عادة ما يقدم المخرج البريطاني بول جرين جراس, نوعين من الافلام. النوع الاول يدور حول شخصيات هي بالاساس تبحث عن المغامرة, فتجدها تقفز من النوافذ وتتسلق الجبال وتقود سيارات تطير في السماء وتعبر المحيطات دون اسباب منطقية.
هذا النوع شاهدنا منه’ يوم الاحد الدامي’, و’الوحدة93′. اما النوع الثاني فيدور حول شخصيات تحاول الابتعاد قدر ما تستطيع عن المغامرات, حياه هؤلاء لا تتعدي الروتين اليومي واذا كانت تبحث عن شيء فهو الهدوء والبعد عن المشاكل…لكنها تسقط في هذا الخضم من المغامرات لنفس الاسباب التي تريد بها الابتعاد عن المشاكل…..هذا هو فيلم’ الكابتن فيليبس’ الذي يقوم ببطولته شخصان احدهما حصل علي الاوسكار مرتين عن جداره وهو توم هانكس, والاخر يمثل لاول مرة وهو باركلاند آبدي, الذي استطاع أن يختطف هانكس ويخطف ايضا الكاميرا منه اكثر من مرة.
تعد الشخصيات العادية التي يمكن ان نلتقيها في بيوتنا وبين افراد عائلاتنا من اصعب الشخصيات التي يقوم بها الممثل. فمثل هذه الشخصيات تمر علينا دون ان نلحظها ولا نتوقف عندها كثيرا, ولا يمكن لها ان تقوم بادوار البطوله المتعارف عليها- خاصة في السينما الامريكيه- لكنها في الغالب شخصيات محببه ومقربه من القلب… هذا هو الكابتن فيليبس او هانكس. هذا الكابتن هو قائد السفينه التجارية’ ميرسك الأباما’, التي كانت في طريقها الي كينيا عام2009. كان الكابتن فيليبس وهو ضابط بحري بريطاني عمل علي متن السفن التجارية لنقل البضائع بعد تقاعده, يعرف تماما خطورة الابحار بالقرب من سواحل الصومال, التي اصبحت لاكثر من عام تعيش علي اختطاف السفن والحصول علي الفدية كنوع من الارتزاق.
وعلي الرغم من ان الكابتن الحقيقي يحاكم الان في امريكا لانه تجاهل كل الرسائل التي ارسلت له من الخطوط البحرية التي يعمل لحسابها حتي يبتعد علي الاقل600 ميل بحري عن سواحل الصومال, الا انه تجاهل الرسائل واراد- مثل كثيرين- ان يعود من رحلته بسرعه الي حيث زوجته وأولاده وربما احفاده ايضا. وهكذا, وجد الكابتن نفسه في مغامرة لم يحسب حسابها جيدا ولا كان مهيأ لها من قبل… حتي في اللحظة التي يقترب من السفينه مجموعه صغيرة من القراصنه لايجد وسيله للتعامل معهم سوي الحفاظ علي طاقمة حسبما تدرب لا اكثر ولا اقل.
لذا, كان علي الكابتن توم هانكس في هذا الفيلم ان يحل المعادلة الصعبة- شخصية هادئة قد تمل الحديث معها بعد بضعة دقائق عيله ان يقدمها في فيلم اكشن. كان من الطبيعي ان يختار جرين جراس توم هانكس للقيام بهذا الدور فهو وحده القادر علي كسر هذا الملل, كما انه يستطيع ان يجعل المشاهد غير قادر علي الابتعاد عنه او عن الشاشه بمعني ادق, خاصة بعد ان تم اختباره في فيلمه الرائع’CastAway, الذي قدم فيه اكثر من ثلاثه ارباع العمل وحده يصارع الطبيعه الخشنه بعد ان تعرضت طائرة شحن كان يستقلها الي حادث جرفه بعيدا عن الحياة الحديثه والسهله وكذلك فيلمه’ مدرج المطار’, حيث لا يستطيع هانكس ان يدخل الي امريكا ولا يستطيع ان يخرج منها, فيقيم حياة كاملة بين مدرجات المطار. ولان هانكس كان قد تعود ان يحمل افلامه وحدة ليقدم نموذجا كبيرا في الاداء, فقد كان من الطبيعي ان ينتقل بهذه الشخصية’ العادية جدا’ الي آفاق جديد, ساعده فيها المخرج الذي كان طوال الفيلم يبحث عن شيء في الارض والبحر والسماء ينقل بها رسائل هذا الانسان العادي.. رسائله حول الحياة والموت وعالمنا الذي اصبح شديد الخطورة وشديد الظلم في آن معا.
هذا الظلم الي اصبح يسود عالمنا هو ما دفع’ ماس’ وثلاثة آخرين من العمل كقراصنه علي سواحل الصومال… وهل هناك عمل آخر. فالرزق القليل بل المجاعه والاحوال غير الانسانية التي تعيشها الصومال لم تكن لتقدم لنا سوي قراصنه. وعندما يسأل الكابتن فيليبس’ لماذا القرصنه..هناك طرق اخري للعيش’..كان يتحدث لغه الغرب الذي لا يعرف, وان عرف لا يريد ان يفهم. اما’ ماس’ فكانت اجابته واضحه..’ربما في أمريكا…ربما في أمريكا’. كان اقتحام الامواج العاتية والدخول الي السفينه وارغام قائدها علي التخلي عن موقعه من المشاهد الرائعه في هذا الفيلم, فهي سريعه الايقاع ولاهثة اكثر مما تحتمل الشاشه, حتي ان الكاميرا اضطرت بعدها ان تبتعد لدقيقة ليستطيع المتابعون للعمل ان يلتقطوا انفاسهم. فهذه المجموعه المخيفة من القراصنه تقوم بعمل ليسوا هم اصحابه بل هناك من يديره وعليهم التنفيذ. لذا, فان الفدية التي طالبوا بها وهي عشرة ملايين دولار, لم يكن من الممكن التنازل عنها لانهم ليسوا اصحاب القرار. وعندما اضطروا للخروج من السفينه وركوب البحر في احد قوارب النجاه بعد ان طاردتهم قوات المارينز الامريكيه, اخذوا معهم الكابتن فيليبس. كان وجود هانكس مع آبدي علي متن هذا القارب من اصعب المشاهد التي تم تصويرها وكانت آخر عشر دقائق الاكثر لهاثا واضطرابا علي الشاشه.. لكن الكابتن فيليبس كان يعرف مصيره جيدا, فقد جاء من عالم يعرف كيف يحافظ علي ابنائه..’لن تنجوا ابدا… المارينز لن تسمح لكم بهذا’…هكذا كان يتلوا نهايتهم لكنهم ولدوا في بلاد لم ترحم ابنائها ولم يتعلموا فيها ان هناك دوله ستحافظ عليهم, فيصروا علي الخروج الي عرض البحر حيث الامواج العالية. لكن هذا البحر كان ارفق بهم رغم امواجه من المارينز التي قتلت ثلاثة منهم واستطاعت ان تلقي القبض علي الرابع.. وطبعا انقذت الكابتن فيليبس.
المصدر جريد الاهرام