مستقبل الصومال بين مقتضيات الديمقراطية والرغبات  الشخصية

 

” كان من ضمن الأسباب التي جعلت الرئيس الأمريكي وودروويلسون يشعر عام 1917 أنه من المهم أن نجعل العالم أكثر أمنا للديمقراطية   هو أنها وحدها لديها القدرة على تحرير طاقات كل إنسان” واطلاق الأشخاص من سجون القبلية وخلع ربقة المطامع المفرطة من أنفسهم.

وبعد تصريحات  وودروويلسون  أنتشرت الديمقراطية في العالم لدرجة أنه في كثير من السياقات السياسية أصبحت   كلمة الديمقراطية لصيقة الشرعية وصفة يوسم كل حاكم نفسه حتى وإن كان دكتاتوريا.

وبحلول عام 2000 ، كان ما يقارب نصف سكان العالم يتمتعون بمؤسسات سياسية توفر تاريخيا مستويات عالية  من الحكم الديمقراطي بينما كان الصومال   غارقا    في أوحال الأزمات  التي تفجرت بعد سقوط نظام سياد بري الإستبدادي، ودارت نقاشات جادة وطويلة حول المخرج من الأزمة،  و طرق إعادة بناء الدولة وتوزيع العادل للسطة والثروة،  وكان هناك سؤال جوهري  مثّل جزء مهما من النقاش بين المدارس الصومالية المختلفة وهو نظام الحكم   الملائم،  وبدأ كثيرون ينظرون إلى   الديمقراطية  بأنها هي  النظام الأمثل للحكم والوسيلة الأنسب  لحل الأزمات التي تعصف بالبلاد  بإعتبارها توفر هيكلا سياسيا واجتماعيا   يوازن بين  المصالح العليا للدولة  والمصالح الشخصية  وتضمن   الاستقرار السياسي والأمني وحياة سعيدة للمواطنيين، واتفقوا في مؤتمر  المصالحة الذي عقد بمدينة عرته  في جيبوتي على نظام قبلي بوشاح ديمقراطي  الا أن العائق الأكبر أمام تنفيذ ما تم الاتفاق عليه كان الممارسة السلبية  لهذا النظام وعدم الإلتزام بإستحقاقاته  وخاصة فيما يتعلق بثلاثة شروط أساسية لإنجاح أي نظام ديمقراطي:

  • المساواة السياسية أو المشاركة السياسية العادلة: كما “تعد الحرية في الديمقراطيات اللبرالية الغربية القاعدة الأساسية لحقوق الإنسان والمثل الأعلى الذي يستحق الكفاح من أجله والموت في سبيليه اذا لزم الأمر” تعد كذلك قضية المساواة السياسية في الصومال  حجر الزاوية في الإستقرار السياسي والتعايش السلمي بين المجتمع الصومالي،  ويمكن القول إن الصوماليين بأسرهم يطمحون إلى الحكم ويسعون إلى أن يكون لهم دور في الحياة السياسية وفي عملية اتخاذ القرار ويطالبون المشاركة في السلطة العامة ترشيحا وترشحا وتمثيلا في المجالس وتعيينا  بمناصب عليا حتى إن لم تتوفر لديهم الأهلية المطلوبة  وأن ذلك بالتأكيد  حق طبيعي للفرد وشرط أساسي لنجاح النظام الديمقراطي  وإن لم يتحقق له ذلك  لن يتردد من أن يأخذ السلاح ويعلن الحرب على السلطة،  والثورة الماركسية “الإطاحة القسرية لكل الظروف الساسية القائمة” بغض النظر عما تكلفه من خسائر باهظة الثمن.  على الرغم من ذلك،   فالسياسيون  الصوماليون عندما يأتون إلى السلطة  ينسون جزءا من حياتهم ونضالهم من أجل تعزيز المشاركة السياسية  وأن   أول خطوة يقومون بها تكون تدمير الآليات السياسية التي أتوا إلى السلطة عبرها، ومقومات النظام الديمقراطي،  وتقليل شأنها مثل مؤسسات الدولة والدستور ، والأحزاب السياسية،   وسائل الإعلام وغيرها تحقيقا لمصلحتهم الخاصة وينظرون هذه الآليات بأنها مهددة لسلطتهم وخطرا على إعادة انتخابهم في المستقبل ويتخذون أي قرارات  يرونها تضمن لهم منافعهم الشخصية وفي مقدمتها البقاء على كرسي الحكم.

 ٢- حكم  الأغلبية :  يعتبر ما يمكن اطلاقه بـ “استبداد الرئيس الفائز”  العائق الأكبر أمام ترسيخ قواعد الدولة وتكريس الديمقراطية في الصومال،  حيث  يحاول كل سياسي صومالي عند ما يفوز بالإنتخابات أن يفرض إرادته على الأخرين ويخضع جميع مؤسسات الدولة سواء الحكومية أو المدنية لحكمه المباشر،  ويقوم باستغلال نفوذه ليدوس بقدميه على حقوق الأقليات ويقول إن النظام الديمقراطي يمنح له هذه السلطة المطلقة، ويجعل تحقيق رغباته وطموحاته شرعا لا يمكن المساس به وأن أي نقده ضده يعتبره تحشيدا وهجوما على الديمقراطية.

٣- التداول السلمي للسلطة : يمثل مبدأ التداول السلمي للسلطة جوهر الديمقراطية وركيزتها الأساسية.  وفي الصومال بات ينحصر هذا المبدأ في ممارسات سياسية الهدف منها تثبيت حكومة الرجل الواحد، فالحاكم الذي في السلطة يحاول كل مرة أن ينظم العملية الإنتخابية وفق مقاييس ومعايير تقصي معارضيه ، وتشكل له طوق النجاة لما يلاحقه من فشل وتمكنه من إعادة انتخابه أو الاستمرار في الحكم لفترة غير محدودة، ولا يأل جهدا في القضاء على جميع ما يقتضيه مبدأ التداول السلمي للسلطة من الإعتراف المتبادل وتعزيز التعددية الفكرية والسياسية المؤسسة على قيم الحوار ، وينتزع الأهمية  من الآليات الضامنة للانتقال السلمي للسلطة  ويتذرع تارة بأنه يحتاج إلى التمديد لاستكمال المشروعات السياسية الجارية وأحيانا أخرى بأن البلاد عاجرة عن توفير بديل مناسب وأنه الرجل الوحيد القادر على  حماية البلاد والمحافظة على تماسك الشعب، وأنه لا يتنازل ولا يقبل  الحلول الوسطية  الا عندما يقف أمام ورطة ويتحقق أن جميع الطرق باتت مسدودة أمامه..

في هذه المرحلة التي يقف الصومال أمام منعطف مهم، ويستعد الشعب الصومالي لإنتخابات تشريعية بغض النظر عن آلياتها،  يجب التأكيد على أن المصلحة العليا للوطن مقدمة على المصالح الاخرى وأنه ينبغي التركيز على ترسيخ قواعد الديمقراطية في البلاد وتعزيز السيادة الشعبية من خلال تسخير الامكانيات والطاقات المتوفرة في سبيل اصلاح الآليات الموجودة، ومنع تكرار الأخطاء الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى