عام 2013، استكملت إسرائيل تشييد سياجها على طول حدودها مع شبه جزيرة سيناء المصرية، بعد وقت قصير من أن دخل القانون الذي يسمح باعتقال من يسمون بـ “المتسللين” لثلاث سنوات، حيز التنفيذ. وقبيل هذه التدابير، كان يصل إلى إسرائيل نحو 1,000 مهاجر وطالب لجوء، معظمهم من إريتريا والسودان، كل شهر. على النقيض من ذلك، لم يعبر خلال الشهور التسع الأولى من عام 2013 سوى 36 شخصاً، وذلك وفقا لما ذكرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تل أبيب.
وفي السياق ذاته، قال هوروود: “من المنطقي أنه عقب إغلاق منفذين حدوديين رئيسيين- وفي ظل عد تغير مستوى الطلب على الهجرة – أن يسعى المهاجرون إلى طرق بديلة”.
وأكد أدريان إدواردز، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنه في ظل أن طريق سيناء بات شبه مغلق، “يتجه المهاجرون الآن نحو البحر المتوسط، حيث يأتون بالأساس إلى ليبيا، ويشقون طريقهم من السواحل الليبية وصولاً إلى لامبيدوسا وصقلية”.
رحلة محفوفة بالمخاطر
تحدث تيسفاميهرت شيشي*، وهو طالب لجوء إريتري يبلغ من العمر 29 عاماً، إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عبر الهاتف من مالطا واصفاً ما مر به من صعاب منذ أن ترك وطنه في فبراير 2012 بعدما أُرغم على العمل مدرساً ضمن فترة خدمته الوطنية. لم يتم تأهيل شيشي للعمل كمدرس، ولم يحصل على مرتب وتم إرساله للعمل في مكان بعيد جداً عن المنزل الذي تقيم فيه أسرته. وحول سبب هجرته قال: “لم يكن هناك حد أقصى لعدد السنوات التي يجب أن أقضيها هناك… فأدركت أنني لن أستطيع مساعدة نفسي أو أسرتي أو حتى اقتصاد بلدي”.
عقب فترة قصيرة قضاها شيشي في مخيم للاجئين في شرق السودان، وهو مكان تنتشر فيه عمليات اختطاف للاجئين من قبل عصابات الاتجار بالبشر، دفع شيشي للمهربين بعض النقود لتوصيله إلى العاصمة السودانية الخرطوم. غير أنه عقب عام من التهرب من السلطات وعدم القدرة على إعالة نفسه، قرر أن يحاول الهجرة إلى أوروبا عبر ليبيا. وعن ذلك قال: “على الرغم من أنني كنت أعلم أن الحياة في ليبيا صعبة جداً، إلا أنه لم يكن لديّ خيار آخر”. وأضاف قائلاً: “يخرج المرء من إريتريا ليس لأنه يفضل الذهاب إلى مكان آخر، بل لأن منزله يحترق ويبحث عن أناس يرحبون به…الناس يسافرون إلى إسرائيل لأنها كانت السبيل الوحيد، والآن يسافرون إلى أوروبا لأنها أصبحت هي السبيل الوحيد”.
وبعد أن دفع شيشي بعض المال لأحد المهربين، قضى نحو 10 أيام في عبور الصحراء الكبرى مع مجموعة تضم 25 مهاجراً آخراً، جميعهم إريتريون: “لقد كانت رحلة مرعبة جداً في الصحراء، لم يكن هناك ماء وكان المهربون يهددوننا. ولكن لحسن الحظ نجونا”.
غير أن البعض كانوا أقل حظاً، فقد عُثر مؤخراً على جثث 92 مهاجراً في شمال النيجر ممن كانوا يحاولون الوصول إلى الجزائر. وقد تبين أنهم ماتوا عطشى بعدما تعطلت الشاحنتان اللتان كانتا تحملانهم وتخلى عنهم المهربون.
وعقب دخوله إلى ليبيا واحتجازه على يد إحدى الميليشيات في مدينة بنغازي لعدة أيام، تمكن شيشي من الهرب وشق طريقه إلى العاصمة طرابلس. وهناك، اتصل بمهرب ليبي وعده بنقله إلى أوروبا. لكن الرجل حبسه في مخزن مع 300 من المهاجرين الآخرين. وظل على هذه الحال لمدة شهرين قبل أن يرسل له أقرباؤه 1,600 دولار كان قد طلبها المهرب ليطلق سراحه وينقله إلى أوروبا.
يُبحرون بمفردهم
من جانبها، قالت ميليسا فيليبس، مسؤول برامج أول في المجلس الدانماركي للاجئين في طرابلس، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن غياب الوكالات الدولية أو الحكومية في جنوب ليبيا جعل من المستحيل تتبع أعداد المهاجرين الذين يدخلون الدولة. وأضافت أن “الشيء الوحيد الذي يتوفر لدينا في الوقت الحالي هو عدد القوارب التي تنطلق من ليبيا”.
إلى ذلك، تشير تقارير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه في شهر سبتمبر فقط غادر نحو 4,619 مهاجراً ليبيا قاصدين أوروبا، مقارنة بـ 775 مهاجراً خلال الشهر ذاته من العام الماضي.
وفي السياق ذاته، ذكرت فيليبس أنه لطالما كانت ليبيا وجهة للمهاجرين الاقتصاديين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الذين يتطلعون إلى الحصول على فرص عمل. أما بالنسبة إلى طالبي اللجوء الذين يتطلعون للحماية، فإن افتقار ليبيا إلى قانون للاجئين وعمليات الاحتجاز التي يتعرضون لها، لا تجعلها وجهة نهائية لهم إلا نادراً: “تضم هذه المجموعات التي ]تنتقل عبر ليبيا] إريتريين وصوماليين وبعض الإثيوبيين والسوريين”.
وخشية القبض عليهم، نادراً ما يصاحب المهربون المهاجرين في عبور البحر، على الرغم من أنهم يتقاضون مبالغ تصل إلى 1,500 دولار للفرد للعبور في سفن مكتظة للغاية وفي الغالب غير صالحة للإبحار. وقد أوضحت فيليبس ذلك بقولها: “يقوم بعض الأشخاص بإصدار الأوامر المتعلقة بكيفية الإبحار. يطلق الناس عليه اسم الكابتن، على الرغم من أن هذا الشخص ما هو إلا أحد رفقائهم من المهاجرين أُعطيّ فجأة جهاز جي بي إس] النظام العالمي لتحديد المواقع [… وإذا حدث شيء سلبي في البحر، يغيرون مسارهم”.
هذه كانت خبرة أحمد عمر إسحاق، وهو مهاجر صومالي يبلغ من العمر 31 عاماً، الذي وصف رحلته أيضاً إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عبر الهاتف من مالطا: “لقد كنا 55 صومالياً على متن قارب مطاطي. أعطونا بوصلة وجهاز جي بي إس وأرشدونا إلى الاتجاه الذي يجب أن نبحر فيه، ثم وضعونا في البحر وقالوا لنا هيا انطلقوا”.
سافر شيشي مع 300 مهاجر في قارب صيد تعطل عقب ثلاثة أيام في البحر وظلوا من دون طعام أو ماء. قامت قوات حرس السواحل الإيطالية والمالطية بإنقاذهم واقتادوهم إلى مالطا، حيث مكث شيشي الأشهر الثلاثة الماضية في مركز لاستقبال اللاجئين لحين البتّ في طلب اللجوء الخاص به.
إجراءات تصب في مصلحة عصابات الاتجار بالبشر
ويعتزم كل من المجلس الدانماركي للاجئين والأمانة العامة للهجرة المختلطة على المستوى الإقليمي الشروع في دراسة لبحث أسباب تدفق المهاجرين من القرن الأفريقي عبر السودان إلى ليبيا ومن ثم إلى أوروبا. ويهدف البحث إلى معرفة المزيد حول طرق ووسائل السفر التي تستخدمها هذه المجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء والمخاطر التي يجابهونها خلال الرحلة.
مع ذلك، يبقى واضحاً أن محاولة جعل أحد الطرق أكثر صعوبة بالنسبة لطالبي اللجوء لا يؤدي إلى شيء سوى إرغامهم على استخدام طرق أخرى، التي تكون في الغالب أشد خطورة. وهناك أنماط مشابهة حول العالم، لكنها توجد بشكل خاص على الحدود الأوروبية، حيث تدخل الآن أعداد متنامية من المهاجرين وطالبي اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي عبر بلغاريا ودول البلقان الأخرى، وذلك في أعقاب قيام اليونان بتشديد الرقابة على حدودها، التي كانت تُعد في السابق نقطة العبور الأكثر شعبية.
من جهته، قال إدوارد من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “إنها مثل الضغط على بالون… المشكلة تظهر في مكان آخر، ولهذا السبب بالضبط نؤكد بقوة على أنه لا يمكن العمل على الحد من الخسائر في الأرواح إلا إذا تم تبني منهج شامل. لكن إذا تم التعاطي مع القضية من زاوية الردع، فهذا يصب في صالح عصابات الاتجار بالبشر”.
إضافة إلى ذلك، ترى فيليبس من المجلس الدنماركي للاجئين أن أساليب الردع مثل الأسوار لا تقود فقط إلى تغيير الطرق التي يستخدمها المهاجرون، بل تشكل سابقة لدول المرور العابر مثل ليبيا التي تتطلع لنماذج تقتدي بها في تطوير سياستها الخاصة بالهجرة.
“الأمر لا يقتصر على إسرائيل والمملكة العربية السعودية فقط. بل الإجراءات التي تتخذها الدول الأوروبية، التي تتحدث عن زيادة عدد دوريات حرس السواحل وتعزيز وكالة فرونتيكس ]وكالة مراقبة الحدود الخارجية للدول الأوروبية[ وليس عن سبل المشاركة في تحمل هذه المسؤولية. لذا، لا يوجد سوى عدد قليل جداً من النماذج التي يمكن أن تتطلع إليها ليبيا فيما يتعلق بإدارة هذه القضية”.
شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)