لكل شعب ثقافته التي يتميز بها عن غيره، وتنعكس هذه الثقافة على لغة هذا الشعب، فاللغة في أي مجتمع هي مرآة ثقافته ، وهي الوسيلة التي تستخدمها الشعوب للتعبير عن العناصر المختلفة للثقافة :عاداتها ، ومفاهيمها، وتقاليدها ،وقوانينها، ويوجد تكامل بين اللغة والثقافة، وكلاهما يكتسب بصورة اجتماعية، فالتكامل بين اللغة والثقافة على درجة كبيرة من الأهمية،وإذا نظرنا وضع اللغة العربية وثقافتها في الصومال نجد أنها تتمتع بمكانة رفيعة حيث أحرزت نجاجا كبيرا منذ بدء انتشارها المرتبط مع بداية انتشار الإسلام في منطقة القرن الإفريقي عموما والصومال خصوصا سيما في أوساط المثقفين والعلماء أو ما يعرف عموما بالطبقة المستنيرة وأنها توغلت في اللغة الصومالية بشكل متجذر، وأثرت تأثيرا في كثير من مفردات اللغة الصومالية وخاصة ما كان متعلقا بمجالات العبادة ، والقضاء، والمعاملات، والموازين التجارية، فضلا عن مجالات الحرب وأدواته ، إلى جانب أن العربية ظلت لغة التعليم والتعلم، والتسجيل ،والتدوين ، والمراسلات ،والعهود والاتفاقيات المبرمة، والعقود التجارية طوال القرون التي سبقت عن كتابة حروفها بالحروف غير العربية ، كما كانت أيضا مصدرا للمعلومات عرفت من خلالها الجماهير الصومالية ببعض مايحيط بها وأمدتها بنوع من المعرفة في وقت لم تعرف البلاد المدارس أوالتعليم الذي تشرف عليه الحكومات.
ومع هذا فإن الكتب العربية كانت في متناول اليد في مراكزمعروفة في أنحاء البلاد يذهب إليها الدارسون لطلب الٍعلم والتفقه ثم ينتشرون في أرجاء الوطن لفتح المدارس وتعليم القرآن الكريم ،ومبادئ الأساسية للفقه والشريعة .وبهذا كان تعلم اللغة العربية شيئا أساسيا تتعلمها الجماهيرعلى المستوى الشعبي في كل مكان، وذلك رغم ندرة مراكزالإشعاع وقلة الإمكانيات والوسائل التعليمية والانشغال بالرعي، وذلك رغم التفاوت الكبيرفي درجة إجادة اللغة العربية من منطقة إلى أخرى حسب تعدد وتوافرالمراكز الثقافية والبعد أوالقرب الجغرافي في المنابع الرئيسية المتناثرة في أرجاء العالم العربي- الإسلامي ، إلى جانب ذلك أن المراكزالعديدة لتعليم اللغة العربية والتي أخرجت الآلاف من العلماء والمثقفين الذين كانوا على مستوى من المعرفة في اللغة تضارع إخوانهم في العالم الإسلامي كانت جيدة المستوى ، وكان لهم العديد من المؤلفات والكتب والأشعارتتناول جميع الموضوعات وكانت على مستوى عال من الجودة ، و إن كثيرا منهم استطاعوا أن ينشدوا أشعارا كثيرة مختلفة غير أننا لم نعثر على أغلب هذه القصائد بسبب الضياع والتلف، ولكن بعد تتبع المصادر والمراجع العربية نجد أشعارا كثيرة ألقاها بعض شعراء أهل الصومال مثل القصيدة اللامية التي وضعها الشيح عبدالرحمن الزيلعي ، وقد سمى لامية الأفعال (رفع الإيثار عن مفاتح الأسرار) ومن بين أبياتها :
بيني وبين الحافظين ثلاثة واثنان بالفقهاء كان وصالي
وهناك عدة مقومات تسهل نشر الثقافة العربية في الصومال وهي كالآتي:
- الموقع الجغرافي: إن الموقع الجغرافي للصومال وقربه للعالم العربي وخاصة جنوب الجزيرة العربية يؤدي دورا كبيرا في نشر الثقافة العربية في الصومال وذلك من خلال التبادل التجاري بينهما علما بأن تجارة الصومال تعتمد على الخليج العربي وهو ما يسهل الاندماج بين الشعبين ،فقد كانت الصومال في العصور الوسطى مقصدا للمهاجرين العرب وأغلبهم كانوا من اليمن وعمان حيث أسسوا إمارات إسلامية ومدنا عامرة ومزدهرة أهمها مقديشو عاصمة الصومال ،وبراوة ، ومركا وغيرها ولازالت في الصومال حتى يومنا هذا جاليات عربية كبيرة تسكن أحياءا كاملة في بعض المدن الصومالية
- القرآنالكريم :يؤدي القرآن الكريم دورا كبيرا في نشر الثقافة العربية في الصومال، ومن عادة الصوماليين أن الطفل عندما يصل أربع أوخمس سنوات عليه أن يتجه إلى الكتاتيب والخلاوى المنتشرة في أرجاء البلاد ومن خلال الكتاتيب يتعلم كتابة اللغة العربية ولذلك لايوجد شخص صومالي لايجيد كتابة اللغة العربية ولكن دون فهمها ولذلك فإن الشعب الصومالي يستطيع تعلم اللغة العربية بسهولة ولكنه بحاجة إلى مراكز متخصصة لتوجيه هذه الطاقات والاستفادة منها
- .عضويةالصومالفيجامعةالدولالعربية: لم يكن انضمام الصومال للجامعة العربية شيئا جديدا بالنسبة لمن لديه معلومات عن تاريخ المنطقة أوالمتتبع للعلاقة بين الصومال و العالم العربي قديما وحديثا، وإذا كانت حكومة الثورة الصومالية قد اتخذت هذه الخطوة التي أظهرت حقيقة انتماء الصومال إلى العالم العربي فإننا نشير بأنها ليست وليدة اليوم ولا الأمس ،، وذلك لأن دخول الصومال للجامعة العربية ليس أمرا قائما بذاته أو قرارا أملته الاعتبارات السياسية بل هو شيئ مرتبط بتاريخ هذه الأمة ومقوماتها الأساسية، إن القرار الذي اتخذته الثورة ليس إلا تتويجا للعلاقات العميقة التي ربطت بين الشعب الصومالي والشعوب العربية الأخرى .
ولذلك فإن عضوية الصومال في الجامعة العربية تساهم بشكل كبير في نشر الثقافة العربية وتعريب الشعب الصومالي بسهولة حيث التزمت الدولة الصومالية نشر الثقافة العربية في الصومال علما بأن أغلب القبائل في الصومال من أصول عربية وتعتز بانتمائها للعروبة
- وحدةالتقاليدوالعادات :هناك تشابه ووحدة في العادات والتقاليد بين الشعب الصومالي والشعوب العربية فالخصائص البدوية تجد بحذافيرها في سلوك راعي الإبل الصومالي وهي الحرفة الرئيسية في البلدد فلو انتقل ذلك الراعي إلى صحراء الجزيرة العربية أوالخليج فلايجد شيئا جديدا عليه سوى الطبيعةالجغرافية ، وإذا كانت الطبيعةالبدوية في حالة تغير بعد ظهور البترول في أماكن عديدة من أجزاء الوطن العربي فإننا نجدها في الصومال حية وتحمل ذلك التراث العربي الأصيل بكل خصائصه المعروفة من كرم وشجاعة وحساسية نحو كلما يمس الكرامة والثقة بالنفس والكبرياء ،كل هذا وغيرها مازالت مكونات الشخصية الصومالية بإيجابياتها وسلبياتها محافظة على أعراف الشخصية البدوية بنقاوتها وأحاسيسها الإنسانية المرهفة. وكل من يريد أن يعرف الوحدة العضوية للطابع القومي الصوومالي العربي عليه أن يرجع إلى الحياة التي تمارس في البادية الصومالية ومثيلها في أجزاء الوطن العربي فهي غنية بالمعاني التي لايمكن حصرها في بضع صفحات
ومهما يكن فالعربية أصبحت اللغة الأوحد في المنطقة التي تستخدم في القضايا الثقافية، والسياسية ،والاقتصادية، ليس في العصور الوسطى فحسب، وإنما في العصور الحديثة و المعاصرة و لم تعرف في منطقة شرق إفريقيا بما فيها بلاد الصومال لغة غيراللغة العربية وحروفا غيرالعربية و قلما غير القلم العربي في فترة ماقبل 1972م وهي الفترة التي اعتمدها النظام الحاكم بكتابة اللغة الصومالية بالحروف اللانينية، ومن ثم أصبحت نقطة تحول في تاريخ وجود اللغة العربية وانتشارها في الصومال .
وقد ازددت أهمية ومكانة اللغة العربية في الصومال بانضمامها إلى الجامعة العربية بتاريخ 14فبراير سنة 1974م حبث رحب الشعب الصومالي هذه الخطوة واعتبرها إنجازا عظيما وتأكيدا لدوره الطبيعي بين الشعوب العربية ،وأحس كل فرد فيه بأنه عربي أصيل، وبدأت عملية التعريب في الصومال وتعليم اللغة العربية بمختلف أطياف الشعب الصومالي، ورغم أن الشعب الصومالي كان مستعدا بهذه الخطوة بمنتهى الصدق والإخلاص إلا أن الثورة تنصلت التزاماتها بل أعاقت عملية التعريب في الصومال لأسباب سياسية ، كما ان الجامعة العربية لم تكن تعطي لها من الأهمية بما يجعل النظام الحاكم مضطرا بالتعاون معها ، ولذلك لم تنتشر اللغة العربية في الصومال كما كان متوقعا،
ولكن بعد سقوط نظام سياد برى انتشرت اللغة العربية في الصومال بوتيرة متسارعة، بحيث افتتحت مدارس تدرس باللغة العربية في أرجاء الجمهورية وتحولت اللغة العربية لغة التعليم والتدريس، وبذلت المنظمات والهيئات العربية جهودا جبارة بتكفل تكاليف هذه المدارس، مما كان له أثر إيجابي في انتشار اللغة العربية،ولم تكن آنذك مدرسة واحدة تدرس باللغات الأجنبية وتبوأت اللغة العربية في الصدارة ،ولكن هذا الإنجازتعرض لانتكاسة كبيرة وتراجع ملحوظ،وذلك بعد أحداث 11 سبتمبر وخروج كثيرمن المنظمات العربية من الصومال ،مما أدى إلى إغلاق بعض المدارس أبوبها ودخل في الخط مباشرة مؤسسات غربية شجعت بشكل كبيرتعليم اللغات غيرالعربية أهمها الإنجليزية.
وبناء عليه تتعرض اللغة العربية في الصومال لأكبر تهديد تواجهها في تاريخ هذا البلد العريق ، حيث بدأت المدارس والجامعات تتحول من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية تعبيراعن اليأس من دعم الدول العربية للثقافة العربية، وتجاوبا مع الدول والمؤسسات الغربية التي تهتم بانتشار ثقافتها وتقدم الدعم اللازم لانتشارها مماأدى إلى ظهورجيل جديد لايعرف اللغة العربية، بل يعتبرها رمزا من رموزالتخلف والضعف متاثرا برؤية العلاقة المتبادلة بين العالم الإسلامي والغربي .
وممازاد الأمر تعقيداوجود منظمات دولية تشجع الشباب تعلم اللغة الإنجليزية وتوفرلهم وسائل التعليم ، ثم تقديم الحوافز بما فيها الوظائف بعد التخرج، بينما في المقابل لا توجد منظمات عربية ولامراكزللتعليم اللغة العربية في البلد، وبالتالى تشهد البلاد حالة من فقدان التوازن بين اللغتين العربية والإنجليزية ، وتشهد العربية في الصومال حالة من الإنقراض الشديد.