الصراع الصومالي-الإثيوبي على البحر الأحمر … التهدئة أم المواجهة الشاملة؟

وفقا للقانون الدولي، ما قامت به إثيوبيا في 1 يناير عام 2024 ،  إنتهاك للسيادة الصومالية، ومناف للأعراف الدولية ولا يستند إلى حقائق، وخرق للإتفاقيات المنشئة للاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيغاد، ويضرب مبدأ حسن الجوار الذي هو أساس الاستقرار عرض الحائط، لكن الحقيقة الماثلة أمامنا هي أن الخيارات أمام الصومال للرد على القرار الإثيوبي محدودة  وغير مضمونة النتائج المرجوة، وتفتقر إلى الأوراق الدبلوماسية، والنفوذ الاقتصادي والعسكري ، وأن الوضع الداخلي الذي بدأ يتحسن ويتعافي من آثار الحروب لا يحتمل إلى صراع منهك ومعقد  ومتعدد الساحات مع دولة كبيرة وجارة مثل إثيوبيا . ففي مثل هذه الحالة يتطلب الأمر إلى عدم التسرع في القرارات، والامتناع عن الإنجرار  وراء الشعارات، والمشاعر السلبية لدى الشعب الصومالي تجاه إثيوبيا، ويجب على صناع القرار في الصومال قراءة الواقع المحلي والإقليمي والدولي بصورة جيدة، وتحديد هامش المناورة مع الأخذ بعين الإعتبار أن المغامرات السياسية غير المحسوبة ، والانصياع للمطالبات الشعبوية لم يحصد منها الصومال سوى التفكك وانهيار الدولة.

ما تمتلك إثيوبيا من الأوراق الدبلوماسية والنفوذ السياسي والعسكري أكثر بكثير من الأوراق التي تملكها الصومال، فهي دولة كبيرة سواء من حيث المساحة وعدد السكان ، وأن  ما تسعى إليه من الحصول على مؤطئ قدم في البحر الأحمر يعد محل إجماع لدى الشعب الإثيوبي  بمختلف أطيافه بما فيها قومية تغراي العدو اللدود للرئيس الإثيوبي الحالي أبي أحمد، وأن موضوع البحر الأحمر موضوع استراتيجي ومصيري بالنسبة لإثيوبيا ولا يقل أهمية عن ملف سد النهضة . ومن الناحية الدبلوماسية، فإثيوبيا دولة مهينة على المنظمات الاقليمية في إفريقيا وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي الذي يقع مقره في أديس أبابا،  ومنظمة الإيغاد،  كما أن لديها علاقات استراتيجية مع العديد من الدول الإفريقية والعربية والآسوية ، وتتمسك بخيوط العديد من الأزمات التي تعصف بالقارة السمراء وأبرزها السودان وجنوب السودان. وكذلك لديها نفوذ مؤثر في دول الجوار مثل جيبوتي. والأهم من ذلك كله أن إثيوبيا لديها نفوذ سياسي وعسكري قوي داخل الصومال وتنشر قواتها  سواء التي تعمل ضمن قوة بعثة الاتحاد الإفريقي أو التي تعمل خارج هذا الإطار في عدد كبير  من المناطق في وسط وغرب الصومال. أضف إلي ذلك أن خطوة إثيوبيا وإنتهاكها على سيادة الصومال تأتي  في وقت بات العالم منشغل في الحرب الفلسطينية -الإسرائيلية، والحرب الروسية -الأوكرانية، والأزمات الأقتصادية التي تضرب العديد من الدول الغربية منذ أزمة كوفيد 19. وبناء على ذلك لم يعد أمام الصومال سوى ثلاث خيارات لكل له سلبياته وايجابياته:

  1.  المواجهة الشاملة: وهي  طرد السفير الإثيوبي وقطع العلاقات الدبوماسية  معها وتعليق جميع الاتفاقيات المبرمة بين البلدين والمطالبة بسحب القوات الإثيوبية، ومنع أي نشاط إثيوبي في أي منطقة من المناطق الصومالية.  هذا الخيار يعد الخيار المفضل لدى غالبية الشعب الصومالي وأن الصومال قادرة على فعل غير أنه يمثل انتحارا سياسا و له تداعيات خطيرة على الوضع الأمني والسياسي في الصومال، وقد يفتح الباب على  مصراعية لمزيد من الفوضى والتفكك . فإثيوبيا مغلغلة في دوائر صنع القرار في الصومال ولها نفوذ حقيقي في  بعض الحكومات الإقليمية، وأنها تتحكم نهري جوبا وشبيلي شريان حياة الشعب الصومالي وبالتالي يبدو هذا الخيار  ضعيفا ولا يمكن  أن تتجزئ الحكومة الحالية على اتخاذها وأن طبيعتها وتشكيلتها الحالية لا تسمح بالقيام مثل هذه الخطوة وأنه يشكل ضربة بشعار الرئيس الصومالي  “صومال مع تصالح مع العالم”  .
  2. التصعيد الجزئي: مطالبة السفير الإثيوبي بالعودة إلى بلاده للتشاور ، واستداعاء السفير الصومالي للتشاور، وتكريس حملة  سياسية ضد إثيوبيا في المحافل الإقليمية والدولية والاتصال بالدول التي ليس لها علاقات جيدة مع إثيوبيا كمصر . وهذا الخيار  يبدو من ناحية ضغيف ولا يلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب الصومالي ومن ناحية آخرى لا يردع إثيوبيا ولا يحول دون التصعيد واتخاذ إجراء سياسية يزعزع الاستقرار السياسي في الصومال ويعيد إلى الأذهان الخلافات  بين الحكومة الفدرالية والحكومات الاقليمية
  3. التهدئة:  ليس تنفيذ الاتفاق بالأمر الهين ، ويحتاج إلى وقت وإجرءات قانونية كالاعتراف بإدارة أرض الصومال، كما أنه يشكل تهديدا على بلدان أخرى مطلة على البحر الأحمر  وبالتالي ينبغي إنهاء الأزمة بالطرق الدبلوماسية عبر تعزيز العلاقة مع إثيوبيا وطمائنتها في حماية مصالحها  سواء على الصعيد التجاري أو الاقتصادي وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين البلدين وخاصة اتفاق عام 2018 والذي نص على خطط للاستثمار المشترك بين البلدين في أربعة موانئ على البحر الأحمر لجذب الاستثمار الأجنبي .

فأي واحد من هذه الخيارات اخذت الصومال وفق العديد من الخبراء والسياسين الصوماليين، فإن إثيوبيا لن تتخلى أطماعها في الوصول إلى البحر الأحمر ،  وهذا حلم يراودها منذ استقلال اريتريا  عام 1993 ، وأنها تريد تحقيقه سواء بالقوة أو عبر الطرق الدبلوماسية  ولكن الخيار الأخير يعطي للصومالين بعض الوقت لرصّ صفوفها  وتعزيز أوراقها وتنويعها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، والإستعداد للمواجهات المقبلة والأكثر حدة ومصيرية.

زر الذهاب إلى الأعلى