أغرب ما في العنصرية خاصة في الحالة الصومالية بانها عنصرية خجولةمتناقضة ، تعتقد بأنها غير مرئية ، وغير ملاحظة ، وتوهم نفسها بأنها غير موجودة على الأقل في صورتها الفاشية البغيضة ، فهي ” أي العنصرية” تُبرر لنفسها من خلال الافكار المتناقلة بأنها حق مشروع وطبيعي لكل صومالي ، وتقنع رعاياها بأنها ضرورة ملحة لتنظم سُبل الحياة ، وظرف مرحلي مؤقت لا يستحق التضخيم ، فالعنصرية لا تظهر للصومالي على إنها ميل قبيح ، و تطرف مرضي ، وخوف من الأخر في كثير من الأوقات ، لا، بل على إنها نتيجة متوقعة لأحداث ماضية ، و طبيعة بشرية تعشق التصنيف ، فتنسج على هذا الموال ، وتُدندن حول هذا الكلام مفاهيم وقيم عنصرية ، فتأتي القصيدة ، والحكمة ، والقصة فتدعم احقية التصنيف ومشروعية التفريق ، فيتكون لدى الصومالي موروث ثقافي غير منطقي في بعض أجزائه ، فيعتقد الفرد الصومالي بصحة موروثه ، ويستدل بألف دليل على واقعية تاريخه ، فبواعي منه او بدونه يكون هو أول من يتحسن فكرة بدون التصنيف لا تقوم سياسة ، و لا تنتظم دولة ، فمن الطبيعي بعد ذلك أن تُقنن العنصرية الصومالية بصورة تشريع قانوني منظم ، وأساس لدستور دولة محترم، تهيئ الأرضية العنصرية التي بها توزع المناصب ، ويرتقي الموظف ، وتُجاز المشاريع ، ويرتفع أشخاص ، ويُهمش آخرين . فالعنصرتنا القاتلة لا تُباري بالعداء بعلانية ، ولا تُصارح عن نفسها ببجاحه ، فهي تعمل فقط بوضوح الشمس يُبصرها كل شخص ، تحت غطاء الشعارات اللطيفة ، والجُمل الوطنية الجميلة التي تبررلبعض مظاهر العنصرية على إنها سقطات أفراد قلة ، لا تفكير أمة .
إذن لا تستغرب قارئ إذا شاهدت صومالي يبكي ويتألم وينفعل وهو يشاهد كلام الصحفي محمد علي ” وجي “ حين كان يروي قصة حياته المؤلمة ، و يسترسل بذكر بعض مواقف التنمر و التعنصر التي مرت عليه ، فبكاء ذاك الصومالي حقيقي ، مع إن القصص التي ذكرها “وجي “ كان يعرفها ويعرف الكثير غيرها ، فهو لم يُفجع بمجهول ، ولم يُكشف له مستور ، بل الصحفي ذكر بعض مظاهر العنصرية بلغة مزينة مرتبة ، فهو لم يفتح بعمق ملفات التميز الطبقي لبعض فئات المجتمع ، ولم يتكلم بإسهاب عن أنواع الظلم الاجتماعي الممارس ، ولم يٌفند العقل الخرافي الذي يُتوارث ، ولم يتحدث عن الحصار الفكري والمهني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تواجه الفئات المهمشة ، فكل ما فعله الرجل هو انه تكلم بقهر حقيقي، لمس تضادنا الفكري ،وذكرنا بتناقضنا العنصري و وازدواجيتنا القيمية ، وجعلنا بمواجهة غضاضة العنصرية ، وبشاعة نتائجها على أمل أن يصل بنا الحال أبعد من البكاءالمتقطع و الانفعال اللحظي السريع .