زيارة الوفد العسكري القطري لمدينة طوسمريب …بين الانتقاد والترحيب  

وصل إلى مدينة طوسمريب عاصمة ولاية غلمذغ يوم السبت 14/يوليو- تموز/2019م، وفدا عسكريا قطريا رفيع المستوى، يضمّ ضباطا ومسؤولين كبار في وزارة الدفاع القطرية، وذلك لإجراء مباحثات حول عمليات تدريب الجيش الصومالي وتطويره مع مسؤولي الحكومة الفيدرالية وإدارة غلمذغ في المدينة.

وتفيد الأنباء الواردة من مدينة طوسمريب، أنّ الوفد القطري الّذي وصل إلى طوسمريب على متن طائرة عسكرية أجرى مباحثات مع مسؤولين كبار في الحكومة الاتّحادية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء حسن علي خيري الذي يقوم بزيارة إلى هذه المناطق منذ أواخر الشهر الماضي.

 مغزى الزيارة

وعزت بعض وسائل إعلام محلّية مغزى زيارة الوفد القطري لمدينة طوسمريب إلى سببين رئيسين:

  1. تعزيز الدعم العسكري الّذي تقدّمه قطر للصومال، حيث يعتبر قطر وتركيا الحليف الأساسي للحكومة الحالية، ولذلك تسعى هاتان الدّولتان إلى تعزيز دورهما وتأثيرهم المشهد السياسي الصومالي ، فإذا كانت تركيا قد عرف بدورها المؤثر في الصومال منذ مجاعة 2011م، وكانتتربط مع الصومال علاقات متعددة الأوجه بداء من السياسي والاقتصادي ، وصولا إلى التعاون العسكري بين البلدين والّذي توج مؤخرا بإقامة قاعدة عسكرية تركية في مقديشو تساهم في تدريب وحدات من الجيش الصومالي، وبالتالي فإنّ قطر تحاول فعل الشيء نفسه، حيث قامت وبفترات مختلفة بتقديم دعم معنوي ومادّي للحكومة الصومالية الحالية،  بما في ذلك الدعم العسكري وتعهدات بتنفيذ مشاريع تنموية، بالإضافة إلى ذلك، تسعى قطر جاهدة في ادلاء دلوها  في مشاريع بناء الجيش الصومالي على مختلف فرقه وأجهزته ومن بينها جهاز المخابرات الصومالية.
  2. المساهمة في إعادة تأهيل مليشيات أهل السنة والجماعة التي تم دمجها لاحقا بالقوات المسلحة الصومالية، مما يعني إعداد مراكز تدريب لهذه المليشيات، وتقديم التّدريب العسكري اللازم بها والّذي يؤهّلها لتولّي مهمة دفاع إدارة غلمذغ من أي تهديد عسكري يواجهها، وهذا ما تمّ تناوله أثناء الاجتماعات بين الوفد القطري ومسؤولي الحكومة الصومالية، حيث تباحث الطرفان حول تنفيذ مخطط تدريب عناصر أهل السنة والجماعة الّذين تم دمجهم بالقوّات المسلّحة الصومالية.

أسباب  أخرى

لكن في المقابل، هناك من المحللين والمتابعين الصوماليين من يرى أن الأسباب الحقيقية لزيارة الوفد القطري لطوسمريب لها أبعاد أخرى من بينها، محاولة قطر سدّ الفراغ الناجم عن توقف مشاريع دولة الإمارات العربية المتحدة في الصومال ودورها في تدريب الجيش الصومالي إثر الأزمة الدّبلوماسية بين مقديشو وأبوظبي في إبريل/نيسان 2018م.

وبما أن دولة الإمارات العربية المتّحدة تشكّل عضوا أساسيا في التحالف المقاطع لقطر، فتحاول قطر أن تقوم بسد الفراغ الناجم عن الانسحاب الإماراتي ، ولكي تستقطب قطر الصومال – الّذي أعلن عن موقفه المحايد إزاء الأزمة الخليجية منذ اندلاعها- ، إلى صفّها أو على الأقل أن تبقى على موقفها المحايد، قامت بتقديم أنواع مختلفة من الدّعم للحكومة الصومالية منها مساعدات مهمة في مجالات التنمية والإغاثة والأمن وبناء مؤسسات الدّولة، حيث وقّع الطرفان -أي الصومال وقطر- عدّة  اتّفاقيات من بينها مشروع بناء طرق وترميمها مثل طريق مقديشو – جوهر بطول 90كم، وطريق مقديشو – أفجويي بطول 30كم، وقامت قطر أيضا بتأهيل مبنى لرئاسة الوزراء ووزارة التخطيط والاستثمار، وتأهيل مبنى لبلدية مقديشو والمعهد الدّبلوماسي، ووعدت قطر أيضا ببناء ميناء هوبيو، كما دشنت الخطوط القطرية -وبالتزامن مع الذكرى 59 لاستقلال الصومال-  رحلاتها إلى مقديشو عبر جيبوتي مما يعني توفير خط طيران عالمي يربط مطار مقديشو بمطارات العالم، حيث كانت هناك قبلها الخطوط التركية والخطوط الإثيوبية كخطّين عالميين ساعدا الكثير من المتنقلّين بين الصومال والعالم في كثير من أمور سفرهم.

هواجس ومخاوف

هذا الاهتمام المتزايد من قطر للصومال جعل بعض المحللين يبحثون عن الدافع الحقيقي وراء هذا الاهتمام، ومع أن عالم السياسة لا يخلو من تبادل المصالح حتّى بين الأشقّاء، فإنّه يميل بعض المحللين إلى أن قطر لها نوايا سليمة تجاه ما تقوم به من مساعدات تجاه الصومال، بينما  آخرون يبدون ارتيابهم من التعامل القطري مع الصومال، حيث يقولون أن التصرّف القطري تجاه القضايا الصومالية، جعل الحكومة الصومالية تنسى موقفها الحيادي من الأزمة الخليجية حيث يبدو للمتابع التوغّل القطري في كثير من المجالات المتعلّقة ببناء الدّولة الصومالية، ويظهر ذلك جليا في مجال الأمن والجيش، حيث تولي قطر اهتماما متزايدا لهذين المجالين فيما يتعلق بتعاملها مع القضايا الصومالية، وما الزيارة الأخيرة للوفد القطري إلى طوسمريب إلاّ تجسيد لارتياب بعض المحللين الصوماليين.

وعلى كلّ، فإنّه من المؤكّد أن الصومال بحاجة إلى دعم الأشقّاء والأصدقاء حتّى تنهض من كبوتها الطويلة، كما أنّه يجب على صنّاع القرار في الصومال الالتزام بموقفهم الحيادي بين الأشقّاء حتّى لا يخسروا طرفا من أطراف القضية، وفي المقابل يجب على المتصارعين في إيجاد موطئ قدم لهم في الصومال أن لا يؤججوا الصراعات الدّاخلية التي دمّرت البلاد والعباد، بل عليهم العمل على تحقيق تطلّعات الشعب الصومالي من أمن واستقرار وقضاء على البطالة المنتشرة في أرجاء البلاد والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ويتساءل قطاع عريض من الشعب أين كانت دولة قطر حين كان الصومالون في أمس الحاجة إلى دعم الاشقاء ولماذاكان موقفها دائما متعاطفا مع المجموعات المعارضة الا هذه المرة، أم أن دورها الحالي فهو تكتيكي ليس إلا   ولماذا تجاوز الوفد العسكري القطري البترول وطار مباشرة بطائرة عسكرية إلى مدينة طوسمريب لمقابلة رئيس الوزراء حسن علي خيري ودون اللقاء مع رئيس الجمهورية محمد عبد الله فرماجو، فإن الأيام القادمة ستبرهن حقيقة دور القطري في الصومال وستتضح أكثر ما اذا هي تعد صديق حقيقي وفيّ للصومال.

زر الذهاب إلى الأعلى