القرصنة والقراصنة صداع إقليمي ولد ومازال يؤرّق البحارة والقباطنة وخاصة في السفن التي تشاء مقاديرها أن تجتاز غمرات المحيط الهندي، فضلاً عن أن تقترب من سواحل القرن الإفريقي حيث قراصنة الصومال.
قراصنة الكاريبي
وفيما دأبت أفلام هوليوود منذ أيام القرن العشرين على عرض حكايات قراصنة البحر الكاريبي، وهم الذين ظلوا يروّعون ملاحي ومسافري تلك المنطقة من أقصى غرب الكرة الأرضية، فقد ظلت أطياف القراصنة ومغامراتهم، وطبعاً سلوكياتهم الوحشية تراود خيالات الصغار والمحدثين من أجيال تلك الحقبة من القرن الماضي، ومنها بالذات حكاية القرصان ذي اللحية الزرقاء وما يماثلها.
. لكن لكل شيء نهاية.. وتلك قاعدة مجربة عبر الزمن. ولا يستثنى منها حتى قراصنة المحيط الهندي. لقد آذنت نهايتهم بعد أن ظلوا يلقون الرعب في نفوس الناس على مدار السنوات الماضية. يُرهبون السفن ويصعدون بالسلاح الخطير فوق متنها. ويأخذون من بحارتها أسرى ومساجين. وقد يستولون على السفينة ذاتها. ثم يطلبون الفدية الطائلة التي كانت تصل أحياناً إلى ملايين الدولارات.
دراسة
كل هذا آذنت شمسه إلى مغيب. هكذا تقول جريدة «الغارديان» الإنجليزية في دراسة من مراسلتها في «مومباسا» في القرن الإفريقي «جسيكا هاتشر».
أما أسباب هذه النهاية، على نحو ما ترويه الجريدة المذكورة (عدد 16 أغسطس 2013). فمنها المعقول.. ومنها الطريف كذلك. ومن المعقول مثلاً أن تخفّ أو تهمد ظاهرة القرصنة في القرن الإفريقي بعد أن عمدت شركات الملاحة العالمية إلى تسليح حتى السفن التجارية التابعة لها، كي تتوافر لتلك السفن إمكانات الدفاع عن النفس في وجه القراصنة الإفريقيين.
ومن تلك الأسباب أيضاً ما يتصل بقرار تسيير سفن حراسة أقرب إلى البوارج المسلحة أو المدمرات الحربية. في دوريات تجوب تلك المياه الدافئة من أصقاع المحيط الهندي التي تتاخم منطقة شرق القارة الإفريقية.
أسباب أخرى
وفيما يظل هذا السبب وجيهاً ومعقولاً بالنسبة لتراجع وانحسار ظاهرة القرصنة إياها. فثمة أسباب أكثر طرافة تسوقها الصحافية الإنجليزية، وهى كامنة بدورها في تبرير هذا الانحسار والأسباب ببساطة هي:
إن كثيراً من هؤلاء القراصنة الإفريقيين أصبحت حياتهم أكثر يسراً وربما أكثر راحة وأشد رفاهية.. لماذا؟.. لأنهم «ينعمون» الآن بهذه الدعة والرفاه وهم مودعون في زنزانات السجون وخاصة سجن «شيمو لاتيوا» المشدد الحراسة إلى أقصى حد على الساحل الكيني من شمال إفريقيا. مسؤولو السجن المذكور يقولون إن لديهم 111 سجيناً.. أو قرصاناً سابقاً من نزلاء المكان، منهم المحكوم عليهم ومنهم المشكوك في أمره وبانتظار المحاكمة.
تعليم المساجين
ولأن لوائح السجن المذكور ترفع لافتة أن السجن «تهذيب.. وإصلاح» فالهدف يتمثل في أن يترك السجين المكان وقد تعلّم شيئاً، واكتسب مهارة تعينه على شق طريق مشروع وسلمي في شعاب الحياة. من هنا يقول مسؤولو المكان – إن السجين – القرصان السابق الصومالي تتاح له فرص تعلم القراءة والكتابة أو استخدام مكتبة السجن..
أو الانتظام في سلك حرفة مفيدة – مشروعة طبعاً – فضلاً عن إتاحة وسائل الاتصال الهاتفي مع الأهل والأقارب في بلاد الصومال.. فما بالنا وقد أتيحت لهم سبل إزجاء الفراغ في ممارسة الألعاب الرياضية أحياناً أو ممارسة العزف والغناء أحياناً أخرى! ويضاف إلى هذا بطبيعة الحال إتاحة سبل الرعاية الصحية والتغذية المعقولة..
والمضمونة أيضاً. الهدف إذن هو تحويل الفرد من قرصان سابق إلى إنسان طبيعي مزود بإمكانات كسب الرزق الآمن بعيداً عن مقامرة القرصنة التي كان يمارسها بين أمواج المحيط.
إن مصطلح قرصان في لغات الغرب وهو Pirate مشتق من الأصل اليوناني الذي يفيد بمعنى العدوان والسرقة.. لكن القرصان الصومالي يحتاج في نهاية الأمر إلى فرصة مشروعة لاستمرار الحياة.. لأنه إنسان.
نقلا عن جريدة البيان